فيما يلي الترجمة العربية للفصل الثاني من كتاب الجغرافي الإنجليزي الرائد “ﭼون بول” والذي حمل عنوان “دراسات في جغرافية مصر” CONTRIBUTIONS TO THE GEOGRAPHY OF EGYPT. وقد صدر هذا الكتاب في القاهرة عام 1939. ويصدر (بيت الجغرافيا) ترجمته للعربية هنا لأول مرة (نوفمبر 2019) وهي من إعداد عاطف معتمد و ماجد فتحي.
جميع الحقوق محفوظة : موقع بيت الجغرافيا 

****************************
الفصل الثاني
مصر في العصور الجيولوجية القديمة
كان توزيع اليابس والماء على امتداد ذلك الجزء من سطح كوكب الأرض الذي تشغله مصر الآن جد مختلف في الماضي عما هو عليه الآن، وذلك أمرٌ شديد الوضوح لكل مسافر في الصحاري على كلا جانبي النيل لما يلاحظه من وفرة الأصداف البحرية التي تنتشر على مساحات واسعة من الأرض تشغل عادة بقاع واسعة على امتدادات بعيدة عن البحر وكذلك عند ارتفاعات شاهقة فوق منسوب سطح البحر. وبدهي ألا نهتم هنا فحسب بومن الطبيعي أن لا بببمدى التغيرات الجغرافية التي ثبت حدوثها، بل بالفترات الزمنية الماضية التي شهدت تلك التغيرات أيضا.
قد لا يكون هناك تغير ملحوظ في توزيع اليابس والماء في مصر خلال الخمسة آلاف عام الماضية المسماة بـ “العصر التاريخي”، ذلك لأن مواقع مدن محلات استقرار الإنسان في مصر القديمة داخل البلاد – أو ما بقي من أطلالها – لا تُظهر قط أية علامات أنها قد طُمرت تحت البحر منذ تاريخ تأسيسها، كما أن أطلال الموانئ البحرية المصرية القديمة تقع على خط الساحل في عصرنا الحالي، أو على مقربة بالغة منه. لذلك يجب أن نضع في اعتبارنا الأصداف البحرية التي يمكن رؤيتها مبعثرة على تلال وهضاب الصحاري في دلالة على حدوث غمر بحري لأرض مصر في عصور ما قبل التاريخ.
ويتأكد هذا الاستنتاج بفحص دقيق للأصداف وعلاقاتها بجيولوجية الصحراء. فهذه الأصداف تعود لأنواع مختلفة وتترامى في مساحات عدة في الصحراء، وأغلبها ينتمي إلى أنواع لم تعد موجودة في بحارنا الحالية، ولكن من المعروف أنها ازدهرت في البحار في فترات مختلفة من الماضي الجيولوجي الغابر. ويمكن مضاهاتها دائمًا ببقية الأصداف المطمورة في طبقات الصخور أو بجوارها، ولا توجد بوفرة إلا في المناطق التي كان سطح الصحراء فيها مكوّناً من صخور أحفورية تتصف في ذات الوقت بطبيعة هشة تجعلها عرضة للتفكك بعد تعرضها لمؤثرات جوية. لذلك، فمن المؤكد أن هذه الأصداف حفرية الأصل تعرضت للتجوية في مواضعها وانتزعتها عوامل التفكك من داخل الصخور التي تؤلف الصحاري.
وفي معظم الأحوال، تشكلت الصخور عن طريق تراكم ترسبات في قيعان البحار في العصور الجيولوجية الماضية، والحفريات التي تكونت فيها هي في الحقيقة بقايا كائنات عاشت في تلك البحار ودُفنت في هذه الترسبات بعد موتها. ولكي نتعقب اتساع البحار القديمة، فلابد أن نفحص توزيع الصخور في مختلف العصور الجيولوجية، ناهيك عن دراسة توزيع الحفريات التي تعرضت للتجوية في صخور تلك الأماكن.
يقسم الجيولوجيون الزمن الماضي إلى خمسة أزمنة كبرى غير متساوية في الأعمار. أقدم وأطول هذه الأزمنة الخمسة هو الآركي، الذي يشير الدليل الناتج عن مقدار نسب الرصاص من المعادن المشعة في هذه الصخور المتطابقة أنه انتهى منذ نحو 1100 مليون عام.
بعد الآركي، عاشت الأرض زمن البروتيزوي الذي دام لحوالي 600 مليون عام، ثم جاء الزمن الباليوزوي الذي دام لحوالي 275 مليون عام، ثم الكاينوزوي الذي دام لحوالي 50 مليون عام حتى العصر الحديث.
ثم قسم الجيولوجيون الأزمنة الثلاثة الأخيرة إلى عدد من العصور المتعاقبة؛ فقسموا الباليوزوي إلى عصور: الكامبري، الأردوفيشي، السيلوري، الديفوني، الكاربوني، البرمي. وقسموا الميزوزوي إلى عصور: الترياسي، الجوراسي، الكريتاسي (الطباشيري). وقسموا الكانيوزوي إلى عصور الإيوسين، الأوليجوسين، الميوسين، البليوسين، البلايستوسين، والحديث.
قام ترتيب تعاقب الأزمنة والعصور على ملاحظة ترتيب الصخور فوق بعضها البعض، أخذا في الاعتبار أنه عندما تعلو طبقة من الصخور طبقة أخرى، فإن الطبقة الأدنى هي التي رُسبت أولا وبالتالي ستكون أقدم الطبقتين، ومن ثم فإننا نستدل من الحفريات الموجودة في الصخور المنتمية للعصور المتعاقبة أن كل عصر لا يتميز فقط بمجموعة خاصة من أشكال الحياة، بل كلما زاد بُعد العصر في الزمن الجيولوجي كلما كانت أشكال الحياة التي استوطنت الأرض وقتها أبسط تركيباً.
على سبيل المثال، في العصر الكامبري كانت الرخويات تعيش في البحار قبل أن توجد وقتها الأسماك، ومن الواضح أنه لم تكن هناك حياة على اليابسة على الإطلاق. ثم ظهرت الأسماك في العصر السيلوري، وأعقبتها الزواحف في العصر البرمي، ثم ظهرت الطيور في العصر الجوراسي، وأعقبتها الثدييات الكبيرة في عصر الإيوسين، والمخلوقات البدائية الشبيهة بالانسان في البليوسين، وظهر الانسان نفسه في عصر البلايستوسين.
ويوضح جدول (1) ترتيب أزمنة وعصور التاريخ الجيولوجي حسب تسلسلها الزمني، في أعلى الجدول أحدث العصور وينتهي في الأسفل بأقدمها. مع ذلك، لا يجب الاعتقاد أننا سنعثر في مكان واحد من الأرض على تتابع صخري يضم كل العصور الجيولوجية المتعاقبة كسلسلة تامة وغير مقطوعة. فلم تتكون السلسلة الكاملة للعصور الجيولوجية إلا عن طريق الجهود المشتركة لعلماء الجيولوجيا بجمع المعلومات من مختلف الأماكن والبلاد.
كانت الأرض منذ بداية الزمن الجيولوجي كوكباً آخذ في البرودة بعد صهير وحمم، اضطرت قشرته الصلبة أن تكيف نفسها مع انكماش جزئها الداخلي المنصهر. وتحت الضغوط القشرية الهائلة التي سبّبها هذا الطيّ، تحولت طبقات الصخر الأفقية الأصلية مرة بعد أخرى إلى طيّات كبرى وقُطعت وشُقت، وكانت النتيجة أن المناطق التي كانت قيعانا للبحر في أحد العصور الجيولوجية كثيراً ما أصبحت جبالاً وتلالاً في عصر جيولوجي لاحق، وعندما ترتفع الصخور المترسبة على قيعان البحر لتصير أرضاً جافة؛ تتعرض للتفكك بسبب العوامل الجوية وعمليات التعرية ثم تبلى بفعل الأمطار والأنهار. ومن ثم، فإن الصخور الرسوبية المطابقة لأي عصر ستكون غير موجودة الآن، ليس فقط في الأماكن التي مثلت الأرض الجافة لذلك العصر، بل أيضاً في الأماكن الأخرى التي ترسبت فيها ثم أزيلت بالرفع والتعرية.
 لقد غيرت اليابسة والبحر الكثير من الأماكن في خلال العصور الجيولوجية لدرجة أننا لا نستطيع توقع وجود تمثيل كل العصور المتعاقبة في صخور أي منطقة معينة. وعلاوة على ذلك، حتى في الصخور التي تشكل حالياً في واقع الأمر قشرة الأرض في أي منطقة، فإن تلك الصخور المرتبطة بالعصور الأقدم ستستقر من الناحية الطبيعية مختبئة تحت الصخور المرتبطة بعصور أحدث؛ ومن ثم فإنه من الشائع فقط في المناطق الجبلية – التي دُفعت لأعلى عن طريق حركات الطيّ إرسابات التواريخ الأحدث التي غطتها ثم أزيلت إلى حد كبير بواسطة عوامل التعرية – أن نتوقع أن تكون الصخور من العصور الجيولوجية الباكرة ظاهرة ومرئية عند السطح.
جدول (1) الأزمنة العصور الجيولوجية في مصر
تشكل الرسوبيات التي يتكون منها سطح مصر الحالي طبقات ممثلة لكل الأزمنة الجيولوجية الخمسة الكبرى، على الرغم من أن كل العصور ليست ممثلة في بعض تلك الأزمنة، فلم يتم التعرف في مصر حتى الآن على رسوبيات للعصور الكامبري والأوردوفيشي والسيلوري والديفوني والبرمي والترياسي. وبناء عليه، فإن العصر الباليوزوي تمثله فقط الرسوبيات المنتمية إلى العصر الكربوني، والعصر الميزوزوي تمثله فقط رسوبيات منتمية إلى العصرين الجوراسي والكريتاسي، بينما العصر الكانيوزوي تمثله فقط رسوبيات منتمية إلى كل عصوره الستة، من الإيوسين إلى الحديث.
تبين الخريطة الجيولوجية لمصر في (شكل5) توزيع ارسابات العصور المتنوعة المكشوفة في سطح مصر. ولأننا نريد الحصول على صورة دقيقة بقدر الإمكان لجغرافية البلاد في عصور متتالية من الماضي الجيولوجي، تقابلنا مشكلة عدم الإلمام الواضح بتوزيع طبقات العصور الجيولوجية المتنوعة في سطح أرض مصر. إننا نحتاج إلى معرفة المدى السابق المحتمل لتلك الطبقات في الأزمنة التي رُسبت فيها أصلاً على قيعان البحار والأخوار والبحيرات في العصور المختلفة، وللوصول إلى ذلك، لا يجب الاكتفاء بالتوزيع المكشوف للطبقات كما هو موضح في الخريطة الجيولوجية فقط؛ بل لابد من تقدير المدى الذي تستقر عنده الطبقات الخاصة بالعصور المتنوعة تحت السطح من جهة، وتقدير المدى الذي أزيلت عنده بالتعرية في العصور التالية. وبدهي أن المسائل الضمنية لا تصل إلى حل قاطع دائماً، سيما كلما عدنا للخلف في الزمن الجيولوجي، حيث إنه كلما بعُدت الفترة الزمنية كلما كثرت احتمال قيا التعرية بإزالة إرسابات عصر ما خلال عصور تالية أو تعرضها للطمر بإرسابات أحدث عمراً.
خريطة مصر الجيولوجية
خريطة مصر الجيولوجية
ومع ذلك، لدينا عدد من الاعتبارات المفيدة في تقدير المدى السابق للطبقات في العصور المختلفة عن طريق طبيعة وتوزيع الصخور الممثلة لها والمكشوفة لنا الآن. على سبيل المثال، عندما نجد الطبقات الخاصة بفترة زمنية قديمة مكشوفة تحت تلك الطبقات الخاصة بفترة زمنية أحدث في سطوح الجروف على امتداد إحدى الهضاب، فقد نستنتج بالطبع أن الطبقات الأقدم تمتد بالتتابع عبر الهضبة بأكملها على الرغم من أنها قد لا تكون مرئية في أي مكان آخر على سطحها، أو عندما نلاحظ أن طبقات فترة زمنية ما تطمر تلك الطبقات الخاصة بفترة زمنية أقدم بشكل غير متجانس، فقد نستنتج أن الطبقات الخاصة بالفترة الأقدم  قد ارتفعت إلى أرض جافة  وتعرضت للتعرية قبل أن تعلوها تلك الطبقات من الفترة الأحدث، أو مرة أخرى حيث توجد طبقات تنتهي فجأة عند جرف بوضوح نتيجة التحات، فسنتأكد من أنها قاومت في الماضي لمسافة ما فيما وراء نطاق سطح الجرف، أو مرة أخرى عندما توجد طبقات فترة معينة قد ترقق سمكها بسرعة عندما تتعاقب في اتجاه معين ( وبالأخص لو أن الصخور قد أظهرت تغيرا تدريجياً من خصائص المياه العميقة إلى خصائص المياه الضحلة في الوقت نفسه ) فقد نستنتج أن خط الساحل لتلك الفترة الزمنية يقع عند مسافة ليست كبيرة جداً في ذلك الاتجاه.
العصر الأركي والعصر البروتوزوي
تشغل الصخور التي تكونت في العصرين الآركي والبروتوزوي ما يقرب من عُشر المساحة الحالية لسطح الأرض في مصر، فهي تدخل بشكل كبير في تركيبة الكتل الصخرية للصحراء الشرقية والجزء الجنوبي من شبه جزيرة سيناء، كما توجد أيضاً على امتداد مساحات واسعة في منطقة أسوان وفي الأجزاء الجنوبية من الصحراء الليبية، وهي تمتد بلا شك تحت الصخور الأحدث عمراً على امتداد جميع الأماكن الباقية في البلاد، وهي في الحقيقة القاعدة الذي تراكمت عليها الإرسابات في العصور التالية. تعد هذه الصخور في الأساس ذات طبيعة بلّورية، وتشكل تركيبة معقدة من الصخور البركانية والمتحولة وخالية تماما من أي حفريات يمكن التعرف عليها. وبلا شك، ربما كانت بعض الصخور المتحولة الداخلة في هذا التركيب مثل صخور النايس والشست في الاساس صخورا رسوبية ترسبت على قيعان البحار، ولكنها خضعت لدرجة هائلة من التحول بالضغط والطي الشديدين وبتداخل الصخور الذائبة –التي تعرضت لها عبر مئات الملايين من السنين التي انقضت منذ إرسابها، لدرجة فقدت معها تقريبا صفاتها الأصلية وتلاشت أية حفريات قد احتوتها هذه الصخور في أي فترة من الزمن.
على هذا النحو يصعب أن نميز  تلك الصخور التي كانت رسوبية في الأصل عن تلك الصخور ذات الأصول البركانية، والأكثر صعوبة من ذلك هو تحديد ترتيب تعاقب المكونات المتعددة لهذه التركيبة.
يعتقد دكتور هيوم([1]) – الذي كرس أبحاثا كثيرة لهذه المسألة – أن أحجار الشست غنية بمعادن المنجنيز التي تعج بها الصحراء الشرقية في منطقة مناجم الزمرد القديمة في سيكيت وفي منطقة التنقيب عن الذهب في البرَّامية وأيضا أحجار الشست الإيبودوتية والكلسية التي توجد حول جبل حيمور تعد من الصخور التي كانت مترسبة أساساً من العصر الأركيوزي، كما يعتقد أن أحجار الشست الأرجوانية التي توجد حول بير الشاذلي، وأحجار الشست المجمعة والسليكاتية في منطقة وادي الحمامات تمثل رواسب مستبدلة من العصر البروتيروزوي. لكن هذه الصخور مختلطة بشكل شديد التعقيد مع الصخور الأخرى ذات الأصل البركاني التي اندست فيها في فترات متنوعة وتعرضت لقدر هائل من التعرية عبر العصور لدرجة أنه من العسير علينا أن نحصل حتى من توزيعها الحالي على فكرة تقريبية عن حدود اليابسة والماء خلال أية فترة من فترات ترسُّبها.
العصور: الكامبري والأردوفيشي والسيلوري والديفوني
لم يتم تحديد طبقات للعصور الكامبري أو الأوردوفيشي أو السيلوري أو الديفوني في مصر، وقد نوّهنا عن ذلك بالفعل. هناك العديد من المواقع في الصحراء الشرقية والغربية وفي سيناء يمكن فيها رؤية التركيبات البلّورية للعصرين الأركي والبروتيزوي تغطيها مباشرةً الصخور الطبقية. لكن في كل هذه المواقع تبدو الصخور الطبقية منتمية للعصر الكربوني أو من عصر أحدث. وبالطبع، من الممكن أن تكون هذه الإرسابات قد تراكمت خلال عصر أو عصرين من العصور الأقدم وأزالتها التعرية تماماً قبل مجيء العصر الكربوني، أو حتى أن هذه الإرسابات لا تزال موجودة في بعض أنحاء البلاد ومطمورة تحت الصخور التابعة لعصور أحدث. لكن نتيجة لكل الأدلة المتاحة لنا حالياً، من المحتمل أنه على امتداد العصور الكامبري والأردوفيشي والسيلوري والديفوني أن المنطقة التي تشغلها مصر بأكملها كانت أرضًا جافة.

العصر الكربوني
تظهر الطبقات المعروف أنها من العصر الكربوني في ثلاثة أماكن في مصر وهي: الجزء الغربي من شبه جزيرة سيناء، وفي منطقة وادي عربة في الصحراء الشرقية، وفي جبل العوينات في أقصى الركن الجنوبي الغربي للبلاد. يبلغ السمك الإجمالي لطبقات العصر الكربوني حوالي 320 متراً خاصة في غرب سيناء (حيث ذروة تكونها). وهي تتألف من:
 1 – سلسلة دنيا من الحجر الرملي يبلغ سمكها حوالي 130 مترا، تقع مباشرة على الصخور البلّورية للعصر البروتيزوي، وتتخذ شكل مسارات متعرجة وعلامات أخرى، وإن كانت خالية من وجود حفريات.
 2 – سلسلة وسطى من الحجر الجيري يبلغ سمكها 40 متراً، تحتوي على أنواع مميزة من حفريات من نوع  OrthisProductusSpirifer   وأنواع أخرى من ذراعيات الأرجل Brachipodo .
 3 – سلسلة عليا من الأحجار الرملية يبلغ سمكها حوالي 150 متراً وتتكون من بقايا مفككة عارضة من نباتات شبيهة بالأشجار Lepidodendron  .
وفي الشمال يمكن رؤية الطبقات الكربونية بسيناء أسفل الصخور الكريتاسية التي تشكل هضبة التيه، وهي بلا ريب تمتد مطمورة تحت الصخور الأحدث عمراً. وفي الجنوب، تقطعها التعرية بشكل كبير، مخلفة تلالاً انعزالية يصل ارتفاعها لأكثر من ألف قدم فوق سطح البحر.
وفي الشرق يقل سمكها تدريجيا ولا تترك آثارا يمكن تتبعها فيما وراء نطاق وسط شبه جزيرة سيناء. بينما تقطعها في الغرب صدوع تتدلى منها صخور أصغر عمراً قرب ساحل خليج السويس، وتسببت هذه الصدوع في أن فصلتها عن تلك الصخور المقاربة لها في العمر في وادي عربة على الساحل الغربي لخليج السويس والتي كانت بلا شك متصلة بها في وقتٍ ما.
في وادي عربة، تبدو الطبقات الكربونية في أرضية وادٍ عريض تعرَّض للنحت على طول محور ثنية محدبة. تُظهر هذه الطبقات نفس التتابع بمثل ما تظهره تلك الطبقات في سيناء، أي سلسلة علوية وسفلية من الحجر الرملي، تحتويان بينهما على سلسلة من الحجر الجيري، وتحتوي الأحجار الجيرية على مجموعة مشابهة من الأصداف الحفرية. يعد سمك الطبقات الكربونية في وادي عربة غير معروف، وذلك لأن أساس الأحجار الرملية الدنيا غير مرئي من جهة، ولأن الأحجار الرملية العليا خالية بشكل واضح من الحفريات من جهة أخرى، ومن ثم فهي ليست قابلة للتمييز عن الأحجار الرملية للعصور الأحدث عمراً التي تتراص فوقها، لكن لا يبدو سمك الأحجار الجيرية في وادي عربة بمثل السمك الهائل لها في سيناء.
في جبل العوينات، هناك سلسلة عظيمة من الأحجار الرملية، تتراص أدنى طبقاتها مباشرة فوق صخور بلّورية، وقد وُجد أنها تحتوي على بقايا نباتات من العصر الكربوني الأدنى. لكن غير معروف حتى الآن مقدار سمك الطبقات الكربونية في جنوب صحراء مصر الغربية ولا امتدادها. من المحتمل أنها تمتد لمدىً أبعد حتى شمال جبل العوينات وتشغل الطبقات السفلى لسلسلة كبرى من الأحجار الرملية غير الأحفورية، والتي يبلغ سمكها مئات الأمتار، وتشكل هضبة تسمى الجلف الكبير.
فيما يتعلق بامتداد المناطق التي أزالت التعرية الطبقات الكربونية منها؛ فمن المستحيل أن نصل إلى استنتاج قطعي بخصوصها. لكن هناك عدداً من الاعتبارات تجعلنا مستيقنين أن البحار في العصر الكربوني قد انتشرت في مصر عبر مساحات أكبر من تلك المساحات التي غطتها صخور ذلك العصر، والتي لا تزال باقية.
ولعل التشابه القريب بين الحفريات البحرية التي تم العثور عليها في الأحجار الجيرية للعصر الكربوني في سيناء ووادي عربة وبين تلك الحفريات الموجودة في الأحجار الجيرية من العصر الكربوني في غرب الصحراء الكبرى والبلاد الأخرى يقدم دليلا حاسماً على أن حدوث اتصال مفتوح مع المحيط الذي كان موجودا في ذلك العصر.
وعلاوة على ذلك، فإن اكتشاف نباتات من العصر الكربوني الأدنى في الأحجار الرملية لجبل العوينات تدل على أنه كان هناك وادي نهري في المنطقة وربما كان يصب مياهه في نفس البحر الضحل المشابه لذلك البحر الذي كانت تترسب فيه الصخور الرملية من العصر الكربوني الأدنى في سيناء.
في الحقيقة، لا تبدو استحالة تصور أن بحار العصر الكربوني غمرت جزءا كبيراً من شمال إفريقيا، وأنها لم تغمر مصر بأكملها فحسب، بل وغمرت قطاعات شاسعة غربها أيضا، حيث أن الأحجار الجيرية الكربونية تغطي مساحات واسعة غرب الصحراء الكبرى. وعلى الرغم من أن تلك المساحات تشغل أكثر من 1500 كم غرب تلك المناطق التي توجد بها الأحجار الجيرية الكربونية في مصر، فإن الحجر الرملي النوبي يشغل جزء كبيراً من الصحراء التي تتخللها، وهناك احتمالية شديدة أن الطبقات الدنيا لذلك الحجر قد تكونت جزئيا في العصر الكربوني على الأقل.
العصران البرمي والترياسي
من المؤكد أنه لم يتم التعرف حتى الآن على أية صخور من العصرين البرمي أو الترياسي في مصر، على الرغم من الاعتقاد أن بعض الأجزاء من السلسلة السميكة من الأحجار الرملية غير الحفرية المعروفة بإسم ” الحجر الرملي النوبي” مثلت إرسابات هذين العصرين في بعض المناطق. ويبدو على الأرجح أن الارتفاع التدريجي للأرض الذي بدأ قبيل نهاية العصر الكربوني (حسبما دلت عليه وجود قطع من الأشجار الحفرية في الأحجار الرملية للعصر الكربوني الأعلى) قد استمر في العصر البرمي، وأن مصر ظلت بأكملها أرضاً جافة خلال ذلك العصر والعصر الترياسي الذي تلاه، ربما باستثناء قليل من الأراضي التي غمرتها أودية نهرية أو بحار أرضية ضحلة تراكمت بها بعض الرمال الناتجة عن تعرية صخور العصر الكربوني.
العصر الجوراسي
إن المكان الوحيد المعروف بوجود طبقات العصر الجوراسي في مصر هو حول جبل المغارة بشمال سيناء، وفي الركن الشمالي الشرقي الأقصى لهضبة الجلالة البحرية في الصحراء الشرقية. تتكون الصخور من سلسلة من الأحجار الرملية والمارل والأحجار الجيرية والطفل، ويصل سمكها إلى 500 متر أو أكثر، وهي فقيرة المحتوى بشكل عام من الحفريات لكن بها بعض قطاعات حفرية تحتوي على الأصداف الأمونية، الفولادوميا، الرينشونيلا، الترايجونيا، وبعض الأصداف البحرية الأخرى.
تقدر المساحة الكلية التي تنتشر عليها الصخور الجوراسية الآن في سطح الموقعين المذكورين سابقا بحوالي 400 كم فقط، لكن هناك احتمالية أن هذه الصخور تمتد مطمورة تحت الصخور الأحدث عمراً على امتداد مساحة أكبر من ذلك، حيث يمكن رؤيتها أسفل صخور من العصر الكريتاسي حول جبل المغارة وفي سفح هضبة الجلالة البحرية.
تعد صفات الحفريات الموجودة في الأحجار الرملية الجوراسية بمصر شديدة الشبه مع تلك الحفريات الموجودة في الأحجار الجيرية لنفس العصر في أماكن أخرى من العالم لدرجة أنه من المؤكد أن البحر الذي كانت مترسبة فيه كان متصلا بالمحيط في ذلك العصر، وأنه قد طغى على اليابسة من الشمال متجهاً جنوباً حتى هضبة الجلالة البحرية، لكن عدم إجراء المزيد من الكشوف في اتجاه الجنوب يجعل من المستحيل تكوين أي استنتاج حاسم بخصوص الحد الذي امتد عنده طغيان هذا البحر.
العصر الكريتاسي
تشغل طبقات العصر الكريتاسي حوالي خُمس مساحة مصر، لكونها تنتشر على امتداد النصف الجنوبي من البلاد وكذلك تغطي مساحات كبيرة من الأرض في الشمال الشرقي. تمثل الطبقات سلسلة دنيا من الأحجار الرملية غير الحفرية ويبلغ أقصى سمك لها حوالي 500 متر (الحجر النوبي الرملي)، ويبلغ سمك السلسلة العليا حوالي نفس المقدار وتتكون من أحجار رملية وصلصال محتوية على حفريات بحرية مميزة مثل الأكسوجيرا و الأنانكيت.
يمتد نطاق الحجر الرملي النوبي إلى ما وراء نطاق حدود مصر حيث من السهل تتبع مساره لأكثر من ألف ميل غرباً عبر ليبيا، وجنوباً لنفس المسافة عبر السودان المصري الإنجليزي. تُظهر الأحجار الرملية والصلصال التي تشكل القسم العلوي من الصخور الكريتاسية توزيعاً مماثلاً ناحية الشرق والغرب ممتدا مع القليل من الفجوات من المحيط الأطلنطي عبر شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية حتى الخليج الفارسي، لكن بامتدادات أقصر نحو الجنوب، ولا توجد في مصر جنوب خط عرض20′ 23° ولا في أي مكان في السودان المصري الإنجليزي.
ونظراً لأن الحد الذي توجد عنده الطبقات الكريتاسية مطمور تحت تلك الطبقات التابعة للعصور التالية له بمصر، فلا يبدو ثمة سبب للشك أنها تقع تحت صخور عصر أحدث (من الإيوسين إلى الحديث) في كل المواقع التي يتألف فيها السطح من هذه الطبقات، أي أنه بالإضافة إلى أنها تغطي حوالي أربعة أعشار السطح الفعلي لمصر، فإنها تمتد مطمورة تحت الطبقات الأحدث عمرا فوق طبقات أخرى على امتداد الخمسة أعشار الأخرى من المساحة الكلية للبلاد.
في الحقيقة، يعتقد أن الطبقات الكريتاسية حاضرة دوما إلا في تلك المناطق المؤلفة من الصخور البلورية وتصل في مجملها لحوالي عُشر المساحة الكلية للبلاد. ونظراً لأن هناك دليلاً واضحاً أن قدراً كبيراً من التعرية قد حدث في كل تلك المساحات منذ العصر الكريتاسي؛ فمن المؤكد – من الناحية العملية – أنها كانت مغطاة ذات مرة بالرواسب الكريتاسية.
ومن ثم فإننا نستنتج أنه في العصر الكريتاسي كان البحر يغمر ما نعتبره الآن مصر بأكملها بالإضافة إلى جزء كبير من شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية. وتشير الرواسب الكريتاسية الدنيا في مصر والبلاد المجاورة –رغم امتدادها الواسع المؤلف في كل مكان من أحجار رملية ترسبت في المياه الضحلة –إلى أن الترسب كان شديد التدريج واستغرق حوالي بضعة ملايين من السنين، كما يلاحظ أن الترسبات المائية الأعمق (من الأحجار الجيرية والصلصال التي تشكل القسم العلوي من الطبقات الكريتاسية) لا تمتد بعيداً إلى الجنوب حسبما تشير الأحجار الرملية للقسم الأدنى من الطبقات، وهو ما يدلنا إلى أن غمر البحر قد حدث من الشمال في اتجاه الجنوب.
يمكننا تصوير مصر في بداية العصر الكريتاسي كجزء متشكل عن المساحة السطحية لكتلة أرضية قارية أفريقية، لها سطح متآكل ينحدر بميل خفيف تجاه الشمال، ومُغطىً إلى حد بعيد بفتات من التعرية من عصور سابقة، وتنغمر تدريجيا تحت البحر الكريتاسي الذي كانت تلقي الأنهار فيه باستمرار الرواسبَ الأرضية الناتجة عن التحات.
وبحلول منتصف العصر الكريتاسي حدث إغراق لليابسة إلى الحد الذي غُمرت فيه الأجزاء الشمالية من القارة الإفريقية إلى أعماق هائلة، لدرجة أن الأحجار الجيرية والصلصال كانت تترسب هناك في الوقت نفسه الذي كانت الأحجار الرملية لا تزال مستقرة في الأعماق الضحلة في الجنوب. وبحلول نهاية الكريتاسي بدأت حركة ارتفاع مسببةً تقهقر البحر في اتجاه الشمال.
ثم ارتفعت الرواسب التي استقرت على قاع البحر الكريتاسي لتشكل أرضاً جافة، وبذلك خضعت الأرض للتعرية بفعل الأمطار والأنهار. ومع حدوث ارتفاع عام لليابسة فستكون الرواسب الجنوبية بالطبع هي أول ما يبزغ من البحر، وبالتالي ستكون هي أول الرسوبيات خضوعا للتعرية. وبذلك، فإن لدينا تفسيراً ثنائياً بخصوص السبب في أن طبقات الحجر الجيري للقسم الأعلى من العصر الكريتاسي تميل للرقة وتختفي بتتبع آثارها في جنوب مصر؛ فإن الأحجار الجيرية لم تكن أقل سُمكا بسبب الغمر الذي حدث فيما بعد للمناطق الجنوبية مقارنةً بتلك المناطق في الشمال فقط بل كانت أيضا معرضة للتعرية لاحقاً على امتداد فترة زمنية أكبر نتيجة لظهور اليابس مبكرا.
لا يمكن التأكد بكامل اليقين من الحد الذي تراجع عنده البحر عند نهاية العصر الكريتاسي، لكن تراجع البحر في اتجاه الشمال عند خط العرض المار بمدينة القاهرة يبدو جلياً في عدم توافق الطبقات الكريتاسية وبين الرسوبيات الممتدة من عصر الإيوسين عند أبو رواش قرب أهرامات الجيزة.
عصر الإيوسين
تغطي طبقات الإيوسين حوالي خُمس سطح مصر الحالي، مكونة قسما كبيرا من هضاب الصحراء العلوية التي ترتفع لمئات الأمتار فوق سطح البحر على كلا جانبي النيل إلى ما بعد قنا جنوباً، وكذلك تشغل أراضٍ مرتفعة على نطاق كبير في سيناء.
تتكون هذه الطبقات من سلسلة كبرى يبلغ سمكها الكلي 700 متر من الأحجار الجيرية والمارل والصلصال. ويضم كثير منها حفريات بحرية، وأكثرها تميزا هي الأنواع العديدة من النيموليت، وتتكون بعض الأحجار الجيرية منها بشكل شبه كلي من المنخربات foraminifera.
يمكن رؤية طبقات عصر الإيوسين في الأجزاء الشمالية من الصحراء الليبية تحت طبقات العصور الجيولوجية التالية، مع ميل خفيف نحو الشمال، وتستمر في الوجود تحتها حتى تصل إلى حوض البحر المتوسط. وفيما بين القاهرة والسويس يميز انتهاء حدها باتجاه الشمال عند السطح إلى حد كبير بالصدوع التي جعلت الصخور الأصغر عمرا تتدلى قبالتها، بينما في الأجزاء الشمالية من سيناء قطعت هذه الطبقات إلى عدد من الكتل المنفصلة بواسطة التحات، لكن لا يبدو هناك سبب للشك أنه في تلك المناطق أيضا تمتد الطبقات في الأساس في اتجاه الشمال فيما وراء النطاق الحالي للبحر المتوسط.
وعادة ما تنتهي طبقات عصر الإيوسين إلى الغرب والجنوب والشرق بجروف نتيجة للتحات، بحيث أنه من المؤكد أن خط الساحل في الإيوسين كان يقع على مسافة فيما وراء نطاق الحد الحالي لطبقات الإيوسين في تلك الاتجاهات، بينما وجود السُمك الكبير لرواسب الإيوسين في مناطق الطيات لجبل العش وجبل ضوي قرب ساحل البحر الأحمر يجعل من المرجح أن بحر الإيوسين كان طاغيا على البقعة التي تشغلها الآن سلاسل جبال الصحراء الشرقية حتى جنوب القصير على أقل تقدير.
ومن ثم، فقد قادنا ذلك إلى الاستنتاج أنه عند بداية عصر الإيوسين بدأ ترسب كبير للأرض، مسببا تقدم البحر جنوبا وغمر جزء كبير من مصر إلى أعماق هائلة، وأن هذا الغمر الذي دام لملايين السنين ويشهد عليه السمك الهائل للأحجار الجيرية والصلصال من عصر الإيوسين المكشوف لنا الآن في هضاب الصحراء العالية.
ومع ذلك، كان هناك قدر كبير من التعرية لهذه الطبقات في عصور لاحقة لدرجة أنه من الصعب أن نكوِّن فكرة دقيقة عن المدى الكامل الذي اكتسح فيه بحر الإيوسين أرض مصر بأكملها، سيما في المنطقة المجاورة للبحر الأحمر حالياً، حيث كانت هناك كمية هائلة من الطيات والصدوع وبالتالي المزيد من التعرية الشديدة مقارنة بالتعرية في أماكن أخرى. هناك دليل من الصخور أن أقصى غمر من بحر الإيوسين في اتجاه الجنوب قد حدث في الفترة الأولى من عصر الإيوسين، لأن أعلى مستوى لطبقات الإيوسين لم يتعد حتى الآن الجنوب مثل الطبقات السفلى، ومن ثم فمن المحتمل أنه بتقدم عصر الإيوسين توقف ترسب اليابسة وأفسح مجالا لارتفاع تدريجي.
يتضح من الخريطة في شكل(6) التوزيع التقريبي لليابس والماء عند أقصى غمر للبحر في عصر الإيوسين، بقدر ما استطعنا جمعه من الأدلة الجيولوجية المتاحة لنا. ومع ذلك، ربما غمر البحر جزءا أكبر مقارنة بالجزء الموضح في الخريطة.
عصر الأوليجوسين
تشغل الإرسابات التي يعتقد أنها من عصر الأوليجوسين حوالي 1.5 % من مساحة مصر. وهي تغطي مساحات كبيرة في الصحراء ما بين القاهرة والسويس وتشكل نطاقا عريضا يمتد من القاهرة إلى الاتجاه الجنوب الغربي لأكثر من 200 كم. وهي تعلو، بشكل غير منتظم، الأحجار الجيرية لعصر الإيوسين. تتألف صخور الأوليجوسين من حصى ورمال وأحجار رملية، وهي عادة خالية من الحفريات لكنها تحتوي في أماكن عديدة على أشجار متحجرة، وفي موقع واحد عثر عليه في الجزء الشمالي من منخفض الفيوم اكتشفت بقايا العديد من حيوانات برية، تتضمن أسلاف الفيل والحيوان المنقرض المميز المعروف باسم أرسينويثيريوم. من الواضح أن تلك الإرسابات نهرية أو إرسابات أودية قديمة، وتمثل الحفريات الموجودة فيها بقايا الأشجار والحيوانات التي ازدهرت على اليابسة وجرفتها الأنهار في اتجاه الشمال ثم طمرت في إرسابات أودية قديمة ودلتا تشكلت حيث وصلت الأنهار للبحر.
من الصعب أن نكون أي استنتاج فيما يختص بالمدى الذي توجد عنده هذه الإرسابات من عصر الأوليجوسين أسفل إرسابات العصور اللاحقة في اتجاه الشمال، لكن يمكن رؤيتها تحت طبقات عصر الإيوسين الممتدة في أجزاء عديدة من المساحة ذات الصدوع بين القاهرة والسويس، ومن المرجح أنه في هذه الأماكن قد تستمر لمسافات كبيرة نحو البحر المتوسط. فيما يتعلق بمدى رواسب الأوليجوسين الذي أزالته التعرية في العصور اللاحقة، فمن الراجح أن الإزالة قد حدثت على امتداد مناطق شاسعة، حيث أن حصى الأوليجوسين في وادي النيل وحوله يتكون بشكل كامل تقريبا من حصى حجر الصوان الذي يعد في حد ذاته  شديد المقاومة لتأثيرات التجوية، ولكن لكونها في الأساس متراصة بشكل سائب كان من السهل إعادة انتشارها عن طريق تيارات المياه والأنهار في الفترات التالية، ويمكن أن يفسر ذلك السبب في احتواء الحصى على قطع من الأشجار المتحجرة – غير قابل للتمييز بينه وبين الإرسابات المشابهة التي رُسبت بلا شك في عصر الأوليجوسين – ومنتشرة في نطاق عريض على سطح الأرض المنتمي لعصر الميوسين وعلى إرسابات أخرى في الجنوب الشرقي من منخفض القطارة.
قد نستنتج من توزيع إرسابات عصر الأوليجوسين ومواصفاتها أن القسم الأكبر من مصر تألف في عصر الأوليجوسين من أرض جافة، وكان خط الساحل الشمالي يمر على مقربة من شمال الفيوم وإلى الجنوب قليلا من القاهرة. لذلك، لا بد أنه قد حدث ارتفاع كبير لليابسة فيما بين عصري الإيوسين والأوليجوسين، ويبدو من المحتمل أنه بينما في القسم الأكبر من مساحة مصر جاء الارتفاع نتيجة حركة صاعدة بسيطة، فقد كان هناك طي هائل في المنطقة الشرقية، وبذلك بدأ تكوين منخفض البحر الأحمر وتكوين سلاسل الجبال على كلا جانبيه.
أما بخصوص الأنهار التي حتماً وُجدت في عصر الأوليجوسين، فيصعب تعقب مساراتها بأي درجة من الدقة، لكننا نعلم أن نهراً كبيراً قد تدفق تقريباً في اتجاه الشمال ليدخل الى البحر مباشرة في شمال ما يسمى الآن بالفيوم، بينما تدفقت أنهار أخرى بلا ريب في منخفض البحر الأحمر، وقد احتلت الأجزاء السفلى منها في ذلك الوقت على الأرجح بحيرة أرضية كبيرة، ومن المرجح أن نهراً قد تدفق جنوباً على امتداد خط خليج السويس الحالي، بينما سارت أنهار جديدة أخرى في مسار مجاري الأودية الرئيسية للصرف في اتجاه الشرق الموجودة في عصرنا الحالي. ويعرض شكل (8) محاولة إعادة بناء المظهر العام لمصر كما كانت عليه في عصر الأوليجوسين. وسيلاحظ من الشكل أن وادي النيل كما نعرفه حاليا لم يكن موجودا وقتها، ويدل على ذلك عدم وجود أي رواسب بحرية تعود إلى عصر الميوسين اللاحق.
عصر الميوسين
تشغل طبقات عصر الميوسين حوالي ثُمن المساحة الكلية من سطح مصر. تستقر الطبقات بشكل غير متجانس على السطح المتآكل للصخور الأقدم عمراً، وتمتد من غرب القاهرة في شريط يتسع بسرعة مباشرة عبر الجزء الشمالي من الصحراء الليبية ويستمر حتى برقة، مكونة هضبة ترتفع تدريجيا إلى الغرب وتصل لارتفاعات تزيد عن 200 متر. تظهر الطبقات أيضاً في التلال شرق القاهرة، وكذلك في الجزء الجنوبي من خليج السويس وعلى أماكن متفرقة على امتداد جانبيّ خليج السويس وقرب ساحل البحر الأحمر. وفي منطقة البحر المتوسط تتكون طبقات عصر الميوسين من الأحجار الرملية والجيرية والصلصال يبلغ سمكها الكلي حوالي 40 متراً وتحتوي على مجموعة من أصداف حفرية مميزة والتي تبدو في الأساس أنها من أصل بحري بالرغم من أنه في موقع واحد في الصحراء الغربية (في المغرة) توجد بالقيعان السفلى من السلسلة بقايا من فيل المستودون وحيوانات أرضية أخرى منقرضة.
في منطقة خليج السويس وساحل البحر الأحمر تكتسب طبقات الميوسين سمكاً أكبر بكثير، وأظهرت الفتحات الموجودة على سواحل خليج السويس أنها تحتوي هناك على طبقات سميكة من الجبس والملح الصخري من الواضح أنها قد ترسبت تحت ظروف بحيرات ساحلية ضحلة. في منطقة وادي غويبة – على الجانب الغربي من خليج السويس التي لا تبعد عن رأس الخليج – تحتوي أعلى طبقات الميوسين على أصداف من الأنواع التابعة للمياه العذبة.
ويلاحظ أن الأراضي التي يرجح أن طبقات الميوسين فيها مطمورة تحت إرسابات من عصر أحدث تقع في المقام الأول على امتداد سواحل البحر المتوسط والبحر الأحمر.  ومن الممكن أن تمتد طبقات الميوسين عبر دلتا النيل أيضا على عمق هائل تحت طمي النيل، لكن لم يثبت هذا الرأي بعد، ولم تصل بعد المثاقب العميقة التي حفرت في الدلتا إلى نهاية إرسابات الطمي التي أرسبت لاحقا.
أما الرقعة التي امتدت فيها طبقات الميوسين -لكن أزالتها التعرية فيما بعد- فنجدها محصورة في مناطق شرق القاهرة وعلى امتداد حدود خليج السويس والبحر الأحمر، حيث قطعت ثنيات وفوالق حادة لاحقاً استمرارية الطبقات الأصلية في أماكن عديدة، بالإضافة إلى عوامل التحات.
ويبدو من توزيع صخور الميوسين أنه حدث بداية إغراق عام لليابسة مسببا تقدم البحر جنوباً على امتداد الجزء الشمالي من البلاد حتى ما وراء نطاق واحة سيوة، كما اكتسح خليج السويس حتى منخفض البحر الأحمر، وقد ملأ بذلك منخفض البحر الأحمر وحوَّل بحيرة الأوليجوسين إلى لسان غير ظاهر للبحر المتوسط.
ويتضح من شكل (9) الحدود المحتملة لليابس والماء في مصر في منتصف عصر الميوسين تقريباً. وفي الفترة اللاحقة من عصر الميوسين يبدو أن الإغراق العام لليابسة قد انقضى وتلته حركة رفع لليابسة مثل تلك الحركة التي حدثت سابقاً في عصر الأوليجوسين، وصحبها قدر كبير من الالتواءات والتصدعات في الأجزاء الشرقية من البلاد. ثم ظهر النيل بشكله الحالي إلى الوجود، وبارتفاع اليابسة تقهقر البحر، وشق النهر بالتدريج واديه العظيم في صخور العصور السابقة إلى عمق عظيم –غير محدد بدقة – التي يعلوها طمي النيل الحالي، بينما روافده النهرية (التي انضمت إليه آتية من سلاسل جبال البحر الأحمر) قد عملت على تآكل القنوات العميقة التي تشكل الآن الأودية الرئيسية للصحراء الشرقية.
وتعرضت جبال البحر الأحمر في وقت واحد لارتفاع قشرة الأرض بسبب الالتواءات، وربما صار برزخ السويس جافا مرة أخرى، وأصبح خليج السويس من جديد قناة نهر تصله تيارات روافد من الجبال الواقعة على كلا جانبيه ويصرّف مياهه جنوبا في البحر الأحمر، ولأن البحر الأحمر نفسه كان آنئذٍ منغلقاً تماما وغير منفتح من ناحية البحر المتوسط، فقد صار منعزلا تماماً عن المحيط.
حتى خلال الفترة الباكرة من عصر الميوسين، عندما شكـّل البحر الأحمر ذراعا للبحر المتوسط، كان تدفق المياه عبر برزخ السويس يجري بالكامل في اتجاه واحد ناحية الجنوب بلا شك، نتيجة لزيادة سرعة التبخر من هذا الذراع الذي يمثله البحر الأحمر مقارنةً بمعدله من البحر المتوسط نفسه، لدرجة لابد معها أن ملوحة مياه البحر الأحمر كانت تزداد تدريجياً. وكانت الزيادة مميزة على وجه الخصوص في أي بحيرة ساحلية. وفي الفترة الأخيرة من عصر الميوسين بعد أن انقطع الاتصال كلية بالبحر المتوسط، لابد أن زيادة الملوحة قد تواصلت نتيجة لكميات الملح التي حملتها الأنهار إلى البحر الأرضي.
ويبين شكل (10) محاولة لتصوير الحد المرجح لمصر عند نهاية عصر الميوسين المتأخر الأعلى. مع ذلك، يجب ملاحظة أن العمق إلى طبقات الصخر في الجزء السفلي من وادي النيل لم يتم سبر أغواره في أي مكان (أنزلت مثاقب إلى عمق 96 و 105 متر في الإرسابات الفيضية لوادي النيل والدلتا في القاهرة والزقازيق على الترتيب وأخفق كلاهما في الوصول للصخر الصلب)، إننا لا نعرف لأي عمق انحدر مستوى البحر النسبي كنتيجة لارتفاع اليابسة في تلك الفترة، ولذلك من غير المؤكد لأي مدى تقدم ساحل البحر المتوسط شمالا، وربما كان هذا التقدم أكبر بكثير مما هو موضح بالخريطة.
عصر البليوسين
تشغل صخور عصر البليوسين جزءاً صغيراً (أقل من 1%) من مساحة سطح مصر. وهي تظهر في وادي النطرون وحوله وفي أماكن قليلة أخرى في المناطق الشمالية من الصحراء الليبية، وفي وادي النيل وفي القطاعات المنخفضة لبعض الأودية الرئيسية بالصحراء الشرقية وفي أماكن متفرقة على طول الساحل الغربي لخليج السويس والبحر الأحمر حتى رأس بناس جنوباً.
مصر في العصور الجيولوجية القديمة
مصر في العصور الجيولوجية القديمة
في الجزء السفلي من وادي النيل (شمالا من بني سويف) وعلى امتداد سواحل خليج السويس والبحر الأحمر تبدو ارسابات البليوسين البحرية مكونة من قسمين: قسم سفلي تتكون فيه حفريات حيوانات بحرية متوسطية، وقسم علوي توجد فيه أشكال بحرية تجمع ما بين بيئة البحر المتوسط والمحيط الهندي.
في أجزاء أخرى من البلاد تعد إرسابات البليوسين غالباً من أصول نهرية أو من أصول مصبات الأنهار.  فعلى سبيل المثال، تتكون إرسابات البليوسين من الرمال والصلصال الجبسي المحتوية على بقايا أفراس النهر والأفيال والزراف والحيوانات البرية الأخرى بالإضافة إلى التماسيح والأسماك، وهي بذلك تبين أن مجرىً مائياً مهماً كان موجوداً في غرب النيل الحالي في الماضي، وفي القسم العلوي من وادي النيل (جنوباً من بني سويف) تتكون الإرسابات من تجمعات مختلطة مختلفة وحصى ورمال، من الواضح أنها حُملت إلى الوادي عن طريق مجاري مائية متأخرة متدفقة للداخل، بينما في الصحراء الليبية جنوبي واحة سيوة تتكون الإرسابات من الأحجار الجيرية للمياه العذبة. ومن غير المعروف مستوى العمق الذي تمتد إليه إرسابات البليوسين في وادي النيل تحت قاع البحر الحالي، لكن وُجد أن قمم الإرسابات تصل إلى ارتفاعات متجانسة تبلغ نحو 180 مترا فوق سطح البحر أينما قاومت التعرية على امتداد جانبي الوادي.
تشكل المناطق الرئيسية التي تكمن على امتدادها طبقات البليوسين (أسفل طبقات عصر البلايستوسين اللاحق) أرضية وادي النيل من إسنا حتى القاهرة ومعظم مناطق الدلتا. ويعتقد أيضاً أنها توجد تحت إرسابات البلايستوسين على امتداد مناطق واسعة على امتداد سواحل خليج السويس والبحر الأحمر. من توزيع ومواصفات صخور البليوسين بوسعنا استنتاج أنه في الفترة الباكرة من عصر البليوسين بدأ غمر بحري واسع لليابسة، مسبباً ارتفاعا تدريجيا للمستوى النسبي لسطح البحر، ووصل مدى الارتفاع حتى عصر البليوسين الوسيط لحوالي 180 مترا فوق المستوى الحالي لسطح البحر المتوسط، وكانت نتيجته أن تقهقر خط الساحل الشمالي جنوبا حتى القاهرة ووادي النطرون، واكتسحت مياه المتوسط وادي النيل، وحولت الشريط الضيق الطويل لهذا الوادي إلى خليج بحري. ولم يتصل البحر الأحمر مرة أخرى بالمتوسط بغمره لبرزخ السويس فقط، بل أصبح متصلاً للمرة الأولى بالمحيط الهندي عبر مضيق باب المندب، وأتاح بذلك للحياة الحيوانية في البحر المتوسط والمحيط الهندي بالاختلاط في مياهه.
يبين شكل(9) الحدود المحتملة لليابس والماء على امتداد مصر في نهاية هذا الإرساب البليوسيني.  في الفترة الأخيرة من عصر البليوسين انتهى إرساب اليابسة وتلته حركة رفع هائلة، رافقتها في الأجزاء الشرقية من البلاد التواءات وتصدعات شديدة. ومع ذلك، قبل حدوث حركة الارتفاع تلك، امتلأ الخليج النيلي تقريبا بالحصى والرمال اللتين جلبتهما إليه التدفقات المائية الأخيرة ومن تعرية جوانبه، وبارتفاع اليابسة تقهقر البحر بشكل سريع عن الخليج وبدأ النيل في نحت مجراه النهائي في الإرسابات المتراكمة، وقد تميزت مراحل متعاقبة في تحاتها النازل لأسفل المجرى بسلسلة من مصاطب الحصى تكونت في مستويات منخفضة متوالية. وكنتيجة للالتواءات والتصدعات الشديدة التي كانت تحدث في تلك الفترة في الأجزاء الشرقية من البلاد، كانت السلاسل الجبلية في الصحراء الشرقية وسيناء تندفع لأعلى إلى ارتفاعات أكبر من أي ارتفاع بلغته مسبقاً، بينما خضعت أراض شاسعة في منطقة خليج السويس والبحر الأحمر للإرساب عن طريق التصدعات. وبالتزامن مع هذا الرفع الإضافي لسلاسل الجبال حدثت هناك كمية كبرى من التعرية بفعل الأمطار والأنهار. وقد نلاحظ هنا أنه بدخول الحصى في عصر البليوسين المبكر ليملأ وادي النيل، وجد أنه يحتوي أيضا على حصباء من حجر الصوان مشتقة من الطبقات الرسوبية لعصري الإيوسين والكريتاسي، مع قليل من مزيج من حصى الصخور البركانية مثل تلك التي تتألف منها سلاسل جبال البحر الأحمر، ومن المؤكد أن النويات البركانية لسلاسل جبال البحر الأحمر لم تصبح جرداء إلا في الفترة الأخيرة من عصر البليوسين.
عصر البلايستوسين والعصر الحديث
مع انتهاء عصر البليوسين بدأ عصر البلايستوسين الذي واكب العصر الجليدى الكبير في أوربا وأمريكا الشمالية (إلا أنه لم يكن مميزا في مصر بالظروف الجليدية)، واستمر لحوالي نصف مليون عام. ويمتد العصر الحديث عبر 20 ألف سنة منذ نهاية عصر البلايستوسين.
تتألف آثار الإنسان البدائى في مصر أساسا من أدوات صخرية، يُعتقد أن أقدمها يعود للحضارة التشيلية Chellean وهي من أدوات خام تعود إلى حوالي منتصف عصر البلايستوسين، بينما تلك البقايا المصنعة الأكثر إتقاناً امتدت من العصور التالية للبلايستوسين وصولاً إلى الفترات التاريخية.
وبناءً على العصور المتتالية للنشاط الحضاري الإنساني في مصر – حسبما قام على الأنواع المختلفة من الأدوات التي وجدت حتى الآن في وادى النيل وحوله، وعلى الصلات الجيولوجية للطبقات التي ترتبط بها هذه الأدوات؛ يمكننا تقسيم العصرين البلايستوسين والحديث بدرجة مناسبة الى المراحل التي يعرضها جدول (2) ([2]):
هذا وتغطي الإرسابات التي استقرت في العصرين الجيولوجيين ” البلايستوسين والهولوسين” حوالي سدس المساحة الكلية لسطح مصر. وهى تتكون أساسا من السواحل المرتفعة والشعاب المرجانية على امتداد حدود البحر الاحمر وخليج السويس، والحجر الجيري الأوليتي (الحُبيبي) (كوّنها اندماج الكثبان الرملية الجيرية )على امتداد ساحل البحر المتوسط غرب الاسكندرية، والرواسب الفيضية(الحصى والرمال وطمى النيل) في وادى النيل والدلتا، والارسابات البحيْرية وطمي النيل في منخفض الفيوم، والحصى الفيضي والرمال في قنوات الصرف والمنخفضات في الصحراء وعلى السهول الساحلية، والطوفا الجيرية في واحات الخارجة وكُركُر، والكثبان والتراكمات الأخرى من الرمال الناتجة عن الرياح في الصحراء الليبية، وفي القسم الغربى من شبه جزيرة سيناء.
الشواطئ المرتفعة والشعاب المرجانية بالبحر الاحمر وخليج السويس
كثيرًا ما يلاحَظ وجود بقايا شواطئ بحرية قديمة وشعاب مرجانية في أماكن عديدة على امتداد حدود البحر الأحمر وخليج السويس، على ارتفاعات كبيرة فوق المستوى الحالي لسطح البحر. سُجلت على سبيل المثال شواطئ وشعاب مرجانية على امتداد ساحل البحر بين سفاجا والقصير، على ارتفاعات مختلفة قدرت بحوالي 24، 72، 90، 114، 156، 168، 238 متر فوق سطح البحر، سُجل أدناها على مقربة شديدة من البحر، وأعلاها عند ارتفاع يبعد بين 4 الى 7 كم؛ بينما عند الحد الجنوبي لشبه جزيرة سيناء توجد سلسلتان من الشعاب المرجانية، واحدة منخفضة عند ارتفاعات يبلغ 25 م، وأخرى مرتفعة عند مستويات تبلغ 200 م أو أعلى فوق مستوى سطح البحر.
مع ذلك، لا ترجع كل هذه الشواطئ المرتفعة والشعاب المرجانية لعصر البلايستوسين والعصر الحديث؛ حيث يعتقد أن أعلاها يرجع إلى الميوسين، وتلك الواقعة عند ارتفاعات متوسطة ترجع الى عصر البليوسين، بينما التي لا يتعدى مستوياتها 100 م تقريباً فترجع الى عصر البلايستوسين والعصر الحديث. تُبدي الشواطئ المرتفعة والشعاب المرجانية ذات المستوى المنخفض اتصالا واستمرارية مقارنة بالشواطئ والشعاب الأعلى، ولا تقع أبداً على مسافة قصيرة داخل اليابسة من خط الساحل الحالي.
ومن ثم، يمكن أن نستنتج أنه بين بداية عصر البلايستوسين وزمننا الحالي أن الأراضي الواقعة على حدود البحر الاحمر وخليج السويس قد خضعت لارتفاع -أو أن مستوى البحر قد انخفض -لحوالي مائة متر تقريبا. وطبقاً لذلك، فإننا يجب أن نعزو إلى هذا العصر الكشف النهائي عن برزخ السويس.
الحجر الجيري الحُبيبي على ساحل البحر المتوسط
إن أكثر الخصائص تميزاً لساحل البحر المتوسط غرب الإسكندرية هي وجود سلاسل تلال مؤلفة من حجر جيري حُبيبي ناعم -غالباً ما يصل ارتفاعها لعشرين مترا أو أكثر. وتمتد هذه السلاسل موازية للساحل لمسافات طويلة. وبصفة عامة تحدّ سلسلة واحدة من التلال خط الساحل على مقربة منه، بينما السلسلة الثانية تجري موازيةً له على مسافة بضعة كيلو مترات بعيدا عن الساحل، وأحياناً ما تكون هناك سلسلة ثالثة بين الثانية وبين حافة الهضبة الليبية.
إن المنطقة الداخلة بين التلال الساحلية والتلال الأخرى التي تليها بعيداً عن الساحل -تشغلها في بعض الأماكن بحيرات ملحية ومستنقعات، وفي أماكن أخرى بقيعة ذات أرضية طفلية، وعادة ما يفصل شريط ثانٍ من أرض طفلية سلسلة التلال الثانية عن الثالثة، أو عن الهضبة الليبية.
وعند سطح الجرف الذي يشكل بداية الهضبة الليبية، يمكن رؤية الحواف الرقيقة للإرسابات الجيرية الحبيبية في بعض الأماكن مستقرة فوق الأحجار الجيرية لعصر الميوسين التي تشكل الهضبة نفسها.
وعلى امتداد الساحل يمكن رؤية الرواسب تمتد تحت المستوى الحالي لسطح البحر، وتثبت الآبار المحفورة داخل الأراضى في البقاع الطفلية التي توجد بين سلاسل التلال المتعاقبة أن الإرسابات الجيرية الحبيبية تقع تحت الغطاء الطفلي وتمتد أيضا هناك إلى أعماق تحت مستوى سطح البحر الحالي. ولأن كل هذه الآبار تقريباً قد حفرت لغرض الحصول على الماء – الذي وجد عامةً عند مستوى سطح البحر أو بالقرب منه – بينما نتج عن حفر الآبار لأكثر من متر أو مترين تحت ذلك المستوى أن أصبح إمداد المياه أكثر ملوحة، فهي إذاً لم تخترق السمك الكلي للإرسابات الجيرية الحبيبية، لكن في مثقب عميق تم حفره منذ بضع سنوات أثناء التنقيب عن النفط عند نقطة تقع حوالي 3 كم جنوب شرق مرسى مطروح، وجد أن أساس الرواسب الجيرية الحبيبية يقع عند حوالي 43 متر تحت سطح البحر.
بالنظر إلى تضاريس سلاسل التلال وغياب الأساس الحقيقي والطبيعة شديدة الصقل للحبيبات المكونة، فإن هذه الإرسابات الجيرية الحبيبية نشأت على الأرجح من اندماج كثبان رملية ساحلية قديمة. لذلك، فهي رسوبيات أرضية حملتها الرياح، ولأن أساس هذه الإرسابات في موقع واحد على الأقل يصل لحوالي 43 متر تحت مستوى سطح البحر الحالي؛ فيجب أن نستنتج أنه في الوقت الذي تكوَّنت فيه هذه الإرسابات لأول مرة كان البحر المتوسط قد استقر منسوبه أدنى عما هو عليه الآن بنحو 43 متر على الأقل قياسا باليابسة.
ولقد دلتنا دراسة الإرسابات التي كوّنها النيل في واديه ودلتاه إلى الاستنتاج أن البحر المتوسط قد ظل على مكانه تقريبا عند هذا العمق تحت مستواه الحالي في العصور السبيلية المتأخرة فقط؛ وهو ما يرجح أن الكثبان التي نشأت عنها الإرسابات قد تكونت في العصر السبيلي المتأخر، أي ما بين عام 10.000 ق.م و12.000 ق.م تقريبا، وأن مناخ ساحل البحر المتوسط بمصر كان عند تلك الفترة أقل رطوبة عما هو عليه حاليا. ولأن البحر المتوسط كان أدنى عما هو عليه الآن بـ 43 متر، فلا بد أن الساحل الشمالي لمصر كان يوجد شمال الحد الحالي بما يزيد بحوالي ثمانية أو عشرة كيلو مترات شمالا.
الإرسابات الفيضية في وادي ودلتا النيل
ينتشر الحصى والرمال من عصر البلايستوسين إلى العصر الحديث محاذيا لحافة الأراضي المزروعة في أجزاء عديدة من وادى النيل، حيث تكوّن سلسلة من المصاطب عند ارتفاعات مختلفة فوق أرضية الوادى.
تشير الدراسة المفصلة لهذه المصاطب أن النهر قد كوّنها عند مستويات منخفضة متتالية عندما كان يوسّع مجراه تدريجيا. وهي ذات أهمية كبرى تمكننا من تعقب هذه التغيرات التي حدثت في المستويات النسبية لليابس والماء خلال عصر البلايستوسين والحديث، وسنعرض لها بالتفصيل في الفصل التالي. لكن يجب أن نذكر هنا أن دراستها تدل أنه بعد انتهاء عصر البليوسين استمر سطح البحر في الانخفاض مقارنة باليابسة، واستمر في نحت مجراه إلى الأسفل في إرسابات البليوسين حتى قارب عصر البلايستوسين على الانتهاء، أي بعد فترة طويلة من ظهور الانسان على الساحة لأول مرة.
وعند حوالي منتصف العصر الموستيري-خلال العصر الحجري القديم في مصر -انخفض البحر المتوسط لحوالي 12 متر تحت مستوى سطحه الحالي، وانخفض النيل عند خط العرض المار بالقاهرة لحوالي 17 مترًا تحت مستواه الحالي، ووصل خط ساحل الدلتا لحوالي 90 كم شمال القاهرة فقط. ثم جاءت حركة عكسية نسبية؛ فبدأ البحر في الارتفاع نسبيا مقارنة باليابسة، وبنهاية العصر الموستيري، وعند خط العرض المار بالقاهرة ارتفع منسوب البحر عن مستواه الحالي بنحو 16 مترًا كما ارتفع منسوب النيل فوق منسوبه الحالي بنحو 7 أمتار. بينما تراجع خط الساحل للدلتا لحوالي 82 كم من القاهرة. وبنهاية العصر الحجري القديم حدثت حركة انعكاسية أخرى؛ فهبط البحر مرة أخرى مقارنة باليابسة، ثم انخفض في نهاية المطاف في نهاية العصور السبيلية لأدنى مستوى له وهو حوالي 43 متراً تحت مستوى البحر المتوسط الحالي، وهبط النيل عند خط العرض المار بالقاهرة لحوالي 33 مترا تحت مستواه الحالي، بينما تقدم خط الساحل للدلتا شمالا لحوالي 11 كم وراء موقعه الحالي.
ثم في الفترة الانتقالية بين نهاية العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث حدثت الحركة العكسية مرة أخرى، فارتفع البحر والنيل مقارنة باليابسة وبنهاية العصر الحجري الحديث (حوالي 6000 ق.م) ارتفع البحر والنهر عند خط عرض القاهرة لحوالي 8 أمتار تقريبا عن مستواهما الحالي، بينما تراجع خط الساحل للدلتا حتى وصل لحوالي 2 – 3 كم شمال موقعه الحالي. وبذلك، ما بين أواسط العصر الحجري الحديث وعصرنا الحالي ارتفعت مستويات البحر والنيل عند خط عرض القاهرة لحوالي 8 أمتار مقارنة باليابسة، وتراجع خط الساحل للدلتا لحوالي كيلو مترين أو ثلاثة كيلو مترات جنوبا ليصل إلى موقعه الحالي.  لم يزد هذا التراجع الكلى لخط الساحل – الناتج عن الارتفاع البالغ 43 مترا للمستوى النسبي للبحر فيما بين العصور السبيلية المتأخرة وعصرنا الحالي – عن 11 كم، وذلك بالطبع بسبب الزيادة المستمرة في الإرسابات الدلتاوية عن طريق ترسب الطمي.
عبر العصور الطويلة التي تكونت خلالها المصاطب النهرية في وادى النيل، كانت هناك كميات هائلة من الحصى والرمال يحملها النيل الى البحر -حيث كانت تنتشر حول مصبات النهر على شكل دلتا -أصبح سطحها عارياً بدرجة متزايدة وخضع للتحات النهري حيث انخفض مستوى سطح البحر. في أغلب الأحوال، طُمرت هذه الرمال والحصى الدلتاوي الآن تحت غطاء من طمي النيل الذي تكوّن لاحقاً، ولهذا سُمّيت: “رواسب ما تحت الدلتا”.
لكن في هذا المكان وغيره، خاصة في الأجزاء الشرقية من الدلتا، ترتفع تلك الرمال والحصى عبر غطاء الطميي هذا مكونة الضفاف الحصوية الدائرية المعروفة باسم “ظهور السلاحف”. ليس من الصعب الوقوف على كيفية نشأة “ظهور السلاحف” فهي مجرد الأجزاء الأكثر تماسكا والاكثر مقاومة في الإرسابات الدلتاوية من الرمال والحصباء التي تكونت في البحر حول مصبات النهر في الفترة التي كان مستوى سطح البحر فيها أعلى من اليابسة بدرجة أكبر مما كان عليه الآن، وبانخفاض المستوى النسبي للبحر تفككت الأجزاء الأقل تماسكا من الرواسب بفعل المياه، وأعيد توزيع مكوناتها تحت المياه، بينما ظلت الأجزاء الأكثر مقاومة في مكانها وكوّنت الجزر.
إن الطمي الذي يغطي الأرض المنبسطة لوادي النيل ومعظم سطح الدلتا ويكوّن أرض مصر الزراعية قد رسبته مياه الفيضان عبر العصر الجيولوجى الحديث.  إن طمي النيل بمعناه الحقيقي – أي الطبقة العليا من الرواسب، والذي يصل سمكه لحوالي 9 أمتار ويتكون من مادة معدنية متنوعة شديدة النعومة مع القليل من مخلوط الرمال – قد ترسب كلياً في خلال العشرة آلاف سنة الاخيرة أو يزيد، ولا يزال إرسابه سارياً ببطء.
وتحت هذا التراكم العلوي من طمي النيل النقي تقريبا، هناك طبقة سميكة كبيرة من الرمل المختلط بالطمي قد ترسبت من النهر خلال الفترة الانتقالية ما بين العصرين الحجريين القديم والحديث، وسبب ذلك أنه عندما ارتفع مستوى البحر كان النيل يرفع قاعه ويزيد مستويات سهله الفيضي في شمال مصر بشكل نسبي وسريع. وإذا كان هذا الخليط من الطمي والرمال قد استقر في الدلتا على الرواسب الدلتاوية التي ذكرناها سابقا، فإنه في الوادي استقر إما على الحصى النهري من أواخر العصر الحجري القديم، أو على السطح التحاتي للإرسابات التي تكونت في خليج البليوسين.
في جنوب مصر بين وادى حلفا ونجع حمادي، تظهر رواسب سميكة من الغرين تعود لنهاية العصر الحجري القديم (السبيلي المبكر) على امتداد جانبي وادي النيل حتى ارتفاعات تقل كلما اتجهنا شمالا – من حوالي 30 مترًا فوق السهل الفيضي الحالي قرب وادى حلفا إلى حوالي 6 أمتار فوق السهل الفيضي الحالي بالأقصر وتتطابق مع السهل الفيضي الحالي عند نجع حمادي. هذه الرواسب الفيضية -التي لا تقتصر كليا على وادي النيل بل تمتد في بعض الأماكن لمسافات بعيدة داخل الصحراء – لا يختلف محتواها كثيرا في صفاته عن طمي النيل الحديث، لكن ثبت قِدَمها الساحق سواء بعلاقاتها الطبقاتية او أدوات حجر الصوان التي توجد فيها.  وهي تغطى الشرفات الحصوية السفلى للعصر الموستيري. وبذلك تدل على أنه عند نهاية تلك الفترة التي بدأ فيها النيل في جلب هذه الكميات الهائلة من الطمي إلى مصر أن ارتفع قاع النهر من شمال الجندل الثاني أو وادي حلفا تدريجيا عن طريق تراكمها، على الرغم من أن تحاتها كان يعمل بشكل متواصل في الجزء الشمالي من مصر لدرجة أن زادت بشكل هائل درجة انحدار النهر من وادي حلفا في اتجاه الشمال لفترة زمنية، وسُدت مداخل أودية الصحراء الشرقية بصعيد مصر بحيث تدلنا أن الظروف الصحراوية قد تكونت في الجزء الجنوبي من مصر بنهاية أواسط العصر الحجري القديم.
تعد المسألة المتعلقة بكيفية جلب النهر هذه الكميات الهائلة من الغرين الى مصر في العصور السبيلية الأولى شديدة الأهمية. وكما سنشرح في فصل لاحق، فهناك احتمال كبير أن تكون هذه الكميات قد جاءت من أحد فروع بحيرة كبرى كانت توجد في تلك الفترة في منطقة السُّد بالسودان، والتي كان النيل الأزرق والأبيض لفترة طويلة من الزمن في الماضي يصبّان فيها مياههما ويرسّبان فيها حمولتهما العالقة.
الرواسب البحيرية وطمى النيل في منخفض الفيوم
يغطي الحصى والرمال المحتويان على أصداف المياه العذبة من عصر البلايستوسين المتأخر حتى العصر الحديث مساحات شاسعة في الأجزاء المحيطة بمنخفض الفيوم، حيث تشكل سلسلة من المصاطب في ارتفاعات مختلفة تصل لحوالي 44 مترا فوق سطح البحر.
يمكن تتبُّع بعض المصاطب العليا والقديمة ليس حول جوانب المنخفض نفسه فقط، بل أيضا على امتداد جوانب ترعة الهوّارة حتى وادي النيل، حيث تندمج في بعض المصاطب النهرية التى ذكرناها بالفعل.
تميّز مصاطب الفيوم بوضوح خطوط الشاطئ لبحيرة عذبة داخل الأرض كان النيل يغديها وظلت على حالها لمستويات مختلفة وفي أزمنة مختلفة. تبين لنا دراسة المصاطب المختلفة أن منخفض الفيوم فد تجوَّف إلى عمقه الكامل قبل أن يدخل إليه النيل، وأن اقتحام النيل للمنخفض وما تلاه من تكوين البحيرة قد حدث في الفترة الاخيرة من بدايات العصر الحجري القديم.
عندما تكونت البحيرة بشكل كامل للمرة الأولى، وصلت الى ارتفاع يقدر بحوالي 40 مترا فوق المستوى الحالي لسطح البحر المتوسط، أي أعلى بمقدار متر أو مترين من مستوى النيل في ذلك الوقت عند خط عرض الفيوم. وبذلك فقد ملأت المنخفض بأكمله، وكانت مساحتها أكبر من مساحة بركة قارون حاليا بنحو 14 مرة، وكانت سعتها تفوق سعة بركة قارون حاليا بمائة ضعف.  لكن فيما بعد – ما بين بدايات العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث خضع مستوى البحيرة (وبالتالى مساحتها وسعتها) لتغيرات معقدة نوعا ما ومتتالية نتيجة للتغيرات في مستوى النيل والذى كان يتصل بها اتصالاً حراً؛ فانخفض مستواها لحوالي عشرة أمتار فوق مستوى سطح البحر الحالي في أواسط العصر الحجري القديم، وبنهاية ذلك العصر ارتفع مستواها إلى 34 مترا، ثم انخفض لحوالي خمسة أمتار تحت مستوى سطح البحر الحالي عند نهاية العصر الحجري القديم، وارتفع مرة أخرى لحوالي 18 متر فوق مستوى سطح البحر الحالي في بواكير العصور الحجرية الحديثة. وفيما بعد في العصر الحجري الحديث بدأ مستوى البحيرة مرة أخرى في الانخفاض، وهذه المرة كانت مستقلة عن النيل، حيث إن مدخله الحر إلى المنخفض قد سده تراكم الغرين الجزئي الناتج عن القناة الواصلة بينه وبين البحيرة، وكانت نتيجة ذلك فقدان الماء من البحيرة عن طريق البخر بدرجة تزيد عن محصلة تدفق الماء إليها.
وفيما يختص بالتغيرات في سطح البحيرة في العصور التاريخية فهناك جدال عريض. لو صدقنا ما قاله هيرودوت فقد أُعيد الاتصال الحر بالنيل اصطناعيا على يد ملك من الاسرة الثانية عشرة، فارتفع مستوى البحيرة لما يقرب من حوالي عشرين مترًا فوق مستوى سطح البحر واستقر عند هذا الارتفاع وظل الاتصال بالنهر مستمرا لما يزيد عن ألف عام تالية.
مع ذلك، من المؤكد أنه في عصر بطليموس الثاني لم يعد الاتصال حرا، فقد انخفض مستوى البحيرة -ربما يسبب التقييد الاصطناعي لتدفق الماء من النيل -الى مستوى أقل نوعا ما عن مستوى البحر المتوسط، وكذلك من المؤكد أنه في العصور الرومانية ازداد انخفاض البحيرة إلى مستواها الحالي والذى يبلغ حوالي 45 مترا تحت مستوى سطح البحر.
إن طمي النيل الذي يغطى القسم الأكبر من قاع منخفض الفيوم ويشكل الأرض المزروعة في المديرية، يعد مشابها بالضبط لطمى وادي النيل والدلتا، وقد ترسب كله في العصور الجيولوجية الحديثة.
وقد استقرت الطبقات العميقة في الفيوم بلا شك على أرضية البحيرة التي ملأت المنخفض تقريبا قبل العصور البطلمية، بينما تراكمت الطبقات العليا تدريجيا بالترسب من ماء الري الذى سيق للأرض منذ استصلاحها.
إن خطوط الكنتور لأراضي الفيوم تدلنا بوضوح أن الرمال والحصى من أواسط العصور الحجرية القديمة والرمال وطمى النيل من العصور التالية قد ترسب معظمها على شكل دلتا بحيرية منتشرة على شكل المروحة من النقطة التي تدخل عندها مياه النيل للمنخفض، وهذا يؤكده دليل الفتحات التي تمت في المديرية والتي شُقت بشكل ثابت من طمي النيل إلى الرمال عند أعماق ضحلة نسبياً تحت السطح.
هناك مثاقب غير ناجحة حفرتها وزارة الأشغال العمومية للحصول على المياه الجوفية بمدينة الفيوم، شُقت أولا عبر طبقة من طمى النيل سمكها حوالي 5 أمتار، ثم عبر متر ونصف من الطمى المختلط بالرمال، ثم في النهاية عبر 12 متر من الرمال والحصى قبل الوصول الى الطين الجيرى (المارل) لعصر الإيوسين والأحجار الجيرية التي تشكل الأرضية الصخرية الحقيقية للمنخفض. ولكون موقع مدينة الفيوم قرب رأس دلتا البحيرة، فإن متوسط سمك طمى النيل والرمال والحصى المطمورين على امتداد الفيوم ككل يعد بكل الاحتمالات أقل بكثير عند ذلك المكان.
الرواسب الفيضية في وديان ومنخفضات الصحاري وعلى السهول الساحلية
تتألف قيعان الأودية الجافة التي تحمل تصريف مياه الصحراء الشرقية الى النيل من مواد فيضية مصدرها تعرية سلاسل جبال البحر الاحمر بالقرب من رؤوس الوديان. اشتقت هذه المواد الفيضية من كتل حجرية وجلاميد، لكن بالنزول لأسفل تتفتت إلى حصى ورمال.
معظم القيعان المسطحة للأراضى المنخفضة مغطاة بالرمل والرواسب الفيضية، لكن ذلك ليس سوى غطاء رقيق حسبما بيّنت الآبار المثقوبة في قاع الوادي عبر تراكمات سميكة من الحصى والجلاميد. واتضح أن العديد من مصبات الأودية المتجهة نحو النيل مسدود تماما بالرواسب الفيضية القديمة، التي أثبت دكتور ساندفورد أنها تعود إلى أواخر العصر الحجري القديم. في بعض الأودية الأكبر حجما هناك ضفاف عالية من الحصباء القديمة التي شقت فيها تياراتُ المياه طريقها، تاركة مصاطب مشابهة لتلك التي أشرنا إلى وجودها في وادي النيل.
لم تحظ مصاطب الأودية هذه بدراسة وافية مقارنة بالمصاطب النهرية في وادي النيل، لكن في وادي قنا سجل ساندفورد مصاطب عند ارتفاعات وصلت لحوالي 34، 15، 9، 3 أمتار فوق أرضية الوادي، والتي استنتج بناءً على أدوات حجر الصوان الموجودة بها أنها ترجع للعصور: التشيلية، قبل الموستيري، الموستيري المبكر، والموستيرى المتأخر على الترتيب.
سيلاحظ أن هذه المصاطب تقع عند نفس الارتفاعات فوق قاع وادي النيل، حيث إن المصاطب النهرية لنفس العصر في وادى النيل تقع فوق السهل الفيضي للنهر، وهى حقيقة تدل على أنه في العصرين الحجري القديم المبكر والأوسط كوّن وادي قنا مجرى مائي عريض يتدفق نحو النيل.
لذلك قد نستنتج أنه في العصرين الحجري القديم المبكر والأوسط لا بد أن أمطارا غزيرة سقطت على الصحراء الشرقية، بينما يبين انسداد فوهات الأودية بالغرين في العصر الحجري القديم المتأخر أنه بحلول ذلك العصر أصبح المناخ أجف وبدأت الظروف الصحراوية في الظهور.
تتدفق الأودية الصحراوية من الجانب الشرقي لسلاسل جبال البحر الاحمر إلى البحر الأحمر وخليج السويس، وتلك الأودية التي تصرّف شرقا وغربا من جبال شبه جزيرة سيناء تتسم بشدة الانحدار وأكثر صلابة مقارنة بتلك الاودية التي تصرّف الى النيل، لكن تحتوي العديد منها على مصاطب من الحصى، وفي مساراتها على امتداد السهول الساحلية بعد خروجها من التلال تجتاز إرساباتٍ هائلة من الحصى قد تراكمت على شكل مراوح فيضية.
إن الحصى الواقع شرق الحد الفاصل بين النيل والبحر الاحمر قد دُرس بدرجة أقل من دراسة تلك الأودية التي تصرِّف إلى النيل، لكن أدوات من العصر الحجري القديم قد جمعها السيد جورج ولش مري كما جمع مثيلًا لها أيضا من أودية رباح، ووصيف بالقرب من وادى سفاجا([4])، كما وجد دكتور ساندفورد أدوات من العصر الموستيرى في موضعها الطبيعي في واد حصوي بالقرب من البحر الأحمر عند ارتفاع يقدر بستة أمتار فوق ارضية الوادي([5]). فلذلك لا يمكن أن يكون هناك شك أنه في هذه المنطقة أيضا كانت الأودية تملؤها تيارات متدفقة قبل نهاية أواسط العصر الحجري القديم.
وبالتناقض مع الصحراوات في الجانب الشرقي من النيل وفي شبه جزيرة سيناء، فإن الصحراء الغربية أو الليبية يقطعها القليل من الأودية الرئيسة بدرجة واضحة، وهى حقيقة تدل بوضوح أنه في غرب وادي النيل سادت ظروف قاحلة لعشرات الآلاف من السنين، إن لم تكن مئات الآلاف. ومع ذلك فهناك أودية قليلة قصيرة الطول تقوم بالتصريف شرقا في اتجاه وادى النيل، وشمالا الى ساحل البحر المتوسط، بالإضافة إلى أودية أخرى – تماثلها في أنها غير طويلة طولا كبيرا – تقوم بالتصريف مركزياً إلى منخفضات الواحات العديدة، وفي بعض هذه الأودية وحولها توجد رواسب حصى فيضي ورواسب فيضية خلفتها تيارات تدفقت فيها في الماضي. هذه الرواسب لم تُدرس حتى الآن إلا بدرجة طفيفة، لكنها بلا ريب تكونت كلها في عصر البلايستوسين والعصر الحديث، وبذلك وفرت دليلا أنها خلال هذين العصرين لا بد أنه كانت هناك فترة ما أو فترات كان جفاف المناخ فيها أقل تميزاً عما هو عليه حاليا.
وهناك شرائط من اليابس تحاذي البحر المتوسط من شرق وغرب دلتا النيل يغطيها الطفل الرملى، وتزرع فيها في بعض الأماكن محاصيل الحبوب، خاصة في السنوات التى يكون فيها معدل هطول الأمطار جيداً.
هذه الطفلة – التى كثيرا ما توجد بها قواقع أرضية من نوع Rumina decollata  –  ترسبت في العصور الجيولوجية الحديثة عن طريق التيارات التي تحمل معها نتاج انحلال الأحجار الرملية والجيرية والصلصال من عصر الميوسين من الهضاب والتلال المتاخمة. ولا يزال تراكم الطفلة سارياً، فكل المطر الغزير الذي يهطل أحيانا على طول الساحل الشمالي يسبب سيولا تتدفق للأودية من التلال وتنشر حمولتها الفيضية على امتداد السهول الساحلية.
الطوفا الجيرية في واحتي الخارجة وكُركُر
إن واجهة الجرف العظيم الذى يشكل الحد الشرقي لمنخفض واحة الخارجة مغطىً في أماكن عديدة بارسابات سطحية من الطوفا الكلسية، والتي يبدو – من الطريقة التى تكسو بها صخور الجروف الأقدم عمراً – أنها قد ترسبت بعد أن تجوَّف منخفض الواحة عمليا لعمقه الحالى.
أثبتت السيدتان كاتون طومسون وجاردنر([6])، من دراسة حديثة مفصّلة لإرسابات الطوفا، أن بها نوعين واضحين يرجعان لعصرين مختلفين. أقدم هذين النوعين ذو بنية مصمتة،  ولون سطحه أزرق ضارب إلى السواد نتيجة التجوية، وعمره الدقيق غير معروف لكنه يستقر في كل مكان على صخور العصر الثلاثى التى يتألف منها الجرف كلياً، وإرسابها يعود الى العصر الحجري القديم الباكر فيما يبدو. أما النوع ال
الأصغر عمراً من الطوفا – الذى يستقر على صخر البريشيا والحصى اللتين كوّنهما انجرافُ الماء من الجرف لأسفل – فذو بنية مسامية أو خلوية، ولون سطحه أسود بلون الصدأ نتيجة التجوية، ويحتوى على أوراق وفروع شجرية بالإضافة إلى أصداف مياه عذبة، ترجع لأواسط العصر الحجري القديم، حيث وجد أنه في موقع كان قاعه – البالغ سمكه عشرة أمتار – يستقر على حصى محتوٍ على أدوات من بواكير العصر الحجري القدم، وأن القاع نفسه تعلوه حصباء وحصى الطوفا ويحتوي على أدوات صناعية بشرية من بواكير العصر الحجري القديم الى أواسط العصر الحجري القديم، وفوق الحصى تعلو طبقة فيضية بيضاء، ويعلو هذه الطبقة طبقة  أخرى من الطوفا الخلوية سمكه متران.
من الواضح أن كلا النوعين من الطوفا قد ترسبا من المياه العذبة المحتوية على كربونات الكالسيوم المذابة التي تدفقت إلى واجهة الجرف، وبذلك فهي – مثل بقايا الأشجار وغيرها الموجودة فيها – تدل على أن المناخ خلال ترسبها كان رطباً الى حد ما مقارنة بالمناخ الحالي، لكن من مداها المحدود لا يبدو أنه من الأرجح أن هطول الأمطار في تلك البقعة لم يكن حينئذ غزيراً على الاطلاق.
أما بداخل واحة كُركُر- الأقل حجما والاكثر ضحالة – وحولها، فتوجد رواسب للطوفا الكسلية مشابهة جداً لتلك الطوفا في الواحات الخارجة، وتعود بكل الاحتمالات إلى نفس الفترة الزمنية [7].
الكثبان الرملية والتراكمات الأخرى للرمال بفعل الرياح
يقع قسم هائل من سطح الصحراء الليبية ومن الجزء الشمالي من شبه جزيرة سيناء أسفل تراكمات من الرمل جلبتها الرياح. تتخذ هذه التراكمات الرملية في الأجزاء الشمالية والوسطى من الصحراء الليبية شكل خطوط طويلة من الكثبان يصل ارتفاعها لـ 30 متر أو أكثر، تمتد على طول اتجاه الرياح الشمالية الشمالية الغربية السائدة، وتستمر هذه الخطوط لمسافات طويلة تصل أحيانا إلى مئات الكيلومترات. في الأجزاء الجنوبية من الصحراء الليبية تتخذ الرمال التي تذروها الرياح شكل سهول مسطحة أو متموجة.
  في شمال سيناء، هناك بقاع شاسعة محاذية للبحر المتوسط تشغلها كثبان يشابه ارتفاعها نفس ارتفاع مثيلاتها في الصحراء الليبية، لكنها تُظهر نسقاً أقل ترتيبا، وكثيراً ما تحتوي على فجوات تضم بداخلها حدائق من النخيل وعدد من الآبار. فيما يختص بعمر هذه التراكمات الرملية المتنوعة فمن المرجح أن كل الكثبان في شمال ووسط صحراء ليبيا قد تكونت في العصر الجيولوجى الحديث ولا يزال تراكمها سارياً حتى الآن، والأطراف الجنوبية من الكثبان تتقدم بشكل بطيء ناحية الجنوب، وأطرافها الشمالية تغذيها باستمرار مواد متجددة مشتقة من تفكك الأحجار الرملية سهلة التفتيت التي تكوِّن الجروف الشمالية من منخفض القطارة والمنخفضات الأخرى، وتنقلها الرياح في اتجاه الجنوب.
التراكمات الرملية على السهول في الأجزاء الجنوبية من الصحراء الليبية تعود – على الأقل في قسم كبير منها – إلى البلايستوسين، عندما اكتمل تجويف الفيوم والمنخفضات الكبرى الأخرى في الصحراء الليبية بفعل الرياح حسب الاعتقاد السائد، وتبدو المواد المكونة لها أنها قد نشأت إلى حد كبير من تفكك الحجر الرملي النوبي الذي تكونت منه قيعان منخفضات الواحات الكبرى والسطوح الصخرية الرئيسية في الصحراء الواقعة بجنوبها. ربما بدأ تكون الكثبان الرملية في شمال سيناء مع ارتفاع اليابسة في عصور البلايستوسين، وفي الغالب اشتقت مكوناتها من شواطئ البحر حيث جرى ارتفاعها بشكل متتالٍ.
ملخص التغيرات الجيولوجية في مصر خلال عصريّ البلايستوسين والحديث
يمكن تلخيص الاستنتاجات المذكورة في الدراسة الموجزة السابقة للإرسابات المتنوعة لعصر البلايستوسين والعصر الحديث كما يلى: –
عند بداية عصر البلايستوسين (أي منذ نصف مليون عام تقريبا) ارتفع مستوى سطح البحر عن مستواه اليوم بمقدار 100 متر تقريبا – مقارنةً باليابسة. وكان البحران المتوسط والأحمر متصلين ببعضهما البعض، وكانت قطع ضيقة من الأراضي الجافة الآن التي تحاذي هذين البحرين غارقةً تحت مياههما. ومع ذلك، كان مستوى سطح البحر وقتها ينخفض ببطء ([8])، واستمر في الانخفاض عبر مراحل متتالية حتى في العصور الموستيرية الوسيطة (أي منذ حوالي 30 أو 40 ألف سنة) واختلفت حدود اليابسة والبحر بدرجة طفيفة عما هي عليه حالياً، باستثناء أن النيل قد تدفق إلى ما كان وقتها خليجًا للبحر، وامتدت دلتاه لما يقرب من 90 كم فقط شمال خط العرض المار بالقاهرة ثم ارتفع مستوى سطح البحر لمدة زمنية، محققاً ارتفاعاً يصل لحوالي ستين متراً فوق المستوى الحالي للبحر المتوسط، وبالتالي خضعت اليابسة لخفض طفيف في امتدادها.
لكن مع انتهاء العصر الموستيري بدأ مستوى سطح البحر في الانخفاض مرة أخرى، وبنهاية العصر الحجري القديم (أي حوالي عام 10.000 ق.م) انخفض لمسافة 43 متراً تحت المستوى الحالي للبحر المتوسط، وبالتالي فإن قطعاً من اليابسة – المغمورة الآن تحت البحر على امتداد الشواطئ – كانت جافة، وضاق حجم خليج السويس، وتقدم الخط الساحلي للدلتا حوالي 11 كيلومتر وراء نطاقه الحالي. ويتضح من شكل (11) الحدود القصوى لمصر عند نهاية العصر الحجري القديم. وفي الفترة الانتقالية بين العصرين الحجريين القديم والحديث، بدأ البحر مرة أخرى في الارتفاع قياساً باليابسة، أو بدأت اليابسة في الغمر قياساً بالبحر. ونتج عن هذه الحركة أن بدأت اليابسة تدريجياً تكتسب حدها الحالي. تسببت التغيرات المذكورة سابقاً في المستويات النسبية لليابسة والبحر خلال عصر البلايستوسين والعصر الحديث بالطبع في تغيرات حدثت في مستوى ودرجة انحدار النيل في مصر، فقد تدنى مجرى النيل عن طريق التحات مع كل انخفاض في مستوى البحر النسبي وارتفع مجراه بتراكم الإرسابات مع كل ارتفاع.
 حدثت في الصحاري كمية كبيرة من التعرية القارية خلال عصريَّ البلايستوسين والحديث. ولا بد أن نعزو لهذه التعرية جزءاً كبيرا من تغير معالم الصحراء. في المناطق الجبلية بالصحراء الشرقية وسيناء كانت عوامل التعرية الأساسية هى بلا شك الأمطار والتيارات الهوائية، بينما يبدو أن معظم تغير مظاهر السطح في الصحراء الغربية قد تحقق بفعل النحت الذي قامت به الرياح المحركة للرمال.
هناك سؤال ذو أهمية قصوى لدى علماء الآثار حول ما إذا كان قد حدث اتصال أرضى بين افريقيا وآسيا عندما ظهر الإنسان البدائي للمرة الأولى في وادي النيل. أعتقد أن إجابة هذا السؤال يجب أن تكون بالإيجاب. إذ تشير أقدم آثار وبقايا الإنسان المعروفة على وجه اليقين في مصر الى الحقبة الشيلية من العصر الحجري القديم، عندما ارتفع البحر لأعلى من 41 متر عن اليابسة مقارنة بمستواه الحالي. ويعد أعلى جزء من البرزخ الذي شقته قناة السويس هو حي الجسر الذى يقع شمال الإسماعيلية بقليل، حيث يبلغ متوسط منسوب الارض حوالي 16 متر فوق سطح البحر.
ومن ثم، لو حدثت زيادة في مستوى سطح البحر حتى لمسافة 20 مترا في عصرنا الحالي؛ فان الماء سيغمر شريطاً ضيقا من الأرض ذا اتساعٍ متنوع يمتد على الطول الكلى للبرزخ.  لكن يجب أن نقر بصحة أن قدرا كبيرا من التعرية قد حدث خلال الألف عام أو أكثر التي انقضت منذ بداية العصور الأشولية، وعندما نضع في اعتبارنا حقيقة أن الأرض في حي الجسر تتكون من صلصال بركانى – والذى من الطبيعى أن يخضع بشكل سريع لأثر عوامل التعرية – فقد يبدو بأية حال من المستحيل-  أو من المحتمل في الحقيقة –  أن سطح الارض في ذلك المكان انخفض لحوالي 25 أو  30  مترا بسبب التعرية في تلك الفترة الفاصلة. وبالطبع في تلك الحالة لا بد أن تكون أرض جافة قد وصلت بين أفريقيا وآسيا منذ بداية العصور التشيلية حتى شق قناة السويس عام 1869.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش الفصل
([1]) “ Geology of Egypt “ , Vol 2 , Part 1. Cairo 1934 , p.17.
 ([2])التواريخ الموجودة لمراحل العصر الحجري الحديث ليست سوى تواريخ تقريبية، لكونها في الحقيقة مجرد تخمينات مقبولة من الناحية الشكلية
([3]) على امتداد صفحات هذا الكتاب سرت على منهج دكتور ساندفورد في اطلاق اسم “موستيري” على ثقافة العصر الحجري القديم الأوسط في مصر. وحتى سنوات قليلة مضت كان يطلق عليه هذا الاسم بشكل ثابت، لكن مؤخرا قد صنفه البروفيسور بروي باسم ” العصر الليفلوازي “.
([4]) وصف دكتور ف. هـ. ستيرز بعض الأدوات التي جمعها مستر مري في تلك الأماكن ورسمها في:Harvard University Studies,Vol 1. Cambridge ( U.S.A),1917 ,PP.48-82.. انظر أيضاً ورقة بحثية كتبها دكتور
 G.C. Seligman “ The older Paleolithic age in Egypt “ in the Journal of the Royal Anthropological institute ,Vol.L.I , London 1921 , pp.115-144.
([5]) Report of the commission on Pliocene and Pleistocene terraces. International Geographic Union , 1928 , p.17.0
([6]) Caton –Thompson (G.) and Grdner (E.W) , “ The prehistoric Geography of Kharga oasis “ , Geographical journal , vol.Lxxx ( 1932) pp.389-393.
([7]) Ball (J.) , “ Gebel Garra and the oasis of Kurkur “ ,Cairo 1902 ,p.33.
([8]) أي ينخفض قياسا باليابسة. واعتقد أنه من المؤكد من الناحية العملية أنه على الأقل حتى العصور الموستيرية كان الانخفاض في مستوى سطح البحر النسبي نتاج ارتفاع بطيء لليابسة على مستوى إقليمي، ناهيك عن تغير في مستوى سطح البحر نفسه.

جميع الحقوق محفوظة لموقع بيت الجغرافيا