شارع الملكة نازلي - من كتابات ا.د . عاطف معتمد

كوكب المنى يناير 30, 2022 يناير 30, 2022
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

 شارع الملكة نازلي - من كتابات ا.د . عاطف معتمد



يتعجب بعض الناس من أن هاتفه المحمول يعرض عليه نفس السلع التي كان يفكر فيها قبل ساعات قليلة، وربما يعرض عليه مقالات أو كتب أو فيديوهات لنفس الأفكار التي كان يهتم بها ليلة أمس.

والناس هنا فريقان في تفسير الأمر:

- فريق يرجع ذلك إلى مصفوفة الذكاء الاصطناعي في الهواتف الرقمية التي ترسم شبكة رياضية من محتويات المواقع التي تقوم باستعراضها في متصفح جهازك المحمول وتستنج ما يستهويك، حتى لو لم تتفاعل معها بالتسجيل أو الإعجاب، ولذلك قد يجد أحدهم اقتراحات بمواقع جنسية وهو غير مسجل فيها أو صور عارية ومثيرة وهو غير متفاعل مع مواقعها ومكتفي باختلاس المشاهدة السرية فحسب. 

- الفريق الثاني يذهب لأكثر من هذا ويقول إن هواتفنا الذكية تتجسس علينا وتسجيل أحاديثنا الصوتية دون إذن منا وتجمع من خلال ما نقوله لأولادنا أو زوجاتنا أو أصحابنا معلوماتنا التي تشغلنا وتقترح بالتالي سلعها التي تعرضها علينا في عالم الذكاء الرقمي المدهش الذي سيغير كل شيء في حياتنا.

وقد تعرضتُ أمس لموضوع مشابه لهذا، في العالم الواقعي وليس في العالم الافتراضي. 


كنت أتصفح في الليل خريطة قديمة لمدينة القاهرة وخاصة الحي الأوروبي الذي أنشأه الخديوي اسماعيل في الثلث الأخير من القرن 19 وكانت النتيجة تأسيس ذلك الحي الراقي في وسط المدينة شرق النيل خلف المنطقة التي نسميها اليوم ميدان التحرير. ولعل ذلك هو ما دعى بعضهم إلى تسمية هذه المنطقة باسم "باريس التي على النيل". كانت تلك المنطقة من القاهرة فعلا تشبه باريس لأن الخديوي اسماعيل قرر تشييدها بعد زيارة لباريس وافتتنانه بالشوارع والميادين فيها.  


استوقفني في الخريطة التي سهرت معها شارع اسمه "الملكة نازلي"، عشت مع فيديوهات وتحقيقات صحفية عن الملكة ومغامراتها وصور فاروق وأحمد حسنين باشا فضلا عن الملك فؤاد الأول.


صحوت في اليوم التالي وذهبت إلى لقاء عمل في حي الضاهر وفي نهاية اليوم عدت من الفجالة إلى ميدان التحرير سيرا على الأقدام لأن ذلك أسرع من ركوب المواصلات في القاهرة المتلبكة.


وإذ بي أرى نفسي في ذات الشارع الطويل الذي تصفحته في الليل "شارع الملكة نازلي" ولكنه في عصرنا الحالي يحمل اسم شارع رمسيس ويمتد من ميدان "باب الحديد" إلى ميدان الإسماعيلية. باب الحديد هو اسم ميدان رمسيس حاليا والإسماعيلية (نسبة إلى الخديوي اسماعيل) هو اسم ميدان التحرير حاليا.


الخريطة التي أعمل عليها قديمة مقطوع منها تاريخ الطباعة وهو ما يجعلني استنتج عدة تواريخ لمعرفة متى طبعت، على النحو التالي:


- بالتأكيد تعود هذه الخريطة لما قبل عام 1952 قبل الإطاحة بنظام الملكية الذي كانت فيه الملكة نازلي والدة الملك فاروق آخر ملك قبل النظام الجمهوري


- الأرجح أن هذه الخريطة لما قبل عام 1950 لأن القصاصات المعلوماتية المتناثرة عن قصة حياة الملكة نازلي تشير إلى أن الملك فاروق جردها اللقب الملكي بعد سلوكها الذي أثار نقد المصريين ضده وساهم في تشويه سمعته نتيجة مغامراتها في الخارج


- على الأرجح أن هذا الخريطة رسمت خلال الفترة من عام 1919 وحتى عام 1939 وهي الفترة التي صارت فيها "نازلي صبري” زوجة للملك فؤاد وانجبت منه فاروق. وهي نفسها الفترة التي تحول فيها مسمى فؤاد الأول من "السلطان" فؤاد إلى "الملك فؤاد" وكلا التسميتين جاءت بإيعاز من السلطة البريطانية المتحكمة في شؤون مصر، حين أعطت منذ الحرب العالمية الأولى لقب السلطان للحاكم المصري كي يكون مناطحا ورأسا برأس للسلطان العثماني وبالتالي لا يكون لتركيا سلطة ادعاء على مصر. فحين قامت تركيا بغزو سيناء ووصلت إلى قناة السويس في الحرب العالمية الأولى طالبت بمصر من السلطة البريطانية باعتبار مصر جزءا من إمبراطوريتها وأن أبلغ دليل على ذلك هو مسمى "خديوي" الذي كانت تمنحه تركيا للوالي المصري والذي يعني "نائب السلطان في مصر" أو "الحاكم المكلف بولاية مصر باسم السلطان".


على هذا النحو تعود الخريطة التي تحمل اسم الملكة نازلي إلى الربع الأول من القرن العشرين.

تغيير اسم شارع الملكة نازلي إلى شارع رمسيس في العهد الجمهوري أمر مفهوم ومتوقع. وهناك ملايين من الناس يهتمون بالتاريخ الملكي وفق "نوستالجيا" الصور القديمة ونقدا للعصر الجمهوري. 


تغيير الأسماء مهم ومفهوم في فترات التحول السياسي وفترات الثورة والفورة على القديم ومحو آثاره أو فضح سيئاته، وإذا كان البعض قد يتعاطف بشكل أو بآخر مع بعض أفراد الأسرة الملكية إلا أن القصة المثيرة للملكة نازلي لا تشجع أحدا على التعاطف معها نظرا للحياة الشخصية المثيرة والزواج المتعدد والعلاقات الشائكة، وربما هناك من يشفقون عليها أكثر ممن يتمنون إعادة إطلاق اسمها على شارع رمسيس. 


بين الجغرافيا والسياسة لدينا علاقة وثيقة بين الملكة نازلي والشخصية المثيرة "أحمد حسنين باشا" رئيس الديوان الملكي والذي كان الرجل الأول في القصر والمهيمن على توجهات الملك فاروق وأقام علاقة عاطفية مع الملكة انتهت بزواجهما بموافقة مكرهة من الملك فاروق وانتهت أيضا بمقتل أحمد حسنين باشا على يد سيارة تابعة للجيش البريطاني في عام 1946. 


كان حسنين باشا من رواد اكتشاف الصحاري المصرية، ويبدو أن نفس الصفات الشخصية من المغامرة والعلاقات مع النساء كانت حاضرة في مغامرته بحياته في رسم خرائط وتدوين معلومات من الدرجة الأولى عن واحات وصحاري شرق ليبيا ووصولا إلى جبل العوينات ومنها إلى دارفور.


وبينما أتجول في شارع الملكة نازلي (سابقا) سألت نفسي عن مصادفات العالم الواقعي لا العالم الافتراضي التي جعلتني أفكر في كل هذا. 


في الخريطة المرفقة سنجد شارعا موازيا لشارع الملكة نازلي كان يحمل في ذلك التاريخ مسمى شارع "سيدي المدبولي" (شارع الجلاء حاليا) 


ليس لدى أية مراجع حاليا عن من "سيدي المدبولي" هذا الذي كان يناطح الملكة نازلي في الشارع الموازي الممتد من باب الحديد إلى ميدان الإسماعيلية !

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3832018391793669111
https://www.merefa2000.com/