ظاهرة التغير المناخي ( الدفيئة )د.محمد مهنا المهنا

كوكب المنى مايو 05, 2023 مايو 05, 2023
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

 ظاهرة التغير المناخي ( الدفيئة )د.محمد مهنا المهنا



التأريخ بالكربون المشع ،طريقة لتعيين عمر أي شيء كان مادة حية في يوم من الأيام . واستخدمت هذه الطريقة منذ أن اكتشفها ( ويلا دو ليبي ) من علماء الآثار وغيرهم بشكل روتيني . فالأشعة الكونية الآتية من الفضاء الخارجي تدخل إلى الغلاف الجوي ، وتصطدم بذرات الهواء منتجة في كثير من الاحيان صورة مشعة من الكربون : كربون (14) أو (C14)  . و (C14 ) أثقل قليلاً من الكربون العادي إلا أنه مطابق له من الناحية الكيميائية تقريباً ," وهذه العملية مستمرة طوال الوقت "،لذا فإن (C14) يوجد في حالة اتزان تقريبي في الهواء ،وبمعنى أصح أن الكمية التي تتكون من (C14) تساوي تلك الكميات المزالة منه .

وما يثير اهتمام العلماء هنا هو أن الإنسان والنبات والحشائش تمثل جميعها جزءً من هذا الاتزان . فالنبات يلتقط(C14) عندما يأخذ ثاني أكسيد الكربون بكميات قليلة . وينتقل إلى الإنسان وسائر الحيوانات مع أغذيتها . وفي كل حالة يكون جزء الكربون المشع الذي يدخل الأجساد الحية مساوياً لما يوجد منه في الهواء ،وهذا يسري أيضاً على الطحالب والقواقع والحلقات الخارجية للأشجار ويبقى هذا الجزء كما هو ،وعند التقدم في العمر نجد أنه يتكرر على وتيرة واحدة بشكل يومي ،فهو( أي (C14) يتجدد كل يوم عن طريق التنفس أو الغذاء . وعند موت الكائنات الحية أو الأشجار فإن هذا التجدد يقف ،ويبدأ هذا الجزء بالتغير تبعاً لتحلل الكربون المشع التدريجي . أما الكربون المعتاد ( غير المشع ) فيبقى كما هو . وبهذا فإن موت هذه الكائنات يجعل ساعةً ما… تبدأ في العمل وتستمر حركتها لآلاف السنين .وهكذا يتمكن العلماء وخاصة علماء الآثار من حساب أعمار العينات التي يعثرون عليها مثل الأحافير وذلك بحساب الكمية المتبقية من الكربون المشع (C14) والكربون المعتاد باستخدام ما يسمى ( بنصف العمر ) للكربون المشع والذي يزيد على خمسة آلاف عام . 

إن هذه الطريقة طريقة نافعة لهذه الأغراض إلا أنها ليست بالمثالية ويكمن هذا في أن معدل الاضمحلال الإشعاعي ليس ثابتاً على الدوام ،إلا إذا افترضنا أن هناك دائماً نفس القدر من (C14)في الغلاف الجوي . وعند استعمال هذه الطريقة في تعيين العمر ،فإننا نستخدم بعض القوى الكونية ،وتأتي الأشعة الكونية من مجرة درب التبّانة كلها .

وقد طرأ مؤخرا على طريقة ( ليبي ) المعملية بعض التطوير من قبل العلماء ،حتى أصبح من الممكن إجراء قياسات أكثر دقة . وتبعا لهذا تم اختبار مواد حديثة التكوين،مثل الطبقات الخارجية للأشجار التي قطعت في الحال ،وثبت أن عمرها يقدر بمئات السنين !!!, الا أن القياسات جاءت دالة على تناقص بكمية الكربون المشع الكونية !!! ،فهل حادت قوى الطبيعة ؟ ،أم أن مجرة درب التبّانة قامت فجأة بتقليل إنتاجها من الأشعة الكونية ؟.

ولعله بالإجابة على هذه التساؤلات مدخلاً للموضوع الذي نحن بصدده موضوع ( التغير المناخي ) فالإجابة هي بالنفي ،فلم يكن هناك نقص في الكربون المشع في الهواء ،ولكن هناك زيادة أو فائض من الكربون العادي ،هذه الزيادة وصلت إلى الهواء "بلا شك " كناتج لإحراق الوقود الاحفوري ، وقام هذا الفائض بتخفيف الكربون المشع ومن ثم قلل من نسبته في النباتات التي نمت حديثاً . 

وبحرق الوقود االاحفوري(الفحم والبترول والغازالطبيعي ) قام الإنسان بإعادة الكربون العضوي المركز والمختزن في الصخور الرسوبية طوال ملايين السنين إلى الغلاف الجوي والمحيطات خلال فترة وجيزة لا تتجاوز مائة أو مائتي عام . وما يزال التغير في تركيب الغلاف الجوي آخذاً مجراه ،بل وبسرعة تزيد بكثير عن الوتيرة التي بدأ بها . ولقد حاول المجتمع العلمي متابعة هذه التغيرات لينتهي إلى تأكيدها ،وإن يقدّر ما تعنيه بالنسبة لمستقبل البشرية .

ولقد خلص الكثير من العلماء إلى أن هذه التغيرات التي حدثت ،ولا زالت تحدث ،للغلاف الجوي ستسبب  - بلا شك – تسخيناً سريعاً لسطح الأرض ،وأنه في وقت قريب في هذا القرن سيصبح المناخ أكثر سخونة من ذي قبل .

هذه الظاهرة ،أطلق عليها العلماء العديد من المسميات فمنهم من أطلق عليها (الدفيئة) ومنهم من أطلق عليها ( ظاهرة الاحتباس الحراري ) ومنهم من أسماها ( الصوبة ) ………. الخ ، وتعزى هذه الظاهرة إلى ثاني أكسيد الكربون المتزايد في الهواء وغازات أخرى مثل الميثان ومواد ( C F C ) وأكسيد النيتروز والأوزون في الطبقات السفلى من الغلاف الجوي .

هذه الغازات تسبب احتباس الأشعة تحت الحمراء ،مما ينتج عنه ارتفاع في درجات الحرارة . وللتبسيط فإن الأرض تشع نفس القدر من الطاقة التي تمتصها من الشمس ،ولكن تفاصيل الطريقة التي ترتب بها الأرض إشعاع هذه الحرارة تتأثر بشدة بتركيب الغلاف الجوي . فلو قمنا – على سبيل المثال – بإزالة جميع الغازات المسببة لاحتباس( الأشعة تحت الحمراء) من الهواء دون أن نغير أي شيء آخر فإن متوسط درجة حرارة سطح الأرض سيكون نحو  – 18 درجة مئوية إلا أن هذا ولحسن الحظ - لا يحدث في الطبيعة ،فعندما يرسل سطح الأرض الحرارة (الأشعة تحت الحمراء)  إلى أعلى ،تقوم بعض الغازات والتي يأتي على رأسها ثاني أكسيد الكربون بامتصاص الجزء الأعظم منها قبل أن تتمكن من الهروب إلى الفضاء ،ومن ثم ترتفع درجة حرارة هذه الغازات وتقوم هي بدورها بإشعاع هذه الطاقة الزائدة في كل الاتجاهات ليعود بعضاً منها إلى الأرض ويسخنها .

وينشأ الإشعاع الذي يتمكن من ترك الأرض ،على الأغلب ،عالياً في الغلاف الجوي حيث تنخفض درجة الحرارة إلى – 18 درجة مئوية ، وبذلك يتم الاحتفاظ بالتوازن الكلي مع أشعة الشمس الواردة .ومتوسط درجة حرارة سطح الأرض نحو +15 درجة مئوية ، ويؤدي احتباس الأشعة تحت الحمراء الذي يحدث اليوم إلى تدفئة سطح الأرض بمتوسط قدره (33 درجة مئوية) ، أي من درجة تقل كثيراً عن الصفر ،إلى درجة أعلى منه بكثير . ولولم يكن هذا هو الحال ،لكانت الأرض تتغطى دائماً بالجليد - وتصبح بذلك مكاناً غير ملائم للحياة ،ولا يصلح في المقام الأول لتطور الإنسان .

وتثير حقيقة أن التركيزات التاريخية للغازات المحتبسة للأشعة تحت الحمراء ،تسخن الأرض بمقدار كبير ،تساؤلاً فورياً :

 هل ترفع الزيادة في هذه التركيزات درجة الحرارة أكثر من ذلك ؟ 

يرى العديد من العلماء أن الإجابة المؤكدة ،نعم . والسؤال التلقائي هو:-

 ما مقدار هذا الارتفاع ؟

ولمعرفة مقدار هذا الارتفاع استخدم العلماء العديد من النماذج الرياضية والحسابية التي بدأت بسيطة إلى أن أصبحت غاية في التعقيد ،حيث أخذت العوامل التي يمكن أن يكون لها تأثير في عين الاعتبار .

وعلى الرغم من الفروق الملموسة بين ما ظهر من هذه النماذج ،إلا أنه كان هناك اتفاق تام على أن هناك زيادة في تسخين المناخ سيكون أكبر عند خطوط العرض المرتفعة عنه عند خط الاستواء ،كما أظهرت النماذج أنه سيقابل الارتفاع في درجة حرارة الأرض انخفاض في درجة الحرارة في منطقة الاستراتوسفير( منطقة في طبقات الجو العليا حيث طبقة الاوزون ) . وتنتهي معظم هذه الدراسات الرياضية والحسابية إلى أنه عند مضاعفة كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي فإن الحرارة سترتفع بمعدل ( 3  درجات مئوية ) . وفي دراسات أخرى ،أخذت غازات الاحتباس الحراري الأخرى في عين الاعتبار بالإضافة إلى ثاني أكسيد الكربون , رجحت أن متوسط حرارة الأرض يزيد بنحو (0,3 درجة مئوية) في كل عقد من السنوات القادمة ، وأنه سيتسارع بمعدل أكبر إذا ما استمرت معدلات انبعاث الغازات الحابسة للحرارة في الارتفاع .

ومن الثابت في الوقت الحاضر أن المناخ لم يكن يخضع في كل العصور لنظام ثابت بل طرأت عليه في بعض الأزمنة تغيرات كانت تصحبها تغيرات أخرى في مظاهر سطح الأرض وما عليه من مظاهر حيوية ،فمن المتفق عليه مثلاً أن شمال أوروبا بأكمله كانت تغطيه طبقات سميكة من الجليد تمتد حتى الحدود الشمالية لفرنسا تقريباً ،وكانت تستمر أحياناً عدة آلاف من السنين ،مما دعا العلماء إلى أن يطلقوا على تلك الفترات اسم (عصر الجليد (ICE AGE . وعندما كان الجليد يغطي شمال أوروبا كانت هناك زيادة واضحة في أمطار شمال أفريقيا وغرب آسيا وهي المناطق التي تنتشر فيها في الوقت الحاضر صحاري مجدبة عظيمة الاتساع وقد كانت الأمطار من الكثرة بحيث أطلق على تلك الفترات في هذه الجهات اسم ( العصر المطير ) .

وكان عصر الجليد يشمل في الواقع عدة فترات تفصلها فترات أخرى يميل الجو أثنائها للدفء وينصهر الجليد ، وكذلك العصر المطير كانت تتخلله فترات يحل فيها الجفاف وتسوده المظاهر الصحراوية ،ولقد أصبح موضوع العصر الجليدي والعصر المطير من الموضوعات التي لا مجال للشك فيها وإن كانت هناك خلافات بين الباحثين حول بعض التفاصيل . فقد دلت الأبحاث المختلفة على أن المناخ يمر في دورات بعضها طويل يشمل عشرات القرون ،وبعضها قصير يشمل عشرات السنين ،وهذه الدورات أو التذبذبات كانت لها آثار مباشرة على الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لكثير من الشعوب والأقاليم ،فقد كانت كثرة الأمطار مثلاً في بعض العصور وقلتها في عصور أخرى سبباً في اضمحلال حضارات ،وفي نشوء حضارات أخرى ،وفي موت بعض المدن وازدهار غيرها ، وفي هجرة بعض الشعوب من مواطنها الأصلية إلى مواطن أخرى . وقد استطاع كثير من المؤرخين أن يربطوا بين بعض الغزوات والهجرات البشرية الكبرى مثل هجرات المغول وغزواتهم المشهورة وبين تغيرات المناخ ، ورأوا أن معظم هذه الهجرات حدثت نتيجة لحلول فترات جفاف وجدب في مراعي وسط آسيا أدت إلى دفع السكان نحو الغرب .

وقد استنتج (هنتجنتين  (HUNTINGTONمن دراساته في غرب آسيا وأمريكا الشمالية والوسطى أن أثر التغيرات المناخية لم يكن مقصوراً على منطقة واحدة ،بل إنه كان يظهر في مناطق متباعدة في وقت واحد ،ففترات المطر والجفاف التي ظهرت في شمال أفريقيا كانت موجودة في نفس الوقت تقريباً في غرب آسيا وفي مناطق غرب أمريكا الشمالية الواقعة على نفس خطوط العرض مثل كاليفورنيا ،ففي القرن الأول بعد الميلاد تعرضت هذه المناطق كلها لظهور فترة ممطرة كان من نتائجها أن ازدهرت كثير من المدن في غرب آسيا وشمال أفريقيا ، وقد أعقبت هذه الفترات الممطرة فترة أخرى جافة بدأت حوالي القرن السابع الميلادي ،وكان من مظاهرها في آسيا وأفريقيا أن بدأ اضمحلال كثير من المدن ،وفترة الجفاف التي بدأت في شمال إفريقيا وغرب آسيا في القرن السابع هي التي لا نزال نلمس آثارها في الوقت الحاضر وإن كانت قد تخللتها فترات كانت الأمطار تزداد فيها نسبياً .

 قبل أكثر من مائة عام ونتيجة لبعض الدراسات التي أجريت حول تأثير غاز ثاني أكسيد الكربون على درجة حرارة الجو ،استنتج العالم أرينيوس بأن مضاعفة تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو سيؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة بمقدار ستة درجات مئوية ولقد أوضح العالم أرينيوس أن بعض الغازات النزرة في الغلاف الجوي مثل ثاني أكسيد الكربون بالإضافة إلى بخار الماء لها القابلية على امتصاص (احتباس ) بعض الطاقة الحرارية المنعكسة من سطح الأرض ومن ثم إرجاعها إلى الأرض مرة أخرى .

إن هذه الغازات هي أصلاً موجودة في الغلاف الجوي وبصورة طبيعية ،إلا أن نشاطات الإنسان المختلفة أدت إلى حصول تزايد مستمر في تركيزها في الجو. وتأتي زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو كنتيجة لاستخدام الوقود الإحفوري مثل الفحم والبترول والغاز كما وأن تدمير الغابات في مختلف أنحاء العالم وخاصة الغابات الاستوائية بالحرق والتقطيع يؤدي أيضاً إلى زيادة تركيز هذا الغاز في الغلاف الجوي .

ومنذ الثورة الصناعية ازداد تركيز هذا الغاز في الغلاف الجوي من (280) ليصبح (321) جزء بالمليون حجماً في سنة (1958م) وليصل إلى حوالي (360) جزء بالمليون حجماً في سنة (1994م) . إضافة إلى ذلك حصلت زيادات في تراكيز غازات الاحتباس الأخرى مثل الميثان حيث ارتفع تركيزه من (0.7) في بداية الثورة الصناعية إلى (1.72) جزء بالمليون حجماً في الوقت الحاضر . وينتج هذا الغاز من الأنشطة الزراعية واحتراق الكتل الحيوية واستخراج الفحم والنفط وتربية الحيوانات المجترة إضافة إلى تكونه من فعاليات التحلل اللاهوائي للمواد العضوية ،كما وحصلت زيادات أيضاً في أول أكسيد النيتروجين والهالونا .

وتدل القياسات على أنه خلال المائة سنة الماضية ازداد المتوسط العالمي لدرجة الحرارة السطحية بحوالي (0.5) درجة مئوية ،كما وارتفع مستوى سطح البحر خلال هذه الفترة بين (10) إلى (25) سم ،وفي عقد التسعينات كانت درجة الحرارة الأكثر ارتفاعاً . وكنتيجة للزيادة المستمرة في تراكيز غازات الاحتباس الحراري والاهتمام العالمي حول ما قد تسببه هذه الزيادة على المناخ ،تم تشكيل الهيئة الحكومية العالمية المعنية بتغير المناخ في سنة (1988م)  من قبل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية وبرامج الأمم المتحدة للبيئة ،ولقد أسندت لهذه اللجنة عدد من الواجبات أهمها تقييم المعلومات العلمية المتاحة بشأن تغير المناخ وتقييم التأثيرات البيئية والاجتماعية والاقتصادية لمثل هذا التغير وفي سنة (1990م) قدمت هذه الهيئة تقريرها الأول بعد تقييمها للنتائج العلمية المتاحة والتنبؤات المتوقعة للتغيرات المناخية وذلك باستخدام النماذج الرياضية المتوفرة ،ولقد أصبح التقييم الأول للهيئة الأساس العلمي والفني الذي تم الاستناد إليه في وضع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ والتي تم التوقيع عليها في مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة والتنمية ( قمة الأرض ) في عام (1992) ميلادي ،وتدعو الاتفاقية جميع الدول للعمل بصورة انفرادية أو مجتمعة على تقليل إنتاج غازات الاحتباس الحراري الناتجة من الأنشطة البشرية والمحافظة على مستواها الذي وصلت إليه في عام (1990) ميلادي .

وتتلخص التنبؤات المتوقعة عند حدوث التغير المناخي في التالي :

حدوث ارتفاع في درجة الحرارة العالمية تصل ما بين واحد إلى ثلاثة ونصف درجة مئوية في نهاية القرن الواحد والعشرين .

إن زيادة درجة الحرارة الناتجة من زيادة في الطاقة الواصلة إلى الأرض ستؤدي إلى زيادة كمية الأمطار في بعض الأقاليم وانخفاضها في أماكن أخرى وسينتج عن ذلك ظهور حالات الجفاف في هذه المناطق وذلك لزيادة التبخر وفقدان رطوبة التربة مما قد يؤدي إلى زيادة احتمال حدوث حرائق في الأعشاب والغابات .

التغيرات في شفافية الغلاف الغازي في ما يتعلق بإنفاذ الطاقة الواردة من الشمس والإشعاع ( الموجات الطويلة ) المنبعث من الأرض تلك التغيرات تتأثر على سبيل المثال بالآتي :

الغبار البركاني في الجو 

التغيرات في مقدار السحب والرطوبة .

الملوثات الناتجة عن النشاط البشري ،وأكثرها أهمية ثاني أكسيد الكربون أكاسيد الكبريت ،الذرات الترابية الموجودة في المستويات السفلى من الغلاف الغازي .

من المحتمل حصول زيادة في متوسط مستوى سطح البحر قد تصل ما بين (50 – 95 سم) وذلك نتيجة إلى التمدد الحراري وذوبان جليد المستوى المنخفض وزيادة ملوحة مصبات الأنهار واندفاعها إلى اليابسة  -  والمستودعات الأرضية للمياه وتغير في المد والجزر 5-. من المتوقع أن تزداد الإنتاجية الزراعية في بعض الأقاليم وخاصة في المنطقة المتجمدة والباردة حالياً وانخفاضها في المناطق شبه المدارية نتيجة لزيادة الجفاف في هذه المناطق ،كما وسيؤدي تغير المناخ إلى زيادة في الأمراض وتنوع الآفات الزراعية إضافة إلى تغيرات في نوعية المحاصيل الزراعية ومواعيد الزرع وممارسات الحرث ،كما وإن التغير في كلفة الحبوب وإنتاجية المراعي ستؤدي إلى تغيرات في إدارة تربية الحيوانات الزراعية والإنتاج الحيواني .


6-وقد يؤدي ارتفاع درجة الحرارة إلى إلحاق أضراراً صحية متعددة قد تكون ذات تأثيرات سلبية مباشرة مثل تأثر صحة الأطفال وكبار السن لموجات الحرارة العالية أو تأثيراً غير مباشرة مثل تردي نوعية الهواء وما تلحقه من أضرار صحية وامتداد الأمراض الاستوائية والمعدية إلى أماكن ومناطق جديدة .

وتأسيساً على كل ما سبق ،فإنه كثيراً من تأثيرات التغير المناخي موضوعاً للحساب تارة وللتخمين تارة أخرى ،فإلى أي مدى يمكن وضع الثقة بهذه الحسابات والتخمينات أو التقديرات المختلفة للمناخ الذي يأخذ بالتغير بشكل متسارع . وهل سيتمكن الإنسان من حماية نفسه أو التأقلم مع هذه المتغيرات .

مما سبق يتضح بان الكرة الأرضية تقوم بمهمة مزدوجة إزاء أشعة الشمس . ففي الوقت الذي تعمل فيه على امتصاص الحرارة أو الطاقة ، فإنها تعكس قدرا من الإشعاع إلى الغلاف الخارجي . بهذه المهمة المزدوجة تحتفظ الأرض بدرجة الحرارة اللازمة لبقاء الكائنات الحية على سطحها . لكن الإشعاع المنعكس من الأرض لا ينفد تماما من الغلاف الجوي . إذ يتم احتجاز بعضه بواسطة مجموعة من الغازات الطبيعية التكون سابقة الذكر،  وبفعل عملية الاحتجاز هذه يحدث توازن في درجة حرارة الكرة الأرضية . ولولا هذه التوازن لتدنت درجات الحرارة إلى معدلات تصبح الأرض غير ملائمة تماما مثل الكواكب الأخرى .والمشكلة تكمن في انه كلما زادت قدرة الغلاف الجوي على احتجاز الطاقة عن المعدل المعقول ، زاد متوسط درجة حرارة الأرض وبالتالي تظهر مشكلة   الاحتباس الحراري والتي شهد العقد الماضي من السنوات بداية الاهتمام الدولي المتنامي بها. 

لقد بات مؤكدا أن الثورة الصناعية قد أحدثت تغييرا عميقا في العلاقة بين الإنسان والطبيعة من حوله . ففي عام 1992م بدأت مفاوضات دولية مضنية بشأن إطار عمل معاهدة الأمم المتحدة حول التغير المناخي . وانتهت تلك المفاوضات بمعاهدة بدأ سريانها منذ منتصف التسعينات. 

وتسعى معاهدة التغير المناخي إلى وضع هدف نهائي لتثبيت تركيزات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي عند مستوى يحول دون التدخل الضار في نظام المناخ العالمي . إلا أن هذا الهدف لم يحدد مستويات التركيزات المطلوبة ، إنما اكتفى بمناشدة الدول الموقعة على أن تكون إنبعاثات غازات الاحتباس الحراري عند مستوى لا يلحق ضررا بالمناخ . ويعكس هذا التكتيك في الصياغة وجود عنصر شك علمي يكتنف الأمر برمته . فهناك عدم يقين بشأن المستوى الخطر من تركيزات الغازات المعنية . 

وعلى صعيد آخر تدعو المعاهدة إلى تحقيق هذا التخفيض في إطار زمني تستطيع معه النظم الإيكيولوجية التأقلم بصورة طبيعية على التغير المناخي . ويقصد بهذا الهدف حماية الإنتاج الغذائي وتمكين التنمية الاقتصادية من الاستمرار دون اضطراب . 

وفي الحقيقة ، فإن الأوساط العلمية تهتم كثيرا ، ليس بمستوى اليقين المتوفر حول ظاهرة التغير المناخي ، إنما بكيفية تطور الظاهرة وسبل مواجهتها . وعلى الرغم من أن نماذج الكمبيوتر المستخدمة حاليا في متابعة سيناريوهات التغير المناخي تعتبر على قدر من التطور ، لكن يشوبها القصور لإعطاء إجابات واضحة وغير غامضة للوضع . ومع ذلك ، وحتى يتسنى لنا معرفة التغير المناخي من ناحية الكيفية والمدى والنطاق الجغرافي ، فإن النماذج الرياضية الموجودة الآن تتحدث عن نفسها ، وبالتالي تستدعي الانتباه والحذر . 

بالطبع نستطيع أن نقول – وفي القول صدق وصراحة – إن الدول العربية وكذا النامية لا تساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري بنفس مقدار مساهمة الدول الصناعية . ذلك لأن استهلاك الطاقة في الدول الصناعية يتجاوز كثيرا معدله في الدول الاخرى . ومن ثم فإن الأولويات الوطنية لدول المنطقة تختلف في الوقت الراهن عن أوليات الدول الصناعية . وإذا كان من حق الدول الصناعية أن تتحدث عن تأثيرات الثورة الصناعية المتمثلة في زيادة كثافة غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي ، وبالتالي الارتفاع التدريجي في متوسط درجات الحرارة ، فإن من حق الدول النامية جميعا أن تطالب بزيادة استهلاك الطاقة من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية وتخفيف حدة فقر مواطنيها . وإدراكا لهذه الحقيقة سعت مجوعة  الدول النامية بما فيها الدول العربية  في معاهدة التغير المناخي إلى إيجاد بدائل من شأنها تقليل إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون دون إعاقة آفاق التنمية . . وتتباين هذه الآليات ، أو البدائل بين برامج للمحافظة على الطاقة (كما هو مطروح بالنسبة للمكسيك ) إلى برامج للطاقة المتجددة ( كما هو مقترح بالنسبة للهند ) وبرامج لاستخدام وقود الإيثانول ( كما في البرازيل ) . 

على أن الأمر ليس بهذه السهولة كما يبدو نظريا . ذلك أن توظيف آليات بديلة إجراء تترتب عليه نفقات مالية من المتعذر توفيرها في ظل الظروف الاقتصادية القاسية التي تأخذ بتلابيب أغلب الدول النامية . 

ومن هذا المنطلق ، لا أجد مبررا لتسرع الدول العربية في تنفيذ مقررات المؤتمرات الرامية إلى تثبيت إنبعاثات غازات الاحتباس الحراري . إنما ينبغي في نفس الوقت ، عدم تجاهل الأمر تجاهلا تاما ، بل المشاركة في الجهد العلمي الدولي بما يكفل نزاهته وعدم ترجيح كفة مصالح الجهات المهتمة بتطوير بدائل لأنماط الطاقة الحالية دون إكتراث يذكر لأوضاع الدول العربية . 


شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3832018391793669111
https://www.merefa2000.com/