نهرا دجلة والفرات بين الحقوق المكتسبة والسياسة المائية التركية

كوكب المنى مايو 05, 2023 مايو 05, 2023
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

نهرا دجلة والفرات بين الحقوق المكتسبة والسياسة المائية التركية


بحث مقدم من قبل الدكتور ( عبد العزيز شعبان الحديثي ) رئيس قسم القانون في كلية التربية جامعة ديالى



المقدمة


تحتل مشكلة المياه مكاناً بارزاً في صدارة المشاكل التي تواجهها الدول إذ إن بعض السياسات التي اتبعتها بعض الدول ( دول المنبع) أدت إلى خلق بعض الأزمات .. ومن هذه السياسات عدم السماح لمرور كمية كافية من مياه النهر إلى الدول التي يمر فيها مجرى النهر . وهذا هو حال تركيا .. دولة المنبع .. لنهري دجلة والفرات .فهي وعلى الرغم من استحقاق العراق لكامل حصته المائية من نهري دجلة والفرات . بوصفهما نهرين دوليين نرى إن هذه الدولة مدفوعة من مصالحها الخفية وبسبب تحالفها مع العدو الصهيوني إلى حرمان العراق من التمتع بكامل حقوقه من مياه النهرين.

ولأهمية الموضوع سيطرح العراق في مؤتمر وزراء الخارجية العرب التحضيري للقمة العربية التي ستعقد في لبنان مسألة المياه وهذا هو السبب الذي دفعني إلى الكتابة في هذا الموضوع.

إن هذا الموضوع بحسب رأيي سيكون ساخناً في لعبة المصالح الدولية في ظل غياب الشرعية الدولية وعدم التقيد بالمواثيق الموقعة بين الدول وفي ظل سياسة الضغط المستمر الذي تستمر به الولايات المتحدة على العراق من خلال حلفائها من الدول المجاورة وطبعاً فان تركيا واحدة من هذه الدول التي تسعى إلى إن يكون لها رأي مسموع في رسم العلاقات بين دول المنطقة .

ونحن لا نريد إن نتجاهل الأثر الذي لعبته سوريا في هذا الموضوع ولكن انطلاقا ًمن المصلحة القومية المشتركة وبسبب التحسن الكبير في العلاقات السورية العراقية فنحن نرى إن الموقف السوري قد اقترب من الموقف العراقي وان الضرر يصيب احدهما سوف يصيب الأخرى.


المبحث الأول

نهرا دجلة والفرات ومظاهر التعاون والخلاف في استغلال مياهها

المطلب الأول

نهرا دجلة والفرات في ظل قواعد القانون الدولي

من المتعارف عليه دولياً إن النهر يتصف بالدولية عندما يمر بأراضي أكثر من دولة او ذلك الذي ينتقل بين دولتين وقد اكتسب نهري دجلة والفرات ( الصفة الدولية ) بمجرد تفكك الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى وانسلاخ كل من العراق وسوريا عنها(1).وبذلك فقد أصبحا خاضعين لقواعد القانون الدولي التي ينطبق على الأنهار الدولية ، وفضلاً عن ذلك فان ( الصفة الدولية ) للنهرين قد ترسخت من خلال عدد  من الاتفاقيات التي نظمت بعض أوجه استقلالها مارست مرتكزات مهمة للتعاون بين الدول الثلاث وهي :

أشارت المادة الثالثة من معاهدة ( باريس ) المعقودة في كانون الأول 1920 بين فرنسا وبريطانيا بصفتهما الدولتان المنتدبتان عن العراق وسوريا إلى عقد اتفاق بينهما لتسمية لجنة مشتركة يكون من واجبها الفحص الأولي لأي مشروع تقوم به حكومة الانتداب الفرنسي في ( سوريا ) لمياه نهري دجلة والفرات والذي من شأنه إن يؤثر على مياه النهرين عند نقطة دخولهما إلى المنطقة الواقعة تحت الانتداب البريطاني ( العراق ) (2).

أقرت اتفاقية لوزان المعقودة بين دول الحلفاء وتركيا في تموز 1923 مادة خاصة شاملة لهذا الموضوع وهي المادة (109)إذ نصت على ما يلي:

( عند عدم وجود إحكام مخالفة ، يجب عقد اتفاق بين الدول المعنية من اجل المحافظة على الحقوق المكتسبة ، وذلك عندما يعتمد النظام المائي – فتح القنوات الري والبزل والمسائل المماثلة – على الإعمال المنفذة في إقليم دول أخرى أو عندما يكون 


علي حسين صادق حقوق العراق المكتسبة في الفرات / رسالة ماجستير / جامعة بغداد 1976/ص21-23.

علي غالب عبد الرزاق/ مشكلة تقسيم المياه في الشرق الأوسط/وزارة الزراعة/1992/ص60.



الاستعمال المائي في إقليم دولة أخرى أو عندما يكون الاستعمال المائي في إقليم دولة ومصادر هذه المياه في دولة أخرى بسبب تعيين حدود جديدة وعند تعذر الاتفاق تحسم المسألة بالتحكيم (1).

في عام 1946 تم عقد اتفاقية صداقة وحسن جوار بين العراق وتركيا وقد الحق بها بموجب المادة السادسة من الاتفاقية السادسة من الاتفاقية ستة بروتوكولات عالج الأول منها موضوع تنظيم جريان مياه نهري دجلة والفرات مع روافدهما من خلال التأكد على حق العراق في تنفيذ أية إنشاءات أو إعمال على النهرين تؤمن انسياب المياه بصورة طبيعية أو للسيطرة على الفيضانات سواء في الأراضي العراقية أو الأراضي التركية على إن يتحمل العراق تكاليف إنشائها (2).


وتضمنت المواد الأولى والثانية والثالثة والرابعة أمورا فنية تتعلق باختيار مواقع لسدود ومحطات المقاييس وتبادل المعلومات وغيرها ، إما المادة الخامسة والتي تعد من الإحكام المهمة ، فقد نصت على ما يلي :

( توافق الحكومة التركية على اطلاع العراق على أية مشاريع خاصة بإعمال الوقاية قد تقرر إنشاءها على احد النهرين أو روافده وذلك لغرض جعل الإعمال تخدم على قدر الإمكان مصلحة العراق كما تخدم مصلحة تركيا ) (3).

وفي عام 1980 وقع كل من العراق وتركيا في أنقرة محضر اجتماع اللجنة العراقية التركية المشتركة للتعاون الاقتصادي والفني وقد ورد في الفصل الخامس منه الخاص بالمياه الإقليمية ما يأتي :


أولاً . اتفق الطرفان على التعاون في مجال السيطرة على التلوث للمياه المشتركة في المنطقة.

ثانياً. اتفق الطرفان على انعقاد لجنة فنية مشتركة خلال شهرين لدراسات الموضوعات المتعلقة بالمياه الإقليمية خلال مدة سنتين قابلة للتمديد سنة ثالثة وستدعى الحكومات الثلاث لعقد اجتماع وزاري لتقويم نتائج إعمال اللجنة الفنية المشتركة ولتقدير.

    

الدكتور عصام العطية / القانون الدولي العام / بغداد/ 1987 ص218-222.

عز الدين خير / الفرات والقانون الدولي / جامعة بغداد/ 1975/ص24.

مجلة دراسات إستراتيجية/ ناجي علي حرج/ العدد الخامس/ 1998/ ص490.




الطرق والإجراءات التي توصى بها اللجنة الفنية المشتركة للوصول إلى تحديد الكمية المناسبة والمعقولة من المياه التي يحتاجها كل بلد من المياه المشتركة(1).

في عام 1990 وقع كل من العراق وسوريا اتفاقاً يقضي بتحديد حصة العراق ب(58%) من المياه الواردة في نهر الفرات عند الحدود التركية السورية وحصة سوريا ب(42%) منها ولحين التوصل إلى اتفاق ثلاثي ونهائي حول قسمة مياه الفرات مع تركيا.

سبق لتركيا وسوريا إن وقعا عام 1987 اتفاقاً مؤقتاً يقضي بأن يلتزم الجانب التركي بتصريف معدل سنوي يزيد على (500)م2/ثانية من مياه نهر الفرات على الحدود التركية السورية وذلك خلال مدة إملاء سد أتاتورك والى حين تقييم نهائي لمياه النهر بين الدول الثلاث ، وهو الاتفاق الذي يعترض عليه العراق لكونه لا يلبي الحد الأدنى من حقوقه المشروعة في مياه نهر الفرات ، كما انه اتفاق مؤقت مدة ملئ سد أتاتورك ويبغي إن ينتهي العمل بهذا الاتفاق ويوضح اتفاق بديل يحقق المصالح المشروعة للبلدان الثلاث(2). 


علي غالب عبد الرزاق/المصدر السابق /ص60.

مجلة دراسات إستراتيجية/ ناجي علي حرج / العدد الخامس/ سنة 1998/ص491.


المطلب الثاني

أوجه التعاون والاختلاق حول الاندفاع من نهري دجلة والفرات

أسبقية استغلال النهرين (الحقوق المكتسبة)

تتعلق معظم المصادر التاريخية على إن أولى التجمعات البشرية نجد إن الإنسان البشري وفي صراعه مع الظروف الصعبة ومنها فيضانات النهرين، ابتدع سبلاً ووسائل لتنظيم شؤون حياته وابتكر أول طرق الري ، وأقام السدود وشق القنوات وكان ذلك النواة الأولى لتأسيس أول حضارة إنسانية على ارض الرافدين (1).

وفي عصر الدولة الإسلامية ، شرع ولائها على العراق بمحاولات كبيرة لإصلاح مشاريع الريف فشقوا قنوات جديدة وأقاموا السدود الضخمة لدرء إخطار الفيضانات وشيدوا المدن والقرى على الضفاف فكانت ( ارض العراق) تدر خيرات كبيرة للدول الإسلامية وكانت الأموال المتأتية من خراج تلك الأرض تشكل نسبة كبيرة من مجموع الأموال التي تدخل خزينة الدولة وظلت ارض الرافدين طوال ثمانية قرون سلة غذاء الدولة العربية الإسلامية المترامية الإطراف إلى إن تدهورت الأحوال السياسية ثم جاء الغزو المغولي  الذي أشاع الخراب والدمار في العراق فتركت الجداول والقنوات الاروائية من دون صيانة وتهدمت السدود وأغرقت الأراضي الزراعة حتى مجيء الحكم العثماني إذ أجريت بعض الإصلاحات على مشاريع الري (2). 

وفي العصر الحديث ، كان العراق أول دولة من دول حوضي دجلة والفرات في تطوير نظامه الاروائي وتوسيع الرقعة الزراعية وممارسة كل حقوق الاستخدام المتاحة لمياه النهرين سواء كانت للاستخدامات الزراعية أو البلدية أو الصناعية وحتى الملاحية في مراحل معينة وفيما يتعلق بالفرات فان الخبراء الدوليون متفقون على حقيقة إن العراق كان أول دول الحوض باستخدام اكبر كمية من مياه النهر ويرون إن الاستخدام التقليدي


علي غالب عبد الرزاق / المصدر السابق /ص68.

مجلة دراسات إستراتيجية/ناجي علي حرج/ العدد الخامس سنة 1998/ص492.



للمياه في بلاد ما بين النهرين لإغراض الري يجعل العراق أول وأكثر مستخدمي مياه نهر الفرات ودجلة .

كان العراق يرويس قبل عام 1917 أكثر من نصف مليون هكتار ثم تطورت بعد ذلك التاريخ مشاريع الري واستصلاح الأراضي، عندما بدأت تركيا باستخدام مياه نهر الفرات بعد عام 1974 بإدخال 150 إلف هكتار للزراعة كان العراق يوزع على حوض النهر بحدود 1,6م هكتار... وهكذا يظهر جلياً مدى رسوخ حقوق العراق في مياه النهرين والأسبقية التي تتمتع بها تلك الحقوق على استخدامات الدول الاخرى المتشاطئة معه.

إما سوريا فقد بدأت بالتفكير باستغلال مياه الفرات في النصف الثاني من هذا القرن بدراسات وتحريات في الأعوام (1945 بعثة البنك الدولي ) و ( 1958 البعثة السوفيتية) دراسة إمكانية إقامة سد على النهر لري المناطق الزراعية وبعد ذلك تم البدء بإنشاء سد ( الثورة ) على نهر الفرات أواخر عام 1968 وبدأت مراحل تشغيل السد بعد عام 1973 وبحسب الدراسات السورية فان المساحات المخطط لإروائها على نهر الفرات في سوريا تبلغ 640 إلف هكتار (1). 

وتعد تركيا أخر المستفيدين في تاريخ استخدام النهر إذ يعود اهتمامها بالتوسع الزراعي في المناطق الشرقية منها إلى ما بعد عام 1950 وبعد سلسلة من الدراسات لاستغلال مياه نهر الفرات أنشأت سد (ليبان) وبدأ المشروع الفعلي بالإنشاء عام 1966 ، ثم توالت بعد ذلك المشاريع التي نفذتها تركيا وازدادت تبعاً لذلك المساحات التي تخطط لإروائها من مياه النهرين وعدت تركيا إن استغلال مياه الفرات تمثل فاتحة عهد جديد للاقتصاد التركي ومنذ عام 1992 تستخدم تركيا مياه الفرات لري 45،830 واقل من ذلك بكثير على نهر دجلة .

(1) عز الدين خير / المصدر السابق ص219.


المبحث الثاني

المطلب الأول

تأثير استغلال مياه دجلة والفرات على العلاقات بين الدول الثلاث


كان من المفترض إن يفضي وجود أإحكام قانونية تنظم بعض أوجه استغلال النهرين إلى ترسيخ علاقات تعاون بين البلدان الثلاثة في هذا المجال أو إلى استكمال النظام القانوني القائم باتفاق يحدد حصص كل منها من المياه المشتركة وبحسبان حقوق العراق المكتسبة التي ترسخت عبر التاريخ إلا إن الإحداث والمتغيرات عبر العقدين الماضيين أثبتت إن التعاون لم يكن السمة الغالبة في علاقات البلدان الثلاثة عندما يتعلق الأمر بكيفية استغلال المياه المشتركة فالملاحظ إن مشاريع استغلال مياه النهرين والتي بدأت باستغلال مياه نهر الفرات لم تأخذ في الحسبان حقوق العراق الراسخة إذ لم يتم إخباره بتلك المشاريع ولم يتم التشاور والتفاوض بين الإطراف الثلاثة لغرض الاتفاق على الكيفية التي يتنفس بها تلك المشاريع دون إلحاق ضرر بحقوق العراق لهذا الغرض لا بد من استذكار بعض المراحل المهمة في هذا الشأن :

من عام 1957 أعلمت تركيا العراق عن عزمها إنشاء أول سد على نهر الفرات وهو سد (ليبان) بطاقة تخزينية تبلغ 9،4مليار م3 وعندما شرعت بالتنفيذ ظهر إن الطاقة التخزينية للسد هي 30،5 مليار م3 وكان ذلك أول علامات ظهور مشكلة المياه بين البلدان الثلاث ، وتفاقمت المشكلة عندما تزامن إملاء هذا السد مع إملاء سوريا لأول سدودها على السد ( الثورة ) عام 1974 ، على الرغم من محاولات العراق للاتفاق مع الطرفين على خطة إملاء مناسبة ، الأمر الذي أدى إلى تدني منسوب مياه النهر إلى ادني مستوى له إزاء ذلك فقد قام العراق بتحرك دبلوماسي لتسوية المشكلة ودرء مخاطرها أو التخفيف منها على اقل تقدير .


وعقد لهذا الغرض عدة لقاءات مع كل من سوريا وتركيا كما أوفد رئيس جمهورية العراق مبعوثين إلى البلدين وأسفرت تلك اللقاءات الفنية والسياسية على اتفاق مرحلي بشأن كميات المياه التي يتوجب إطلاقها إلى العراق إثناء مدة إملاء سدي ( ليبان التركي والطبقة السوري ).

إلا إن من المؤسف انه لم يتم الالتزام بذلك الاتفاق وقد أصاب العراق جراء ذلك ضرر كبير بل وصفت الحالة آنذاك بأنها  كارثة إذ أثرت كثيراً على الزراعة في حوض النهر وهجرة الفلاحين وأوقفت الكثير من المصانع التي تعتمد كثيراً على مياه النهر ( نهر الفرات ) وقد القي ذلك بظلال كثيفة على علاقات العراق مع البلدين وبخاصة سوريا (1) . 


في عام 1971 أدرج موضوع المياه في اجتماعات اللجنة العراقية التركية المشتركة للتعاون الاقتصادي وشهدت العلاقات العراقية – التركية في السبعينيات تطوراً كبيراً وبخاصة في المجال الاقتصادي إذ ازدهرت حركة التبادل التجاري وازدادت الاستيراد العراقية من تركيا ومثل استخدام العراق الموانئ التركية لتصدير النفط إلى الأسواق الخارجية وإنشاء أنبوب النفط لهذا الغرض وكان مؤشراً كبيراً لهذا التطور ، إلا إن ذلك التطور لم يشكل حافزاً لتركيا لاتخاذ موقف متوازن في مجال المياه يواكب تطور العلاقات بين البلدين في مجالات أخرى .

وعلى العكس من ذلك فان المساعي العراقية لاستكمال النظام القانوني الذي يحكم بعض جوانب استخدامات مياه النهرين باتفاق ثلاثي يحدد حصص كل بلد ، وقد جابهتها تركيا بذرائع لا تتفق وقواعد القانون الدولي وبمقترحات لا تقضي إلى التوصل إلى حل مقبول .


ج- ولم تتوقف المشاريع التركية عند هذا الحد ففي إطار مشروعها العملاق المسمى ( مشروع جنوب شرق الأناضول GAP ) أنجزت تركيا عام 1986 سداً أخر على نهر الفرات هو سد قرقايا وفي الوقت نفسه كانت تبني اكبر خامس سد في العالم وهو ( سد اتاتورك ) الذي انجز عام 1989 (2).

ه- اتبعت تركيا سياسة مضرة بالعراق في مدة إملاء خزانات السدود في عام 1974 عند إملاء خزان سد ليبان ، تكرر مرة أخرى في مطلع عام 1990 عندما قطعت تركيا مياه نهر الفرات لمدة شهر للمباشرة بإملاء خزان سد أتاتورك وقد أوفدت الحكومة

    

مجلة دراسات إستراتيجية / المصدر السابق /ص494.

مجلة دراسات إستراتيجية / المصدر السابق / ص495.



العراقية مبعوثين إلى الحكومة التركية لتبيان الإضرار التي ستلحق بالعراق جراء تطبيق خطة الخزن .. ومع إن الوفد العراقي قد اثبت وبالحجج العلمية والفنية إمكانية تقليص مدة الغلق إلى أسبوعين ، بهدف تقليص حجم الضرر الذي سيلحق بالعراق جراء ذلك إلا إن الجانب التركي إصر على موقفه ولم يقلل مدة الإملاء وقد لحق بالعراق إضرار كبيرة جراء قطع مياه النهر للفترة المذكورة انفاً وقد ذهب البعض إلى عد إن ما فعلته تركيا بأنه سابقة خطيرة في العلاقات الدولية وكان يمكن إن يؤدي إلى نشوب حرب لولا وجود بعض المصادر التي عوضت النقص ، وقامت منذ كانون الثاني 1990 بعد البدء بإملاء سد أتاتورك .. بتحديد تصريف مياه نهر الفرات عند لحدود التركية – السورية ب 500م/ مكعب في الثانية أي 15،768 مليون متر مكعب في السنة ويمثل هذا الرقم 50% من المعدل السنوي لمياه النهر ، واستمرت على هذه السياسة على الرغم من انتهاء مدة إملاء السد المذكور ويرى الخبراء الدوليون إن من المشكوك فيه إن تستطيع هذه الكمية تلبية حاجات العراق وسوريا من المياه.

د- وفي عام 1994اعلنت تركيا عن اكتمال المرحلة الأولى من مشروع أسطول نفق إروائي من نوعه في العالم ( نفق أروقة ) في عامي 1995-1996 وقعت الحكومة التركية عقدين مع شركات ومؤسسات مالية أوربية لإنشاء وتحويل سدين جديدين على نهر الفرات وعلى مقربة من الحدود التركية – السورية وهما سد ( بيرة جك ) وسد ( قرقاميش ) .

و- وفي تشرين الأول من عام 1997 أعلنت تركيا عن انجاز سدي ( كرال كيزي ودجلة ) على روافد نهر دجلة وعن مباشرتها بإنشاء سد ( آلي صو) على المجرى الرئيس للنهر .

ز- كما أنها ترفض تزويد العراق وفقاً لقواعد القانون الدولي في هذا وللاتفاقيات الثنائية ولأسس التعاون المتبعة بين الدول المتشاطئة بالمعلومات والبيانات اللازمة عن مشاريعها وعن خططها التشغيلية ، الأمر الذي يعيق تنفيذ خطط العراق في هذا المجال .

المبحث الثالث

السياسة المائية التركية ومدى تطابقها مع القانون الدولي


يمكن القول إن السياسة التي انتهجتها تركيا خلال العقدين الماضيين في ما يتعلق بقضايا المياه وكانت تهدف إلى تحقيق عدة أهداف على الصعيدين المحلي والإقليمي في آن واحد .. وللوصول إلى تلك الأهداف فقد سلكت تركيا مسلكاً أدى إلى عرقلة الجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاق نهائي لقسمة المياه مع سوريا والعراق ، وواصلت في الوقت نفسه تنفيذ مشاريعها العملاقة على النهرين وربما يفسر هذا السبب إلى عدم تمكن هذه اللجنة الفنية للمياه المشتركة لحد ألان . من إن تنجز المهمة التي تشكلت من اجلها .عام 1980 ( تحديد الحصة العادلة والمعقولة في المياه التي يحتاج إليها كل بلد من البلدان الثلاثة ) . والتي يفترض إن تنجز خلال سنتين من تاريخ تشكيل اللجنة .

إن أهم ملاحظة على السياسة المائية التركية تتمثل بتهرب تركيا من الركون إلى قواعد القانون الدولي لوضع حل عادل لهذا الموضوع ، بل وعدم الاعتراف في أحيان كثيرة بوجود قواعد قانونية دولية تنظم الانتفاع بمياه الأنهار الدولية أو التذرع بأنه لا يوجد مجموعة متكاملة من القوانين التي يمكن تطبيقها على المجاري المائية الدولية .

هو ما يدفع إلى التساؤل عن ماذا يعني وجود أكثر من 300 اتفاقية بين الدول المتشاطئة ؟ وماذا يعني وجود القواعد التي تضمنها إعلان هلسكني لعام 1966 ثم إلا تشكل اتفاقية استخدام المجاري المائية الدولية التي تبنتها الأمم المتحدة عام 1997 مرجعاً قانونياً يمثل قناعة المجتمع الدولي بالقواعد التي تطبق في هذا الشأن.

ويمكن إيجاز أهم ملامح السياسة المائية التركية بعدة نقاط التي تعبر عن جوهر الخلاف العراقي – التركي بخصوص قضايا المياه ..

أ-عدم الاعتراف بالصفة الدولية لدجلة والفرات :


ترى تركيا إن نهري دجلة والفرات ليسا نهرين دوليين وتطلق وصفاً عليهما وهو المياه العابرة للحدود .. فأن النهر الدولي بحسب وجهة النظر التركية – هو النهر الذي يشكل خط الحدود بين دولتين أو أكثر فقط . وتحاول تركيا من خلال ذلك الادعاء بحق السيادة المطلقة على مياههما في منطقة الأناضول : إن مياه الفرات تعود للشعب التركي ولا توجد أي مشكلة دولية ، تركيا لا يمكن إن تستقطع من نصيبها من المياه لا لشيء إلا لان هذين البلدين سوريا – العراق يريدان ذلك . إذا كان هذان البلدان يريدان خلق مشكلة دولية فأنهما يستطيعان خلق تلك المشكلة من أي قضية دولية .. وهز الموقف يتعارض مع مفهوم النهر الدولي ومع طبيعة الحقوق التي يقررها القانون الدولي للدول المتشاطئة على الأنهار الدولية (1) .  

وتأسيساً على ما تقدم . فان تركيا تعارض مبدأ تحديد حصص المياه للبلدان الثلاثة إذ ترى إن المباحثات يجب إن تتركز حول كيفية تطبيق مفهوم الاستخدام الأمثل الذي يتطلب وفق وجهة النظرة التركية – إجراء دراسات فنية موسعة للتربة في البلدان الثلاثة ويتم ذلك بتشكيل لجان فرعية تتولى تحديد أصناف التربة وتحديد أنواع المحاصيل الزراعية التي يتوجب زراعتها دون غيرها في كل بلد .. وفي ضوء ذلك يتم تحديد الاحتياجات المائية للمشاريع الزراعية طبقاً لجدواها الاقتصادية . وتطلق تركيا على أفكارها هذه 0 خطة المراحل الثلاث ) وعن جوهر هذه الخطة يقول ( أوزن بيلين ) وهو احد خبراء تركيا في موضوع المياه  ( إن التربة المنخفضة الإنتاجية التي تعطي غالباً نسب منخفضة من الإنتاج الزراعي بالرغم من الإرواء المكثف ، يجب استبعادها من برامج الري في دول الحوض لان ذلك من شأنه زيادة توفير المياه ولا تدلنا الحلول القانونية التي توصلت إليها الدول لمشاكل مماثلة وانعكست بصيغ مختلفة في الاتفاقيات التي عقدت لهذا الغرض على تطبيق لمثل هذا المفهوم . ويبدو واضحاً إن تركيا تهدف من طرح مفهومها للاستخدام الأمثل لاستثناء مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في العراق التي تروي من مياه النهرين منذ أمد بعيد . من الحصص المائية بحجة عدم خصوبة تلك الأراضي ، ولعل أهم نتائج ذلك ستتمثل في انعكاسات خطيرة على الأمن الغذائي وهو ما حدى بالعراق إلى رفض الخطة المذكورة وكذلك فعلت سوريا وعلى العكس من ذلك يرى العراق إن المفهوم التركي يتعارض مع التطور العلمي الذي يوفر الإمكانية لزيادة إنتاجية الأرض وزيادة خصوبتها وبالتالي تغيير صنفها باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة .  

(1) مجلة دراسات إستراتيجية / المصدر السابق ص499.

ب-النظر إلى حوضي دجلة والفرات كحوض واحد :


ترى تركيا انه يجب النظر إلى حوضي دجلة والفرات على إنهما واحد وان النهرين ما هما إلا رافدان لنهر واحد هو ( شط العرب ) وليسا نهرين منفصلين وطبقاً لذلك ترى تركيا إن على العراق إن يعوض في مياه الفرات بنقل جزء من مياه دجلة إليه وفي هذا الصدد يقوم موقف العراق على اعتبارات فنية مفادها إن حوضي دجلة والفرات حوضان منفصلان في المعطيات الجغرافية وليسا حوضاً واحداً كما انه لا توجد مياه فائضة عن حاجة العراق في نهر دجلة لكي تنقل إلى الفرات خاصة إذا ما تم الأخذ بالاعتبار مشاريع التطوير التركية في اعلي النهر وحتى بغض النظر عن ذلك فأن عملية نقل المياه من دجلة إلى الفرات ليست بالعملية السهلة إن لم تكن مستحيلة في ضوء اعتبارات عدة لا يتسع المجال للخوض فيها إما من الناحية القانونية فان هذا الأسلوب لا ينسجم مع مفهوم.

الاستخدام المنصف والمعقول الذي يقضي أن يحدد حصص المياه من المجرى المائي الدولي طبقاً لاعتبارات وعوامل تؤخذ بنظر الاعتبار بصب ظروف كل حوض والمشاريع القائمة عليه ومدى اعتماد السكان على مياهه .


ج. الاستمرار بإنشاء المشاريع :

على الرغم من الاعتراضات المتكررة لكل من العراق وسوريا ومطالبتهما لتركيا بالتوقف عن إقامة المشاريع على نهري دجلة والفرات لحين التوصل إلى اتفاق ثلاثي ، إلا أن تركيا تسعى لتوظيف ميزتها الجغرافية بوصفها دولة المنبع – للمضي في تنفيذ مشاريعها في إطار مشروع جنوب الأناضول (G A P) على حساب مصالح الدولتين المتشاطئتين معها . وتعد تركيا هذا المشروع أعظم وأوسع مشروع ينفذ في تاريخها ، وتعلق عليه آمال كبيرة . يتضمن المشروع إنشاء (22) سداً على نهري دجلة والفرات و (19) محطة توليد الطاقة الكهربائية ومن المؤمل أن ينتهي العمل به 2010 ، وترى تركيا أن المشروع كما تخطط له سيغير كل المظاهر الاقتصادية في منطقة جنوب شرق الأناضول بحيث تتحول إلى أهم منتج للغذاء لسوقين رئيسيين هما (الشرق الأوسط) والدول الإسلامية الثمانية التي قامت حديثاً في آسيا الوسطى بعد تفكك الاتحاد السوفيتي فمن خلال تحليل للمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية فإن تركيا ترى تركيا أن تأمين متطلبات الأمن الغذائي لهذه الدول من مصادر خارجية ضرورة حتمية في ظل الأوضاع السائدة فيها وتجد تركيا أنها وبحكم موقعها الجغرافي يمكن أن تحتل المركز الأول من بين المصدرين للغذاء لهاتين المنطقتين وفضلاً عن ما تقدم ، فإن أهم أهداف المشروع من النواحي الأمنية تتمثل في سعي تركيا لإحداث تغيرات ديمغرافية في منطقة جنوب شرق الأناضول . التي تقطنها غالبية كردية (ثلاثة ملايين ونصف المليون كردي تقريباً) من خلال تحويلها إلى منطقة جذب سكاني تتوفر فيها كل المستلزمات الحياتية وفرص العمل بغية توطين ما يقرب من ستة ملايين تركي بهدف تحويل الأكراد إلى أقلية في المنطقة المذكورة (1).



حسن أحمد الراوي / شحة المياه في نهر الفرات / وقائع ندوة الزراعيين العراقيين سنة 1975 / ص 112 .


وهكذا فإن تركيا التي تذخر بموارد مائية كبيرة من مصادر أخرى تركز من خلال مشروع جنوب شرق الأناضول على استنزاف موارد نهري دجلة والفرات لتحقيق أهداف طموحه ، على حساب حقوق العراق وسوريا : وتشير الدراسات إلى أن المشروع يستهلك 56 مليار م3 من مياه نهري دجلة والفرات التي تشكل 20% من مجموع موارد المياه في تركيا . 

ونتيجة نقص الموارد المتوقع بعد إكمال إنشاء السدود والمشاريع الإروائية التركية . يتعذر تأمين الكميات المطلوبة من المياه لإرواء المساحات الزراعية القائمة حالياً في القطر وبخاصة في حوض نهر الفرات ويترتب على ذلك انخفاض كبير في الإنتاج الزراعي وزيادة مشكلة التصحر ونتائج سلبية أخرى أهمها هجرة السكان من الريف إلى المدينة كما ينجم عن عمليات الإرواء الزراعي والاستخدامات البلدية والصناعية والسياحية وغير ذلك . من الاستخدامات لمياه النهرين في منطقة جنوب شرق الأناضول ترويا في نوعية المياه التي سترد إلى القطر بنسب تتجاوز الحدود غير المسموح بها دولياً . وستزيد احتمالات تولها بسبب زيادة ملوحتها نتيجة أعمال البزل واحتوائها على ملوثات كيماوية بسبب استخدام السماد الكيماوي في الزراعة .

إن كل هذه الأضرار هي نتيجة حتمية لسياسة تركيا في هذا المجال ويعد ذلك بمخالفة صريحة لقواعد القانون الدولي ما يرتب مسؤولية تركيا القانونية على تلك المخالفات .

ومع أن الرئيس التركي سليمان ديميريل قد صرّح أثناء زيارته لدمشق عام 1993 عندما كان رئيساً للوزراء ( أن تركيا لم تؤذي جيرانها في السابق ولا تنوي إيذائهم في المستقبل ) إلا أن الوقائع تؤكد دائماً عكس ذلك فقد تصرفت تركيا في السابق على نحو كشف عن نواياها وأطماعها حين أقدمت على حبس مياه الفرات عامي 1974 و 1990 مما أضر كثيراً بحقوق العراق وعرّضه إلى أخطار جدية ، تصرفت في أوقات لاحقة بأسلوب يزيد من تلك الأضرار ويؤدي إلى تفاقمها 

د. عدم التعاون مع العراق وسوريا :

كثيراً ما نجد في التصريحات الرسمية التركية ، وفي الدراسات التي ينشرها باحثون معنيون في مسألة مياه . يمكن أن تكون عاملاً لتعزيز التعاون بين كل من العراق وسوريا وتركيا . لقد سبق للرئيس التركي الراحل ( توربكت أوزال ) وفي حديثه عن أهداف مشروع (GAP) إذ قال ( نحن نلعب دوراً مميزاً في دفع عجلة التعاون الاقتصادي ، والتجاري إلى الأمام فالعلاقات الاقتصادية تؤدي إلى التعاون العسكري والسياسي وإمكاناتنا رحبة في هذا المجال وأي تعاون بيننا تركيا والدول العربية – سيكون له تأثير على استقرار المنطقة ومن الممكن أن نبدأ بالتعاون بين تركيا ودول الخليج قد يتطور إلى دخول العراق وإيران فيه وأعني بالتعاون إقامة نظام اقتصادي يضمن تعاون دول المنطقة(1) ولكن يبدو أن تركا كانت تسعى من خلال هذه السياسة إلى حل أزمتها الاقتصادية تحقيق مصالحها وتطمع إلى استثمار الرأسمال العربية باستكمال مشاريع ضخمة في أرضها وتأمين تسهيلات عمل واسعة لشركاتها وعالمها في الوطن العربي(2) وفي دراسة المتخصصين الأتراك انعكاس واضح لهذه السياسة إذ نجد كلامها جميلاً مثل ( إن تطبيق إجراءات ومعايير القانون الدولي وتحديد التعاون من شأنه أن يبعث على الاستقرار في المنطقة وأن يمكن النهران دجلة والفرات أن يكونا أنهاراً للسلام في الدول التي تشترك بالأهمية الإستراتيجية والإرث الثقافي والتاريخي والديني – تركيا وسوريا والعراق – أن التعاون بين جميع الأطراف ليس فقط هو الحل الوحيد بل الضروري أيضاً لمشكلة المياه وأن التعاون بين تركيا وسوريا والعراق . ضروري للصالح العام وللجميع ويمكن لهذا التعاون أن يكون مدخلاً أو نوعاً من الاختبار للأنهار في منطقة الشرق الأوسط ووسيلة للتخفيف من مشاكل المياه . وان التعاون أفضل سبيل لتجنب الصراع بين دول المنطقة وتجاوز العقبات التي تعترض التواصل إلى أي اتفاق حول مسألة المياه . وفي كلمة الرئيس التركي التي ألقاها في افتتاح مؤتمر المياه في اسطنبول في 30/9/1997 تأكيد واضح على ذلك إذ قال ( إن مشكلة المياه مشكلة عالمية ولا يمكن أن تحل إلا بواسطة التعاون )(3) لكن الأحداث تؤكد عمق التناقض بين تلك التصريحات والممارسة الملية المتمثلة بتوجهين أساسيين هما عرقلة الجهود الرامية لتحديد الحصص عبر اتفاق ثلاثي والاستمرار في الوقت نفسه بإقامة المشاريع دون أي إشعار أو تشاور مع الدول المتشاطئة معها وذلك عدم تزويدها بالبيانات والمعلومات اللازمة . مما يؤكد عدم تطبيق تركيا لمفهوم التعاون في إدارة المياه الدولية المشتركة وفي كيفية الانتفاع منها على وفق ما تقرره قواعد القانون الدولي على الرغم من أن كلمة التعاون تتكرر كثيراً في الكتابات والتصريحات الرسمية التركية . ولربما كان السبب وراء هذا التكرار . محاولة دفاعية بحتة من تركيا بسبب افتقار سياستها المائية تماماً لعنصر التعاون مع البلدان المتشاطئة معها أو أن يكون لتركيا مفهومها الخاص للتعاون الذي يجب أن يسود علاقات الدول المتشاطئة خلافاً للمفهوم السائد والذي تنص عليه قواعد القانون الدولي . لكن أحد المسئولين يختصر هذه التساؤلات ويوضح ذلك بقول أن حاجة التعاون مع الدول المجاورة في مجال تنمية أحواض الأنهار الدولية من صعوبة إدارة تلك الموارد المجاورة في مجال تنمية أحواض الأنهار الدولية زادت من صعوبة إدارة تلك الموارد . ويقصد هنا . أن الاعتراضات العراقية – السورية على المشاريع التركية قد سببت بعض التأخير في تنفيذ تلك المشاريع لتردد بعض الدول في تقديم التمويل في ظل تلك الاعترافات وأن على سوريا والعراق . أن يكونا متعاونين بحسب المفهوم التركي وعدم الاعتراض على هذه المشاريع والسكوت على ما يتعرضان له من مخاطر من جراء ذلك .

ﻫ. توظيف المياه للقيام بدور إقليمي :

مع أن المسؤولين الأتراك يصرحون في أكثر من مناسبة ( أن شعب تركيا يعيش في دولة لا يمكن أن تعتبر في مجال توفر الموارد المائية دولة غنية بالمياه . إلا أن تركيا وفي الوقت نفسه تقترح مشاريعها لبيع مياهها الفائضة عن حاجتها وبما يصب في تحقيق أهداف معينة ) وتجد تركيا أن المياه يمكن أن تكون من العناصر الرئيسية التي تؤهلها للقيام بدور قيادي في منطقة هي بأمس الحاجة إلى كل قطرة ماء . فبعد أن تحررت تركيا من عقد التهديد السوفيتي بدأت تتطلع إلى أن تصبح قوة إقليمية فاعلة ذات نفوذ . وحاولت التفرغ لمشكلاتها الداخلية الكبيرة وبما يجعلها مؤهلة أكثر من ذي قبل لتوظيف طاقاتها بحرية أكبر للوصول إلى أهدافها الخارجية وأداء دورها في إطار المشاريع المستقبلية وصياغتها الإقليمية . وفي هذا السياق أعلن المسؤولون الأتراك من مرة استعدادهم للمساهمة في حل مشاكل المياه في المنطقة من خلال مشاريع تركية(1) . ويمكن الإشارة كمثال على ذلك إلى ما قاله السيد (تمران أينان) وزير الدولة التركي السابق المسؤول عن مشروع (GAP) الثقافي ومضمون اقتصادي وهدفها من أجل تحقيق السلام في المنطقة وهي ترغب في شرح الدور الذي يمكن أن تقوم به المياه في التطور الاقتصادي والاجتماعي لدول الجوار . أننا نعد المياه وسيلة للضغط السياسي أو سلاحاً سياسياً .


وفي إطار بحثها عن أثرا لها في ترتيبات النظام الإقليمي الذي تخطط الإدارة الأمريكية وتسعى إلى القرصنة على بلدان المنطقة . اندمجت الحكومة التركية في سيناريوهات مؤتمرات المياه المنبثقة عن مؤتمر ( مدريد ) وفي هذه السياسة تجد تركيا الرضا الأمريكي ما دامت عامل إضعاف وتهديد للعراق والعرب ويزداد هذا الرضا ما وجدت التطورات التركية لمشاريع المياه سبيلها للتنسيق والتكامل مع التطورات الإسرائيلية والإثيوبية ومن ناحية أخرى تروج الدوائر الغربية لتحويل الماء إلى سلعة تباع وتشترى مثلها مثل النفط .وتتعاون إسرائيل مع تركيا في العمل على تثبيت هذا المفهوم من خلال عقد اتفاقيات ثنائية كما حاولت الأوساط السياسية والإعلامية الغربية وخاصة الأمريكية تسويق دور تركيا في المنطقة من خلال المشروع التركي المسمى ( أنابيب السلام ) الذي اقترحه الرئيس الراحل ( توركت وزال ) عام 1986 نقل مياه نهري ( سيمون صيحون ) التركيين إلى بعض الدول العربية والكيان الصهيوني كمساهمة من تركيا لحل مشاكل المياه في المنطقة ومع إن هذا المشروع لم يلق استجابة من الدول المعنية . إلا إن تركيا ما زالت مستمرة في محاولاتها لتنفيذه . وفي هذا الاتجاه قال الرئيس التركي سليمان ديميريل . وفي كلمة ألقاها في 30 /9/1997 ( أن بلاده على استعداد للمساهمة في مشاريع مياه المنطقة وتطوير المشاريع التي من شأنها إن تغذي منطقة الشرق الأوسط بالمياه اللازمة وخاصة عبر مشروع ( منافكات ) التركي ومشروع مياه ( أنابيب السلام ) . إن كل هذه الدعوات ثم في الوقت نفسه الذي تدعي فيه الحكومة التركية إن حصة المواطن التركي من المياه تتناقص وإنها لا تملك الفائض الذي يمكنها من توقيع اتفاق لقسمة مياه نهري دجلة والفرات مع العراق وسوريا . ولكن محاولة تركيا تأمين موقع ودوراً لها في ترتيبات النظام الإقليمي الذي تخطط له الإدارة الأمريكية في المنطقة . ليست بالمحاولة الأولى أو الجديدة وهي على أية حال محاولة تبدو لحد ألان غير موفقة .   

(1) علي غالب عبد الرزاق / نفس المصدر السابق ص102.

المطلب الرابع

موقف العراق من الناحية القانونية

شغل موضوع المياه حيزاً مهماً في سياسة العراق الخارجية بصورة عامة في علاقاته الثنائية مع كل من تركيا وسوريا بشكل خاص فكان على جدول إعمال معظم اللقاءات والاجتماعات التي عقدت بين البلدان الثلاثة على مختلف المستويات السياسة والفنية (1) .

وفي هذا السياق دعى العراق بوقت مبكر إلى وضع حل عادل يلبي مصالح جميع الإطراف . فقبل البدء بإنشاء أول سد على نهر الفرات في تركيا هو (  سد ليبان ) . دعى العراق إلى مفاوضات لغرض تحديد حصة كل دولة من مياهه بموجب قواعد القانون الدولي والاعراف الدولية . التي تجد أسس الإفادة من مياه الأنهار الدولية المشتركة وبالفعل فقد عقدت سلسلة من المفاوضات بين الدول الثلاث بين عامي 1962-1971 ركز الجانب العراقي في هذه المفاوضات على بحث الحقوق المائية للمشاريع الاروائية لكل بلد وعلى ضرورة على سياسة ملائمة بشأن عملية ملئ الخزانات إلا إن الجانب التركي رفض ذلك وركز على موضوع تبادل المعلومات الفنية (2) .

وبسبب استمرار تركيا في مشاريعها من دون اكتراث بحقوق العراق فقد أكدت الحكومة العراقية برسائل ومذكرات وجهتها إلى الأمم المتحدة ولبنك الدول والشركات التي تسهم في إنشاء وتحويل المشاريع التركية اعتراضها على تلك المشاريع مبينة الأسس القانونية لتلك الاعتراضات . وشرحت الآثار التي تلحق بالعراق جراء تنفيذ تلك المشاريع وطالبت حث الجانب التركي على إملاء الاعتبار اللازم لحقوق العراق وعلى التوصل إلى اتفاق ثلاثي طبقاً لقواعد القانون الدولي .

لقد استندت سياسة العراق في هذا المجال إلى قواعد القانون الدولي والى الاتفاقيات الثنائية المعقودة مع تركيا . ويمكن إيجاز الخطوط العامة لموقف العراق بالنقاط الآتية :

(1)عز الدين خير/ المصدر السابقص125

(2) حسن احمد الراوي/ المصدر السابق /ص116.


أن نهري دجلة والفرات هما نهران دوليان طبقاً للقانون الدولي ويترتب على ذلك إن تكون حقوق الانتفاع بمياهها حقوقاً مشتركة للدول الثلاث طبقاً لمبدأ المساواة في السيادة (1) .

ضرورة التوصل إلى اتفاق ثلاثي يحدد الحصة المائية لكل بلد على أسس عادلة ومنصفة تقوم على قواعد القانون الدولي وما جرى عليه التعامل بين الدول في مجال استغلال مياه الأنهار الدولية فضلاً عن الإحكام القانونية المتعلقة بهذين النهرين . وان يضع الاتفاق في الاعتبار الحقوق المكتسبة والحاجات الاجتماعية والاقتصادية لملايين المزارعين العراقيين الذين يعيشون على الزراعة في حوضي دجلة والفرات منذ فجر التاريخ .

ج- ضرورة الالتزام بقاعدة عدم الإضرار بالغير عند تنفيذ المشاريع الاروائية على النهرين فهذه القاعدة ترتب التزاماً على دول المجرى المائي الدولي بضرورة التشاور المسبق عند وجود نية لإحدى هذه الدول لتنفيذ أي مشروع قد يؤثر على الدول المتشاطئة الاخرى .

د- إن العراق يسعى من خلال سياسته المائية ومن خلال المشاريع التي يقرها إلى استخدام موارده المائية مثل استخدام ما ينسجم مع الأساليب والطرائق المتبعة دولياً ولكن تطبيق مبدأ الاستخدام الأمثل لا يمكن إن يتم بصورة مثلى ما لم يتم تحديد الحصة العادلة والمعقولة لكل دولة لكي تستطيع في ضوئها وضع السياسات والخطط الكفيلة بتحقيق ذلك ومن هنا فأن موقف الجانب التركي الرافض لتحديد حصص المياه يعيق مساعي العراق في هذا المجال .

(1) مجلة دراسات إستراتيجية / المصدر السابق / ص433.  



الاستنتاجات


تؤكد الإحداث إن تركيا تتصرف بمياه نهري دجلة والفرات وفق ما يمليها عليها مصالحها الخاصة على حساب مصالح كل من العراق وسوريا . وهو أمر يتعارض مع المبادئ والقواعد القانونية الدولية التي تنظم كيفية استغلال مياه الأنهار المشتركة وبخاصة ما يتعلق بموضوع الانتفاع المنصف والمعقول وواجب عدم التسبب بضرر لحقوق الدول المتشاطئة الاخرى وان لا يكون الاستخدام الحالي للمياه على حساب حقوق الدول ذات الاستخدام السابق وهذا دليل على عدم اكتراث تركيا في تعاملها مع موضوع المياه بعمق علاقتها مع البلاد العربية وأهمية تلك العلاقات بالنسبة لمصالحها وبخاصة علاقتها مع العراق . ولذلك فقد كان توظيف تركيا لحاجة العراق لمياه نهري دجلة والفرات ومحاولتها لترويج فكرة مقايضة النفط بالمياه كربحاً لتطوير العلاقات العراقية – التركية .

وكان ذلك موضع انتقاد شديد على اعتبار إن حبس مياه الفرات عن العراق عام 1990 فضلاً عن بناء سدود تركية في إطار مشروع جنوب شرق الأناضول يعبر عن سياسات تنطوي في ثناياها على إضرار بالأمن المائي والغذائي للعراق حاضراً ومستقبلاً وان الإجراء التركي بحجز مياه الفرات بحجة إملاء سد اتاتوركيندرج ضمن إستراتيجية تركية متكاملة لا يغيب عنها العنصر السياسي وإذ إن التحكم الذاتي في مياه دجلة والفرات يعد من عناصر تدمير الأمن القومي العربي .ومن هنا فان إصرار تركيا على الاستمرار بتنفيذ مشروع جنوب الأناضول ، رغم الاعتراضات المتكررة لكل من العراق وسوريا مما يشكل تحدياً جدياً للعلاقات بين الدول الثلاثة كونه يمثل تهديداً حقيقياً للموارد المائية للبلدين إذا ما وضعنا في الاعتبار إن المشروع سيستهلك نسبة كبيرة جداً من إيرادات النهرين .إن إمكانية التوصل إلى حل متوازن ومقبول يلبي المصالح المشروعة لجميع الإطراف يبدو ممكناً إذا ما تم الركون إلى قواعد القانون الدولي وإذا ما تصرفت تركيا بحسن نية واضحة في الاعتبار اللازم علاقتها مع الدول العربية وتشابك مصالحها مع هذه الدول . وإذا نضرنا إلى المستقبل . فضن المهتمين بموضوع المياه وخاصة موضوع نهري دجلة والفرات يؤكدون أهمية التعاون لحل مشكلة المياه المعقدة وذات الحساسية السياسية لأنه لا يمكن حلها بصورة  منفردة بل لا بد من جهود مشتركة وعقد الاتفاقيات (1) اللازمة بين الدول المعنية من اجل التنمية الشاملة للموارد المائية .

نشأت في السابق وفي مناطق متعددة من العالم نزعات مائية كثيرة وقد يرى تسوية هذه النزاعات إما بوسائل سياسية أو وسائل قضائية لكن مع توفر النوايا الحسنة وروح التعاون الضروريان لتسوية أنواع النزاعات كافة من الأسلوب الذي حبذه القضاء الدولي في مثل هذه المنازعات كان مؤكد على ضرورة التعاون بين دول الحوض كافة وتشاورها في كل شؤون استخدام المجرى المائي ولا بد من الإشارة إلى إن عدم وجود اتفاق دولي بين الإطراف بشأن توزيع حصص النهر الدولي لا يعني إطلاق يد دولة واحدة في التصرف المطلق بمياه ذلك النهر بل يظل لزاماً على تلك الدولة طبقاً للقواعد العامة في القانون الدولي احترام حقوق الدول المتشاطئة معها وينبغي إن لا تكون المصلحة الذاتية هي وحدها التي تركن إليها المنبع في تقرير كيفية تصرفها بمياه ذلك النهر .



(1) Charles Rousseau . Droit international public PALOZ – 1987 . p206-208                                                   . 


المصادر


علي حسن صادق ،؟ حقوق العراق المكتسبة في الفرات ، رسالة ماجستير ، جامعة بغداد 1976.

علي غالب عبد الرزاق ، مشكلة تقسيم المياه في الشرق الأوسط ، وزارة الزراعة 1992.

عز الدين خير ، الفرات والقانون الدولي ، جامعة بغداد 1976.

ناجي علي حرج ،مجلة دراسات إستراتيجية ، العدد الخامس 1998.

محمد جواد علي مبارك ، اثر المياه في العلاقات بين الدول ، جامعة بغداد ، رسالة دكتوراه 1994.

حسن احمد الراوي ، شحة المياه في نهر الفرات ، وقائع ندوة الزراعيين العراقيين 1975.

عصام العطية ، قانون الدولي العام ، بغداد 1987.

شارل روسو ، القانون الدولي العام ،1987، دالوز.



شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3832018391793669111
https://www.merefa2000.com/