العائلة والأمن الاجتماعي - دراسة ميدانية في مدينة بغداد - ذكرى جميل محمد حسين البناء - أطروحة دكتوراه 2003م

كوكب الجغرافيا مارس 15, 2020 مارس 15, 2020
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

العائلة والأمن الاجتماعي 


دراسة ميدانية في مدينة بغداد 



أطروحة تقدمت بها 

ذكرى جميل محمد حسين البناء 



إلى مجلس كلية الآداب وهيئة الدراسات العليا في جامعة بغداد 

كجزء من متطلبات نيل درجة دكتوراه فلسفة آداب

في علم الاجتماع 


بإشراف 


الأستاذ الدكتورة 

فتحية عبد الغني الجميلي 


1424 هـ - 2003 م 




المقدمة

  وصف الله في قرآنه الكريم نعمته المباركة على قريش بالقول (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)*.

  ومع إن القرآن الكريم قدم دافع الجوع بوصفه حاجة أساسية فإنه لم يفصل بينه وبين حاجة الأمن . وجعل من الحاجتين مدخلاً للشكر والعبادة. بقدر ما هما دليل فضل الله على قريش . إن هاتين الحاجتين ، ما زالتا على رأس قائمة حاجات المجتمعات الإنسانية . باختلاف ثقافاتها ونظمها ، لأنهما العاملين الأشد ضرورة والأكثر أهمية لاستمرار وتواصل النوع الإنساني على طريق الحياة وما يتصل بهما من رؤى عقيدية وروحية . ولعل في دعاءِ سيدنا إبراهيم (ع) ما يؤكد ويوضح هذا المعنى:

   (وإذ قال إبراهيم ربِ اجعل هذا البلد آمناً وأجنبني وبنيّ أن نعبد الاصنام**- ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون )***.

   فالحاجة إلى الطعام لا تنفصل عن الحاجة إلى الأمن ، وكلاهما يتصلان بالعبادة ، عقيدة وطقوساً ورموزاً . وفي هذا البحث إذ نتناول العلاقة بين العائلة بوصفها مؤسسة اجتماعية رئيسة وبين الأمن الاجتماعي فإننا في الواقع لا نغض النظر عن حقيقة أن الأمن مفهوم متعدد الوجوه بوصفه يؤشر إلى حالة الاستقرار والتوازن والتنظيم والاستمرار . كما إن الأمن الاجتماعي متداخل الأبعاد ، إذ انه يتداخل مع عناصر الحياة الاجتماعية كافة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والصحية والتعليمية والثقافية والدينية والجنائية . ومن ثم فهو متصل بكل الحاجات الإنسانية بدرجات مختلفة من الوضوح . بوصفه يتصل بالحاجة إلى الصحة والتعليم والغذاء والعمل والسكن وأجهزة الأمن والشرطة ونظام الضمان وبرامج التأمين الاجتماعي. لذا يمكن القول أن تحققه على صعيد الواقع الاجتماعي يشكل البنية التحتية لكل مشاعر الرضا والقناعة والطموح أيضاً. فالإنسان الآمن المستقر نفسياً ، تتميز علاقاته وسلوكياته الاجتماعية بدرجة عالية من اليقين والقدرة على التنبؤ فضلاً عن قدرته على التعامل المنتج مع الزمن حاضراً ومستقبلاً. مع ملاحظة إن حالتي الأمن واللامن ، تشكل جدلية أزلية في الحياة الاجتماعية ، إذ تحتوي كل منهما على بذور أو عوامل نفي الأخرى حتى تستمر الحياة الاجتماعية بين طرفي الحركة والاستقرار ، والخوف والأمن ، والسخط والرضا ،وفي الحالتين تحتل العائلة مساحة وتشغل أدواراً حيوية ، لا غنى عنها لأي مجتمع إنساني ، فهي البيئة الحياتية الأولى ، ومن خلالها تبدأ عملية استدخال Internalize المجتمع في الذات أثناء عملية التنشئة الاجتماعية حتى يصبح الإنسان والمجتمع وجهين لحقيقة واحدة . كما إنها الوسط الاجتماعي الأول التي تشبع فيه احتياجات الأفراد الإنسانية الأساسية والاجتماعية . فضلاً عن كونها الوسط الاجتماعي المؤثر في إقامة وتمتين شبكة العلاقات والروابط الاجتماعية الإنسانية بوصفها نقطة الانطلاق نحو الأوساط الاجتماعية القرابية والخارجية . ولذلك انطلق هذا البحث من تصور للأمن الاجتماعي مفاده انه حالة تتوافر فيها الحماية والأمان والرفاه والاطمئنان للفرد والجماعة معاً على النحو الذي تترسخ معه مقومات الحياة الاجتماعية، ومن فرضية أساسية مفادها أن العائلة مؤسسة اجتماعية رئيسة تؤدي دوراً فاعلاً في ترسيخ مقومات الأمن الاجتماعي ومن ثم مقومات الحياة الاجتماعية. وقد اقتضى اختبار هذه الفرضية تفريعها إلى عدة فرضيات ثانوية ، تركزت على أدوار العائلة الثقافية والسياسية والاقتصادية والنفسية ، وتقسيم العمل والسلطة فيها وروابطها الداخلية وروابطها بالجماعات القرابية والمجتمعات المحلية ممثلاً بالجيرة . على أمل الوصول إلى تصور واضح عن العلاقات الوظيفية بين هذه العوامل وبين الأمن الاجتماعي.

    تألف هذا البحث من عشرة فصول ضمت (34) مبحثاً بمعدل (3.4) مبحثاً . وضمت المباحث بمجموعها (32) محوراً أي بمعدل (3.2) محوراً لكل فصل.

   تناول الفصل الأول عناصر البحث ومفاهيمه الذي ضم موضوع البحث وأهميته وأهدافه . كما استعرض معاني المفهومين الأساسيين للبحث وهما العائلة بوصفها جماعة اجتماعية وقانونية تتكون من أعضاء يعيشون سوية وتربطهم علاقات اجتماعية تفاعلية في حدود منزلات وأدوار محددة ثقافياً. والأمن الاجتماعي بوصفه حالة الأمان للفرد والمجتمع معاً تتحقق من خلال مجموعة من الضمانات التي ترسخ مقومات الحياة الاجتماعية متمثلة بالاقتصادية والسياسية والاجتماعية والصحية والثقافية والدينية والأمنية . إن أهمية هذا البحث مستمدة من أهمية هذه العلاقة الحيوية بين العائلة بوصفها مؤسسة اجتماعية أساسية وبين الأمن الاجتماعي الذي يمكن أن توفره في ظل عوامل معينة خلاصتها إشباع الحاجات الأساسية والاجتماعية لأعضائها . وجعل شخصياتهم تتصف بنماذج سلوكية مقبولة اجتماعياً .

   أما الفصل الثاني فقد تناول الدراسات السابقة ، العراقية ، والعربية ، والأجنبية . وقد بلغ مجموعها (10) دراسات. ناقشنا أهم نتائجها وأكدنا حقيقة إن الدراسات المتاحة قليلة جداً ومن ثم هناك حاجة ماسة إلى مزيد من الدراسات الميدانية المعمقة للأمن الاجتماعي من حيث علاقته بمؤسسات المجتمع وفي مقدمتها العائلة.

  أما في الفصل الثالث فقد تناولنا تصورات نظرية شاملة عن المؤسسة العائلية ، من حيث الأبعاد التاريخية التطورية ، ومن حيث الخصائص البنيوية (تقسيم العمل والأدوار الاجتماعية وتوزيع السلطة بين الأعضاء واتخاذ القرارات والعلاقات الاجتماعية بين الأعضاء بوصفهم شاغلي أدوار . فضلاً عن العلاقات القرابية وعلاقات الجيرة) ومن حيث الخصائص الوظيفية ناقشنا (الوظيفة الاقتصادية والتنشئة الاجتماعية والوظيفة النفسية العاطفية). إن التغييرات البنيوية الوظيفية التي لحقت بالعائلة لن يقلل عنها أهميتها بل إنها احتفظت بالواجبات التي لا يمكن أن تقوم بها أية مؤسسة أخرى . وهذا يعني إن تداخل وظائفها مع وظائف مؤسسات أخرى لم يسقط عنها دورها المهم في تعزيز الأمن الاجتماعي على مستوى الفرد والجماعة معاً.

  في الفصل الرابع تناولنا مقومات الأمن الاجتماعي وقد حددنا ستة مقومات أساسية للأمن الاجتماعي هي : التضامن والتماسك الاجتماعي والقيم والمعايير الاجتماعية والعقيدة الدينية والاستقرار السياسي والحماية من التهديدات الاجتماعية وإشباع الحاجات .وفي سياق هذا التناول استعرضنا جوانب من الفكر الاجتماعي ذات العلاقة بمفهومي الصراع والاستقرار وعلاقتهما بحالة الأمن واللأمن . إذ إن آراء الفلاسفة والمفكرين ، على تعدد صفحاتها واجتهاداتها ، ركزت على المقومات المشار إليها في هذا الفصل .

   أما في الفصل الخامس ، فقد استعرضنا عملية الربط بين متغيري البحث وهما العائلة والأمن الاجتماعي ملاحظين ابتداءً أهمية العائلة ودورها الحيوي في أي مجتمع إنساني . وملاحظين أيضاً دقة مفهوم الأمن الاجتماعي وتعقيداته وتداخل عناصره . بعدها حللنا أوجه العلاقة ما بين العائلة والأمن الاجتماعي في ضوء المدخل النظري الذي استعرضناه في الفصول السابقة . فقد تناولنا عوامل ومتغيرات تقسيم العمل والأدوار والسلطة واتخاذ القرارات وعلاقتها بالتضامن والتماسك الاجتماعي ثم الأمن الاجتماعي. ثم تناولنا نمط العلاقات في الجماعات التقليدية، في العائلة والجماعات القرابية وجماعات الجيرة وعلاقتها بالحماية من التهديدات الاجتماعية بما يحقق الأمن الاجتماعي . فضلاً عن تحليل أثر التنشئة الاجتماعية في اكتساب قيم المجتمع ومعاييره السلوكية وأثر التنشئة الدينية في اكتساب العقيدة الدينية واثر التنشئة السياسية في تحقيق الاستقرار السياسي وأثر الوظيفتين الاقتصادية والنفسية العاطفية في إشباع الحاجات الأساسية والاجتماعية. وعلاقة كل هذه العوامل بالأمن الاجتماعي . إن هذا الفصل يدقق في جملة من العوامل ، ويحلل علاقاتها من خلال المرجعيات النظرية للفكر السوسيولوجي . وبهذا الفصل بالذات نختتم رسم معالم البناء التصوري للبحث وصولاً إلى مرحلة البحث الميداني .

    في الفصل السادس لخصنا المرجعية النظرية والمنهجية للبحث. انطلاقاً من فكرة أساسية مفادها أن العائلة الآمنة المطمئنة هي تلك التي تؤمن إشباع حاجات أعضائها وتهيأ فرص نجاحهم وتنميط سلوكهم طبقاً للنماذج المتفق عليها ثقافياً . إن هذه الفكرة هي خلاصة التصورات التي استمدتها الباحثة من مراجعاتها النظرية التي شكلت الرؤيا أو المرجعية الضرورية للبحث الميداني . أما في الجانب المنهجي فقد أشرنا إلى إن البحث استخدم منهج المسح الاجتماعي الوصفي ، من خلال فروض استهدفنا من خلالها تحليل العلاقة الوظيفية بين عدد من المتغيرات المستقلة وبين مقومات الأمن الاجتماعي . وقد تحدد المجال البشري للبحث بثلاث مستويات من المناطق السكنية هي المرفهة والوسطى والمتواضعة في مدينة بغداد وبلغ مجموع العوائل التي درست في المناطق الثلاث (300) عائلة تمثل عينة عشوائية طبقية لمجتمع البحث . وقد قامت الباحثة باختبار صدق العينة والتأكد من تمثيلها لذلك المجتمع . من جانب أخر استخدمت الباحثة لجمع البيانات أكثر من أداة وهي : الاستبيان* كأداة رئيسة فضلاً عن المقابلة والملاحظة البسيطة . وقد تم عرض الاستبيان** على مجموعة من الخبراء لتحديد مدى صدق المقياس . كما تم تطبيقه على عينة تمهيدية صغيرة الحجم لمعرفة مدى ثباته وذلك باتباع طريقة إعادة الاختبار على العينة التمهيدية ذاتها. وبعد جمع البيانات تم تبويبها وتحليلها باستخدام عدد من المقاييس الإحصائية كالأوساط الحسابية والانحرافات المعيارية ومعامل ارتباط بيرسون فضلاً عن مقياس معنوية الفرق الإحصائي (كا2) لاختبار فرضية البحث الرئيسة عن العلاقة بين العائلة والأمن الاجتماعي وذلك من خلال اختبار (10) فرضيات ثانوية مستمدة منها.

   في الفصل السابع استعرضنا خصائص وسمات عينة البحث من حيث المستويات الاجتماعية للعائلة ، خلفيتها الاجتماعية ومنطقتها السكنية وموطنها الأصلي . مروراً بحجم العائلة ونمطها ونوع سكنها وعائديته وطبيعته وصولاً إلى المستويات التعليمية والاقتصادية لوحدات العينة وتوزيعهم المهني ودخولهم الشهرية . إن هذا الفصل يمثل مدخلاً تعريفياً شاملاً لكل خصائص العينة التي جمعت منها بيانات البحث التي جرى تحليلها في الفصلين الآتيين .

   أما في الفصل الثامن فقد عرضت الباحثة البيانات الميدانية الخاصة بالعلاقة ما بين بنية العائلة والأمن الاجتماعي من حيث تقسيم العمل والأدوار وعلاقتها بالتضامن والتماسك الاجتماعي ، ومن حيث السلطة واتخاذ القرار ودورها في تحقيق التضامن والتماسك الاجتماعي ، والعلاقات والروابط الاجتماعية في العائلة وأثرها في الحماية من التهديدات الاجتماعية ، والعلاقات والروابط الاجتماعية بين العائلة والجماعات القرابية وبينها وبين جماعات الجيرة ، واثر ذلك في الحماية من التهديدات الاجتماعية. وقد ربط التحليل بين كل هذه العوامل وبين مدى تحقق الأمن الاجتماعي في إطار التوزيع الجغرافي ، السكني لعينة البحث لمعرفة الفروق الواقعية بين تلك المناطق السكنية . كما تم إجراء اختبار (كا2) لعينة واحدة لمعرفة معنوية العلاقة بين كل تلك المتغيرات والأمن الاجتماعي . فضلاً عن إجراء اختبار (كا2) لعينتين مستقلتين لمعرفة معنوية العلاقة بين كل تلك المتغيرات بحسب توزيعها السكني وبين الأمن الاجتماعي .

  في الفصل التاسع تناولنا وظائف العائلة ، متمثلة في التنشئة الاجتماعية والتنشئة الدينية والسياسية ، إلى جانب الوظيفية الاقتصادية والوظيفة النفسية العاطفية ودور كل منها وفاعليتها في اكتساب والتزام الأعضاء بالقيم والمعايير الاجتماعية والعقيدة الدينية وتحقيق الاستقرار السياسي وإشباع الحاجات الأساسية والاجتماعية . وعلاقة كل تلك العوامل بالأمن الاجتماعي متبعين الإطار التحليلي ذاته المعتمد في الفصل الثامن .

 وفي الفصل العاشر استعرضنا نتائج البحث ، من حيث النتائج المتعلقة بخصائص عينة البحث والنتائج المتعلقة ببنية العائلة ووظائفها والأمن الاجتماعي . كما استعرضنا خلاصة النتائج ومناقشة فرضيات البحث . وقد تبين من خلاصة النتائج إن بنية العائلة لم تختلف باختلاف المناطق السكنية ، إلا إن وظائفها اختلفت من منطقة سكنية إلى أخرى . وتبين أيضاً أن العائلة بنية ووظائف اجتماعية لها اثر فاعل في ترسيخ مقومات الأمن الاجتماعي . كما استعرض الفصل عدداً من التوصيات لتعزيز دور العائلة في ترسيخ مقومات الأمن الاجتماعي .

  ثم ختمنا البحث بقائمة المصادر والمراجع فضلاً عن ملاحقه وتضمنت ملحق (1) المتعلق بأسماء وكليات والدرجات العلمية للأساتذة الخبراء الذين عرضت عليهم أداة البحث ، وملحق (2) المتعلق باستمارة الاستبانة بصيغتها الأولية ، وملحق (3) المتعلق باستمارة الاستبانة بصيغتها النهائية . وأخيراً خاتمة البحث باللغة الإنكليزية.

  وتأمل الباحثة ، أن يكون جهدها - بعون الله - ورعاية مشرفتها وأساتذتها ، منتجاً ومفيداً ، وان يشكل مصدر تشجيع وحث على إجراء دراسات أخرى اعمق وادق لفهم هذه العلاقة الحيوية المهمة بين العائلة والأمن الاجتماعي وبما يعزز بنية العائلة ووظائفها ، ويحقق من خلالها وفي الوقت نفسه حالة الاطمئنان والأمان للفرد والمجتمع معاً.


تحميل من


↲    mediafire

↲       top4top

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3832018391793669111
https://www.merefa2000.com/