الطفرات الجينية ..كلمة السر وراء الحالات المرضية المختلفة

كوكب الجغرافيا أبريل 27, 2020 أبريل 27, 2020
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

الطفرات الجينية ..كلمة السر وراء الحالات المرضية المختلفة


الخلية؛ تلك الوحدة البنائية الصغيرة التي تتألف منها أجسام الكائنات الحية وعلى رأسها الإنسان، تحمل بداخلها أسرارًا عن الظاهر والباطن وتخفي معالم الماضي وأثر الحاضر وما يمكن أن يحدث مستقبلًا في الأجيال القادمة.
عن أسرار الظاهر تتحدث الجينات؛ فتفسر كل ما نرى من تنوع ونشهد من تباين في الأجناس والألوان والهيئات. أمّا عن أسرار الباطن فتلعب العمليات البيولوجية والوظيفية التي تؤديها الخلية أدوارًا حيوية لها جُل الأثر وعظيم الأهمية في الحفاظ على حياة الإنسان، وعن الماضي والحاضر والتنبؤ بالمستقبل تأتي الجينات مرة أخرى لتتصدر المشهد، لما لا والجينات تنتقل من الآباء للأبناء؟ فتضمن توريث الصفات التي إذا ما ظهرت في الآباء احتمل تواجدها في الأبناء بنسبة ليست بقليلة.
إذا حدثت بعض التغيرات في تلك الجينات فيما يعرف بالطفرات فمن الممكن أن يتسبب ذلك في ظهور بعض الحالات المرضية التي سنتحدث عنها في هذا المقال.

ما هي الجينات وأين توجد؟

يتكون جسم الإنسان من ملايين الخلايا والتي يختص كل منها بوظائف حيوية معينة مثل الخلايا المسؤولة عن الإحساس أو تلك المسؤولة عن امتصاص الأكسجين في الدم، وتعد الكرموسومات واحدة من المكونات دون الخلوية sub cellular التي توجد في نواة كل خلية تكوِّن الجسم البشري.
هناك 23 زوجًا من الكرموسومات في كل خلية، وببساطة تعمل تلك الكرموسومات على نقل المعلومات الوراثية من جيل لآخر.
وفي الإنسان نوعان من الكرموسومات وهما الكرموسومات الجنسية sex chromosome، والكرموسومات الجسدية autosomes، ويوجد كرموسومان جنسيان (X) و(Y)، واللذان يحددان نوع الفرد ذكرًا كان أو أنثى، فالجنين الذكر يرث الكرموسوم Y من الأب والكرموسوم X من الأم فيكون لديه كرموسومان (YX)، بينما ترث الأنثى نسخة من الكرموسوم X من كلا الأبوين ويكون لديها كرموسومان (XX).
الكروموسومات الجينات
تتكون الكرموسومات من شرائط الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين المعروف بالـ (DNA)، تكون الشرائط مكدسة ومعبأة بإحكام داخل النواة، ويحتوى الحمض النووي على المعلومات الأساسية اللازمة لتخليق البروتينات المسؤولة عن جميع الوظائف الحيوية في الجسم.
يتحكم الحمض النووي في عملية تخليق البروتينات بالصورة التي تحدد بدقه نوعية وكمية ووقت البروتينات التي يتم إنتاجها، والبروتينات هي المركبات العضوية التي تلعب دورًا مهمًا في تحديد تركيب ووظيفة خلايا وأنسجة وأعضاء الجسم المختلفة.. وتتكون البروتينات من وحدات بنائية صغيرة تسمى “الأحماض الأمينية”.
الجينات هي تسلسلات معينة على الحمض النووي والتي بدورها تحدد ترتيب الأحماض الأمينية المستخدمة في تخليق البروتين. بعض البروتينات ضرورية لقيام جميع الخلايا بوظائفها، والبعض ليس لها أي علاقة بوظائف الخلايا. ولكل جين مسؤول عن تخليق بروتين ما هناك ما يُعرف بكودون الوقف الذي يعمل على إنهاء عملية التخليق لحظيًا.
الأشكال أو النسخ البديلة من نفس الجين تسمى أليل alleles، يرث كل فرد نسخة بديلة واحدة فقط لجين معين، ينجم عن التأثير الكلي لهذة الجينات اختلافات في الصفات الوراثية لكل فرد مثل لون العيون والشعر وشكل الأنف.. إلخ.
الاختلال الوظيفي للجينات يُعرف بالطفرات، وتلك الطفرات مسؤولة بصورة أساسية عن ظهور الأمراض الوراثية المختلفة، علاوة على ذلك؛ إذا حدثت الطفرة في الأمشاج الجنسية (الحيوان المنوي في الذكر، والبويضة في الأنثى) يؤدي ذلك إلى اكتساب الأطفال هذه الطفرات من أبائهم بالوراثة.

ما هي الطفرات الجينية؟

الطفرة الجينية هي تعديل أو تغيير دائم في تسلسل معين من الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين DNA، ويمثل هذا التسلسل “جين” مسؤول عن إظهار صفة وراثية معينة مما يؤدي إلى اختلاف الجين الذي حدث به التعديل أو الطفرة عما يوجد في معظم البشر.
الطفرات الجينية
يتفاوت حجم الطفرات التي تحدث في تسلسل الحمض النووي طبقًا للمكان الذي حدثت فيه، وتنشأ الطفرة في أي موضع على الحمض النووي ابتداءً من الوحدات البنائية الصغيرة المكونة له والتي تعرف بالقواعد النيتروجينية وصولًا إلى قطعة كبيرة من الكرموسوم الذي يتألف من العديد من الجينات.

أنواع الطفرات الجينية

يمكن تصنيف الطفرات الجينية التي تحدث في الإنسان إلى نوعين رئيسيين:
  1. الطفرات الجنسية الموروثة: وهي طفرات يرثها الأبناء من الآباء، وتوجد الجينات المعبرة عنها في كل خلية من خلايا الجسم، وتعرف هذه الطفرات أيضًا بالطفرات الجنسية حيث توجد في الأمشاج الجنسية الخاصة بأحد الأبوين، والمقصود بالأمشاج الجنسية البويضة من الأم والحيوان المنوي من الأب، وعند التزاوج وحدوث الإخصاب يتحد الحيوان المنوي بالبويضة وتستقبل البويضة المخصبة الحمض النووي الموجود في كلا الأبوين، وإذا احتوى الحمض النووي الخاص بأحد الأبوين على أي طفرات سيؤدي هذا إلى ظهورها في الأبناء.
  2. الطفرات الجينية المكتسبة أو الجسدية: وهي طفرات تحدث أثناء حياة الفرد وتوجد فقط في خلايا معينة على عكس الطفرات الموروثة التي توجد في كل خلايا الجسد، تنجم الطفرات الجسدية بسبب بعض العوامل البيئية مثل التعرض للأشعة فوق البنفسجية الموجودة في ضوء الشمس، وقد تحدث نتيجة وقوع خطأ أثناء تضاعف الحمض النووي وعملية التضاعف تلك عملية حرجة وضرورية تحدث قبل انشطار الخلية، تحدث الطفرات المكتسبة في الخلايا الجسدية فقط أي أنها لا تحدث في الأمشاج (البويضة والحيوان المنوي) وبالتالي لا يمكن توريثها إلى الأبناء.

الطفرات الجينية الحديثة de novo mutations

يوجد نوع آخر من الطفرات تُعرف بالطفرات الجديدة أو الحديثة De Novo Mutations والتي قد تكون طفرات جسدية لا يمكن توريثها أو جنسية يمكن توريثها عبر الأجيال.
في بعض الحالات، تحدث الطفرة في خلية البويضة أو الحيوان المنوي ولكنها لا توجد في أي خلايا جسدية أخرى. وفي حالات أخرى؛ تحدث الطفرة في البويضة المخصبة بعد اتحاد البويضة والحيوان المنوي مباشرةً (ومن المستحيل تحديد الوقت الذي حدث فيه هذا النوع من  الطفرات بالضبط) وأثناء انقسام وتضاعف خلايا البويضة المخصبة لتكوين الجنين تحتوي كل خلية ناتجة من الانقسام على الجينات المعبرة عن الطفرة،
وتفسر الطفرات الحديثة De Novo Mutations، حدوث بعض الاضطرابات الجينية التي يمتلك فيها الطفل المصاب الجين المعبر عن الطفرة في كل خلية من خلايا جسده والتي لم تكن موجودة في الآباء أي أنها ليست وراثية، ولا يوجد أي تاريخ عائلي عن هذا الاضطراب من قبل.

الطفرات والفسيفساء الجينية

قد تؤدي الطفرات الجسدية التي تحدث في خلية مفردة في المراحل المبكرة من نمو الجنين حالة تعرف بالفسيفساء mosaicism ولا توجد هذه الطفرات في أي من الخلايا الجنسية للآباء أو البويضة المخصبة، ولكنها تحدث أثناء المراحل الأولى من نمو الجنين كما أشرنا، وأثناء عملية الانقسام الخلوي وتطور نمو الجنين لا تحتوي كل الخلايا على نفس الطفرة ولكن الخلايا الناتجة عن انقسام الخلية المعدلة جينيًا فقط سوف تُظهر نفس الطفرة، في حين لن تظهرها الخلايا الأخرى.
الطفرات الجينية
وبناءً على الطفرة وعدد الخلايا المصابة من الممكن أن تسبب الفسيفساء مشاكل صحية، وقد لا ينجم عنها أي تأثير مرضي إطلاقًا.

هل كل الطفرات الجينية مسببة للأمراض؟

معظم الطفرات الجينية المسببة للأمراض غير شائعة في الأفراد، في حين تحدث بعض التغيرات الجينية بكثرة، وتسمى التعديلات الجينية التي تحدث في أكثر من 1% من البشر بتعدد الأشكال أو تنوع الصفات polymorphisms، وهي المسؤولة عن العديد من الصفات الوراثية المختلفة بين البشر مثل لون العيون، لون الشعر، ونوع فصائل الدم.
وعلى الرغم من أن عددًا كبيرًا من الجينات الخاصة بتنوع الصفات ليس لها أي تأثير سلبي على صحة الفرد، إلا أنها قد تزيد من احتمالية تطور بعض الاضطرابات.

كيف تؤثر الطفرات الجينية على الصحة والنمو؟

لكي يؤدي الجسم وظائفه على أكمل وجه تعتمد كل خلية على آلاف البروتينات التي تتضافر سويًا لتعمل بتناسق شديد ووفق نظام محكم فتؤدي وظائفها في الأماكن الصحيحة والأوقات الملائمة، وأحيانًا تمنع الطفرات الجينية واحدًا أو أكثر من تلك البروتينات عن العمل من خلال حدوث تغيير في الجين المسؤول عن تخليق بروتين ما، ومن الممكن أن تسبب الطفرة إيقاف عمل البروتين أو فقده تمامًا وبالتالي ينشأ خلل في الوظيفة التي يؤديها.
ولسوء الحظ قد تحدث الطفرة في أحد الجينات المسؤولة عن تخليق بروتين حيوي وضروري في الجسم وقد يعرقل ذلك عملية النمو أو يسبب حالة مرضية. ويطرأ على الطفرات الواقعة في جين واحد أو أكثر بعض الاضطرابات الجينية.
وفي بعض الحالات قد تكون الطفرات الجينية خطيرة بالقدر الذي يمنع الجنين من الحياة، ويحدث ذلك عندما تقع الطفرات في جينات ضرورية لنمو الجنين، ولأن لتلك الطفرات تأثيرات خطيرة جدًا فإنها تتعارض مع استمرار الحياة فعلى أثرها يلقى الجنين حتفه قبل الولادة.
الطفرات الجينية
ومن الجدير بالذكر أن الجينات نفسها لا تسبب الأمراض، فالاضطرابات الجينية التي تنتج عنها الأمراض تسببها الطفرات في المقام الأول مما يؤدي إلى اعتلال في وظائف الجينات. على سبيل المثال؛ عندما يقول الناس أن شخصًا ما لديه جين التكيس الليفي the cystic fibrosis، فإنهم يشيرون إلى نسخة معدلة من الجين التالي CFTR وهو الجين الذي حدثت فيه الطفرة فنتج عنه المرض.

الأمراض الناجمة عن الطفرات الجينية

تحدث الأمراض نتيجة خلل في جين واحد أو مجموعة من الجينات، وطبقًا لمقدار التغير الحادث في الجينات يمكن تصنيف الأمراض إلى:

الأمراض الكرموسومية أو الصبغية

تحدث نتيجة فقد أو تضاعف أو تعديل كرموسوم كامل أو قطع كبيرة من الكرموسوم، وتعد متلازمة داون مثالًا جليًّا على هذا النوع من الاضطرابات الجينية.
ومتلازمة داون Down syndrome هي اضطراب صبغي يسببه الكرموسوم رقم 21 الإضافي، وهي حالة مرضية يعرف صاحبها بتأخر النمو العقلي بالإضافة إلى بعض الصفات الجسدية مثل تأخر النمو وقصر القامة علاوة على ملامح مميزة للوجه واليدين.
متلازمة دوان الطفرات الجينية
وهذا الكرموسوم الإضافي يوجد نتيجة عدم انفصال جزء من المادة الوراثية في إحدى مراحل تكون الأمشاج، ينتج عنها كرموسوم إضافي يسمى التثلث الصبغي 21 (trisomy 21).
أمّا عن السبب وراء عدم انفصال الصبغي فلم يُعرف بعد، إلا أنه يرتبط بعمر المرأة، وهذه المادة الوراثية الزائدة تؤثر على النمو وينتج عنها متلازمة داون، يصاب مرضى متلازمة داون أيضًا بحالات مرضية أخرى مثل أمراض القلب، الزهايمر، وسرطان الدم.

اضطرابات أحادية الجين Myogenic disorders

تحدث نتيجة تعديل في جين ما، مما يؤدي إلى وقف عمل جين واحد فقط، وعلى الرغم من أن مثل تلك الأمراض الوراثية نادرة الحدوث نسبيًا إلّا أنها تؤثر على ملايين البشر على مستوى العالم. فقد قدّر العلماء حديثًا أنه يوجد ما يزيد على 10,000 نوع من الأمراض التي تصيب الإنسان وتعود إلى الاضطرابات أحادية الجين myogenic disorders.
وهي من الأمراض الجينية الخالصة التي تحدث بسبب خطأ واحد في جين واحد في الحمض النووي للإنسان DNA، وتعتمد طبيعة المرض على الوظائف التي يؤديها الجين المُعدّل. وتُصنف الأمراض أحادية الجين في ثلاثة مجموعات رئيسية:
  1. اضطرابات أحادية الجين سائدة.
  2. اضطرابات أحادية الجين متنحية.
  3.  الأمراض المرتبطة بكرموسوم إكس.
تحتوي كل خلية من خلايا الإنسان على مجموعتين أو نسختين من كل جين تسمى أليل allele أي النسخة البديلة، بحيث توجد نسخة واحدة على كل جانب في زوج الكرومسومات، تعد الأمراض السائدة اضطرابات أحادية الجين التي تحدث بسبب تلف في كلا النسختين أو الأليل allele.
أمّا الأمراض المتنحية فهي اضطرابات أحادية الجين أيضًا ولكنها تشمل تلفًا في نسخة واحدة فقط للجين، والأمراض المرتبطة بكرموسوم X هي اضطرابات أحادية الجين تتعلق بجينات معطوبة على الكرموسوم الجنسي X. وقد تكون الجينات المتعلقة بالكرموسوم X سائدة أو متنحية، وتظهر هذه الجينات بالتساوي في الذكور والإناث، حيث يحمل الذكور نسخة واحدة فقط من الكرموسوم X بجانب الكرموسوم Y، بينما تحمل الإناث نسختين من الكرموسوم X.
والأمراض أحادية الجين مسؤولة عن خسائر فادحة في حياة البشر؛ حيث يبلغ معدل الانتشار العالمي للأمراض أحادية الجين عند الميلاد حوالي 10/1000 وتشمل الأمراض التالية:
  • الثلاسيميا Thalassaemia: وهي خلل وراثي في تركيب الهيبموجلوبين، وتعرف الثلاسيميا أيضًا بأنميا البحر الأبيض المتوسط.
  • فقر الدم المنجلي Sickle cell anemia: حيث يتغير شكل خلايا الدم فبدلًا من أن تكون كروية تصبح هلالية الشكل.
  • الهيموفيليا Haemophilia: ويعرف بمرض نزف الدم الوراثي يحدث نتيجة غياب بعض أنواع عوامل تجلط الدم.
  • التليف الكيسي Cystic Fibrosis.
  • مرض تاي ساكس Tay sachs disease.
  • متلازمة الكرموسوم إكس الهش Fragile X syndrome.
  • مرض هنتنغتون Huntington’s disease.

اضطرابات وراثية متعددة العوامل

تحدث نتيجة طفرات في جينات متعددة وليس جين واحد فقط، وكثيرًا ما تقترن بعوامل بيئية، وإحدى الأمثلة الشائعة للاضطرابات الوراثية متعددة العوامل هو داء السكري.

اضطرابات المايتوكوندريا Mitochondrial disorders

وهي اضطرابات نادرة تحدث بسبب طفرات في الحمض النووي غير الكرموسومي المتواجد في المايتوكوندريا (المايتوكوندريا هي إحدى عضيات الخلية مسؤولة عن إنتاج الطاقة) وتصيب تلك الاضطرابات أي جزء من الجسم مثل الدماغ والعضلات.
تلعب الجينات أيضًا دورًا فعالًا في الإصابة بالأمراض المعدية مثل مرض الدرن الرئوي (السل) والإيدز، بالإضافة إلى بعض الأمراض غير المعدية مثل السرطان والسكري.

كوكب الجغرافيا

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3832018391793669111
https://www.merefa2000.com/