جغرافية المدن بين النظرية والتطبيق (محاضرات) أ.م.د. محمد الموسوي

كوكب الجغرافيا أكتوبر 30, 2019 أكتوبر 30, 2019
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A
جغرافية المدن بين النظرية والتطبيق (محاضرات)


أ.م.د. محمد الموسوي


أهميتها وأهدافها:
   المدينة مستوطنة حضرية ذات كثافة سكانية كبيرة ولها أهمية معينة تميزها عن المستوطنات الأخرى. يختلف تعريف المدينة من مكان إلى آخر ومن وجهة نظر إلى أخرى.
   تعد ظاهرة نشوء المدينة من الظواهر التاريخية القديمة حيث نشأت دويلات المدن في بلاد وادي الرافدين, منذ عصر فجر السلالات  (300-2500 ق. م) ، ثم انتشرت في الهند والصين بعدها انتقلت هذه الظاهرة إلى الإغريق والرومان  ثم إلى الدولة الإسلامية ، وقد استرعى انتشار ظاهرة بناء المدن اهتمام المخططين والجغرافيين  الأوائل، لما لها من مقومات مناخية وطبوغرافية وعسكرية وإنسانية عند شروعهم في تمصير مدنهم الأولى .

   تعد جغرافية المدن أحد فروع الجغرافية البشرية ، وهي فرع حديث في حقل الجغرافية ولم يحتل المكانة المناسبة له إلا في أربعينيات القرن المنصرم, وذلك لتعدد مشاكل المدن وتزايدها نتيجة لتزايد سكان المدن, وبأعداد كبيرة متتالية, بشكل لم يسبق  له مثيل، جعل من الجغرافيين لما درسوه نظريا من تحليل العلاقات بين المكان والإنسان عنصرا فاعلا في المساهمة بالدراسات التي تساهم بشكل أفضل في حل مشاكل المدن وعلاقاتها الإقليمية، ونظرا إلى أن أي علم من العلوم ينقسم إلى قسمين نظري وتطبيقي وكل منهما يكمل الآخر، فإن الجغرافي المتخصص بدراسة جغرافية المدن بشكل خاص يكون قد قدم مادة دقيقة عن المدينة, وقدّم توقعات نحو تطويرها في المستقبل، وهو نظري في ذلك, إلا أنه سرعان ما يصبح تطبيقاً إذا ماساهم في الإفادة لتكون المدينة بشكل أفضل، وبما أن  الجغرافي في مجال المدن هو من سكان المدينة غالباً لذا فهو الذي يقيم المدينة التي يسكنها وينظر في تطويرها مستقبلا ونظراً لانتشار المدن ونموها السريع, خاصة بعد تطور الصناعة التي من خلالها تطورت مواد البناء وتكنولوجيا البناء والتعمير ووسائل النقل, فإن ذلك يعتبر ميدانا واسعاً يمكّن الجغرافي أن يساهم فيه مساهمة فاعلة بما لديه من خبرة وتدريب في إيجاد الحلول المناسبة ، ولا تختلف جغرافية المدن عن الجغرافية بشكل عام ، إذ تعتبر الجغرافية  أُم العلوم, وبهذا تتهم بأنها علم يأخذ من كل العلوم  الأخرى، لذا يحاول الجغرافي إيجاد شخصية مختصة به، إذ إن الجغرافية  علم يبحث في أسباب توزيع الظواهر الطبيعية أو البشرية، فالتوزيع المكاني  للظواهر ما هو إلا  وسيلة نحو فهم أفضل للظاهرة البشرية  الحضرية وليس غاية في حد ذاته، إذ أن التوزيع يصف الظاهرة ولا يحللها ، ولهذا يقوم الجغرافي بتحليل المتغيّرات التي أوجدت أو أثرت في توزيع معين لهذه الظاهرة, وبهذا يكون قد بحث عن وظيفة الظاهرة وليس مجرد الاكتفاء بوصفها وصفاً سطحياً بسيطاً لا يعطي للموضوع بعدًا جغرافيًا ، عكس الذي يبيّن الأسباب الجغرافية الطبيعية والبشرية  التي ساهمت في تكوين هذه الظاهرة، بهذا يمكن أن نبيّن ان  جغرافية المدن شأنها في ذلك شأن بقية فروع الجغرافية, إلا إنها ضمن إطار المدينة لكون المدينة جزءاً من أقاليم جغرافية أكثر اتساعاً ، فكان ميدانهم دراسة الاختلافات الإقليمية في توزيع المدن ، لأن المدينة ليست معزولة عما يحيط بها من مناطق ريفية أو مدن, بل هي كائن عضوي يؤثر ويتأثر بما يحيط به من مناطق ريفية أو حضرية .
- نشأة المدينة
      تتعلق نشأة المدينة بعملية التحول من حياة الكهوف إلى حياة المدينة ، والحياة الأولى هي تلك الحياة التي عاشها الإنسان منذ فجر التاريخ ثم انتقل بعدها إلى القرية ومن ثم أدى تطور القرية إلى نشأة المدينة.
    لقد سبق ظهور القرية فيض في المواد الغذائية مما جعل الإنسان يفكر في الحصول على هذا الطعام بصورة سهلة ومريحة ، وهذا الفكر دفعه إلى القرب من الطعام الفائض فكان للتجمع السكاني أساساً لنشأة المدينة الأولى.
   وتوسعت بعض الآراء وعللت نشأة المدن بعوامل كثيرة ، إضافة إلى الغذاء وجود نواحي علمية وأدبية وفنية وسياسية ، وتذكر المصادر التاريخية أن بدايات ظهور المدن كانت في وديان الأنهار، خصوصا في بلاد الرافدين وعند ضفاف النيل ووادي السند       كان ذلك في أوائل الألف الرابع قبل الميلاد ، كما أرتبط وجود المدن في هذه المناطق مع وجود الأراضي الصالحة للزراعة وإنتاج الغذاء الفائض واقترن ذلك أيضاً بتقدم العلم والمعرفة والقدرات الفنية، ومن أهمها استعمال المعادن واكتشاف الشراع والعجلة واستخدامها في النقل وصناعة الأواني واكتشاف المحراث واستخدامه في حراثة الأرض واستئناس الحيوانات واستخدامها لأغراض النقل، وقد مر تطور المدن بعدة مراحل هي :
أ- ظهور المدن عند وديان الأنهار: كان سكان العراق ومصر والهند والصين يتمتعون بتطور علمي من خلال اكتشاف المعادن واستخدامها واكتشاف الأواني الفخارية والكتابة وغيرها ، وانتشرت في هذه المدن الأبنية والمعابد الدينية والمراكز الإدارية والأسواق التجارية والمصانع الصغيرة وبخاصة صناعة الأسلحة ،وحدث تبادل تجاري بين هذه المدن ، التي شكلت نواة الحضارة الأولى مثل المدن السومرية والبابلية في العراق ، وكذلك مدينة ممفيس ونخن في مصر وهارباً في الهند وأنيانغ في الصين ، وهذه المدن نشأت ما بين (3000-5000) ق, م كذلك ظهرت مدن كثيرة في أمريكا اللاتينية مثل كوبان، التي اعتبرت إحدى مراكز حضارة المايا.
ب- المدن التجارية القديمة: أرتبط نشوء هذه المدن بزيادة إنتاج الأرضي الزراعية ، كذلك تربية الحيوانات واكتشاف المعادن ونمو الصناعات المحلية خصوصاً أن هذه المدن كانت تعتبر مراكز تجارية كما هو الحال بمدينة صبراتة في ليبيا.
    كما أن مطالب السكان فيما يتصل بضروريات الحياة اليومية كالغذاء والملبس أو الخامات الصناعية وغيرها ، أدى إلى عملية تبادل تجاري كبيرة لبيع ما ينتج إلى الأقاليم المجاورة، كذلك استغلت هذه المدن موقعها الجغرافي فقامت بدور الوسيط التجاري بين مدن العالم القديم وقد اشتهرت مدينة فيلا كوبي ، الواقعة على جزيرة ميلوس في بحر إيجة بتجارة الزجاج وبعض المعادن ، كما تميزت بعض المدن الفينيقية الساحلية بتجارة الأخشاب إضافة إلى مركزها الديني الذي عرفت به كمدينة (بيبيلوس) ، كما أقيمت مدن داخلية على أطراف الصحراء كمدينة حلب ودمشق وتدمر حيث كان لهذه المدن دور الوسيط بين مدن الساحل الفينيقي وبلدان الشرق الأوسط ، إذ استمدت ثرواتها من التجارة ، كما توسعت التجارة وشملت مدن مضيق الدردنيل كمدينة طروادة حيث شكلت نقطة انطلاق تجارية آمنة بين آسيا الصغرى وأوربا ، وظهرت أيضا مدن تجارية يونانية أخرى كان لها دورها البارز تجارياً مثل مدينتي أثنا وإسبارطة اللتان أصبحتا دولتين فيما بعد ، كما شملت التجارة أيضا مدن أوربية عديدة في جنوب ايطاليا وشمال إفريقيا وإسبانيا وكانت بمثابة حلقة وصل بين الشرق والغرب.
ج- المدن اليونانية: ظهرت هذه المدن بنظام يختلف عن سابقتها من المدن القديمة ، حيث كانت تمثل دولاً مثل أثينا وإسبارطة، وكان ذلك خلال القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد، وتميزت كل مدينة بخصوصية نظامها واستقلاليته وهي محاطة بالأسوار لحمايتها من أي اعتداء خارجي.
    أسس اليونانيون مدينة سيراكيوز والإسكندرية والاسكندرونة وكل هذه المدن أنشئت على أثر التوسع اليوناني ،وفي سنة 300 قبل الميلاد تطورت المدن اليونانية تطوراً كبيراً في عهد الأسكندر المقدوني على المستوى الحضري والتجاري والصناعي والزراعي ، مما أدى إلى زيادة التبادل التجاري بين المدن اليونانية مع مقدونيا ومدن سواحل البحر الأسود ومنطقة نهر الدانوب ، حيث تستورد القمح وتصدر الزيت والنبيذ إلى بلاد الرافدين  وشمال إفريقيا،  وتذكر المصادر التاريخية أن عدد المدن التي بناها الأسكندر وحملت أسمه حوالي 70 مدينة.
د- المدن الرومانية: ومن أهمها روما التي برزت كمدينة وعاصمة للإمبراطورية الرومانية في القرن الثاني قبل الميلاد، واعتمدت في نشأتها على ما يحيط بها من أراض زراعية خصبة تم استغلالها في إنتاج المحاصيل الزراعية وتصدير الفائض منها إلى المدن الأخرى كمدينة يورك في بريطانيا وكولوني في ألمانيا، حيث شكلت هذه المدن مراكز اقتصادية قادرة على تصريف البضائع الكثيرة ، وكانت أعداد السكان في روما في تزايد مستمر فقد قدرها بعض العلماء  آنذاك بحوالي نصف مليون نسمة، وكانت الإمبراطورية الرومانية تعتمد اعتماداً كبيراً على ما ينتج في روما لتموين جيوش الإمبراطورية وموظفيها والطبقة الفقيرة التي لا عمل لها.
هـ- المدن الإسلامية: ظهرت مدن جديدة على أراضي الإمبراطورية البيزنطية والرومانية والفارسية، هذه المدن التي أصبحت ضمن الأقاليم الإسلامية قد بلغت ذروة مجدها وعظمتها في ظل الدولة العربية الإسلامية، حيث خطط لها تخطيطا عمرانيا متميزا حتى شغلت أدواراً في نشر الثقافة الإسلامية كما كان لها مركزا تجاريا مهما.
    يرجع ازدهار المدن الإسلامية إلى عدة عوامل منها دينية وعسكرية وتجارية واجتماعية، حيث كان ينظر إلى التجمع السكاني في المدينة على أنه قوة للإسلام، لذا قام المسلمون بإنشاء الجوامع فيها حتى برزت مدنا دينية كبيرة في العالم الإسلامي كمدينة (مكة المكرمة) واستمرت على قدسيتها واعتمدت كمركزاً دينياً كبيراً عند المسلمين منذ ظهور الإسلام إلى يومنا هذا ، كذلك (المدينة المنورة) التي تضم قبر الرسول (ص) ومدينة القدس.
    أما المدن العسكرية التي قام المسلمون بإنشائها لتكون قلاعا كبيرة ينطلقون منها لنشر الإسلام، فهي مدينة الكوفة ، والبصرة ،والفسطاط، والقيروان ، وظهرت أيضا مدن سياسية اعتبرت عاصمة للدولة العربية الإسلامية ، مثل مدينة دمشق عاصمة الأمويين ومدينتي بغداد وسامراء عاصمة العباسيين ، كما قام المسلمون بإنشاء مدن كبيرة في الأندلس حملت طابع الثقافة العربية الإسلامية كمدينة قرطبة.
     لقد كانت المدن الإسلامية مميزة في طرازها وعمارتها وتخطيطها ، حيث كان المسجد يمثل قلب المدينة ومركزها الديني والسياسي ، وكان السوق مكاناً لتجمع التجار والباعة والغرباء ويقع بالقرب من المسجد ، ثم تأتي الأبنية الإدارية وقصور الأمراء والقادة ثم المعسكرات ، وبعدها الأحياء السكنية التي تمتد حتى أطراف المدينة والتي كثيراً ما تنتهي بالسور المحيط بها والذي يحميها من الغارات وله عدة أبواب، وهكذا يلاحظ أن الدين الإسلامي غير من مورفولوجية المدينة العربية وأعطاها طابعاً خاصاً ، حيث أتسمت بالبساطة والخشونة والتكتل والتجمع، ويمكن القول أن فلسفة العمارة العربية هي وليدة التفاعل بين عوامل البيئة الطبيعية من جانب وبين الإنسان العربي من جانب آخر، ذلك أن المدينة العربية الإسلامية هي المرآة التي عكست واقع البيئة الثقافية والحضارية والطبيعية للمجتمع الإسلامي بشكل عام ، وعموماً فإن العوامل الدينية والعسكرية والسياسية والتجارية والاجتماعية كانت وراء قيام وازدهار الكثير من المدن العربية الإسلامية.
و- المدن الأوربية في العصور الوسطى: في الوقت الذي كانت فيه المدن الإسلامية تعيش حياة التحضر والتطور الثقافي والعمراني والتجاري ، كانت أوربا تعيش في ظلام دامس دمرت فيه الكثير من المدن نتيجة للهجمات البربرية التي كانت تشن من قبل جماعات الهون والوندال ، أما المدن التي كان لها  الحظ الأوفر وسلمت من التدمير، فقد تقلصت وقل سكانها ولم يبقى من مظاهرها إلا المظهر الديني المتمثل بالكنيسة، ولولا وجودها وما كانت تحظى به من نفوذ ديني لانهارت هذه المدن وتفتت في ظل الاضطرابات السياسية التي كانت سائدة في ذلك العصر.
   أما المدن الداخلية كمدينة باريس التي أتسع نفوذها في القرن الرابع عشر الميلادي ، إذ ارتفع عدد سكانها إلى ربع مليون نسمة بسبب نموها الاقتصادي وبالأخص التجاري، كذلك نمت مدن أوربية أخرى بسبب التجارة مثل كولون والبندقية وجنوه وفلورنسا وميلان، حيث كانت هذه المدن تشكل مراكز تجارية ضخمة خصوصا بعد التوسع الأوربي والاكتشافات الجغرافية وازدهار الحركة التجارية مع القارة الأمريكية ، الذي أدى إلى تعزيز أهمية هذه المدن خصوصا الواقعة على سواحل المحيط الأطلسي وبالمقابل حيث يلاحظ أن المدن الإسلامية خصوصا العربية منها بدأت تتدنى وتضعف بعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح ، فبعد أن كانت البضائع تنقل براً أصبحت تنقل بحراً إلى جنوب إفريقيا وشبه القارة الهندية وتحولت التجارة من المتوسط إلى جنوب إفريقيا.
ز- المدن الحديثة: تعد المدن الحديثة نموذجا متطوراً للمدن القديمة إلا أنها أكثر تنظيماً ووظيفة ، وقد انهارت الأسوار التي كانت تحيط بها تدريجياً وأصبحت أكثر عدداً للسكان ومزدهرة اقتصادياً، ويزاول السكان فيها مختلف الأعمال مما أدى إلى ظهور هجرة سكانية من الريف إلى المدينة ونتيجة لكثرة السكان والتطور التقني ظهرت مدن جديدة مرتبطة بالصناعة ، كما ظهرت مدن حديثة أنشأت فيها مواقع صناعية وارتبطت بشبكات حديثة من النقل ووسائله المختلفة ، وبدأت هذه المدن تلتزم في توسعها العمراني بنظام جديد ذي شكلين منها عمودي ومنها أفقي، فبعض المدن التي وصلت إلى مرحلة الازدهار السكاني بدأت الوحدات السكنية فيها تتطور عمودياً ، وذلك حفاظاً على بقاء أكبر مساحة يمكن استغلالها في مرافق أخرى ، وربما أن التطور الصناعي قد زاد من إقبال الناس على السكن في هذه المدن لممارسة حرفة الصناعة والعمل أيضا في قطاع الخدمات التي يفتقده الريف في كثير من الأحيان، وتتميز المدن الصناعية بالاتي:
- الاختلافات في القيم والمعتقدات الدينية.
- تقسيم العمل بشكل شامل.
- الاعتماد على الأشكال الثانوية من الضبط الاجتماعي كالشرطة.
- التأكيد على الاختراع والانجاز.
- وجود قوانين ومعايير عامة تطبق على الجميع.
- تشجيع الحراك الاجتماعي وإتاحة الفرصة للأفراد لتحقيق طموحاتهم العلمية والعملية.
   هناك بعض العوامل التي كان لها دوراً بارزاً في تطور المدن في العصر الحديث منها:
أ- التطور الزراعي:
     إن التطور الذي شهده العالم بعد الثورة الصناعية الكبرى أدى إلى إتباع الوسائل التكنولوجية في الزراعة ، واستعمال البذور المحسنة والمخصبات الكيميائية مما أدى إلى زيادة إنتاج الأرض ، والآلة الزراعية الحديثة عوضت عن الكثير من الأيدي العاملة التي تركت الأرض الزراعية واتجهت للسكن في المدن لممارسة الحرف غير الزراعية كالصناعية والخدمات بمختلف أنواعها هذا ما يلاحظ في شعوب غرب أوربا والكثير من دول العالم.
 ب- التطور الصناعي:
       إن الثورة الصناعية الكبيرة التي ظهرت في أوربا ومن ثم انتقلت إلى سائر بلدان العالم أدت إلى تطور الصناعة ، الأمر الذي أدى إلى عزوف كثير من السكان للعمل في الزراعة بسبب المستوى المعيشي القليل في قطاع الزراعة ، وأن استخدام المكننة في مجال الزراعة أدى إلى هجرة الكثير من السكان من الريف إلى المدينة ، والسكن فيها لما توفره من فرص عمل، وارتفاع مستوى الخدمات في هذه المدن جعل السكان يتمركزون قرب المصانع خصوصاً إنها تحتوي على مناطق تأمين متطلبات الحياة اليومية للعاملين فيها ، مثل المدارس والمستشفيات ومراكز لهو وأندية ومحلات تجارية ووسائل نقل وغيرها، كل هذه جعلت العمال الصناعيين يفضلون السكن قرب المصانع مما أدى إلى إنشاء مدن صناعية كبيرة مثل المدن الألمانية والهولندية والأمريكية وكذلك مدن عربية مماثلة مثل مدينة البصرة بالعراق والمحلة الكبرى بمصر ومدينة البريقة في ليبيا.
ج-الازدهار التجاري:
      إن التجمع الكبير للسكان في المدن الصناعية أدى إلى تعزيز الحركة التجارية لاسيما أن أغلب الموظفين سواء أكانوا أطباء أم مهندسين أم صناعيين أم مدرسين ، يلزمهم حاجات متعددة لم تكن متوفرة في مناطق السكن الخاصة بهم ، وهذا يستدعي إلى استيراد معظم حاجاتهم من أماكن بعيدة خصوصا أن عملية استيراد السلع وبيعها تدر أرباحاً طائلة أدى إلى اتجاه الكثيرين من الناس للعمل في المجال التجاري ، كذلك نشأت من جراء التجارة مدن مخصصة لذلك العمل ،قد يكون بعضها نتيجة لأسباب جغرافية تتعلق بموقع المدينة في نقطة التقاء بين منطقتين ، مثل مدينة تدمر القديمة التي أنشئت في الصحراء لتكون حلقة وصل بين الساحل الشرقي للبحر المتوسط ومن ثم الغرب ، ثم مدينة تمبكتو التي أنشئت أساساً لتكون حلقة وصل بين منتجات السفانا الإفريقية ومدينة دمشق وحلب ومكة والمدينة وبعض مدن آسيا الوسطى.
    أما فيما يتعلق بنشاط قطاع الخدمات فيلاحظ أنه عندما ازدهرت التجارة وحدثت هجرة كبيرة من الريف إلى المدينة وامتهن أغلب السكان الخدمات أزدهر على أثرها هذا القطاع في الكثير من دول العالم مثل فرنسا وألمانيا واليابان خصوصاً أن قيام مدن جديدة أدى إلى إحداث خدمات بنمط جديد ، وهو قيام مدن يقوم معظم أهلها بخدمات تتسم بالتسلية والترويح عن النفس في بعض المواسم، وقد زاد عددها ونشاطها بتطور وسائل النقل والمواصلات وتقدم الصناعة وتهيئة كل مستلزمات الراحة للعاملين في قطاع الصناعة.
د- العامل الديني :
      يعد من العوامل التي أدت إلى قيام بعض المدن التي عرفت بالمدن الدينية ، وهذه المدن مخصصة للعبادة سواء أكان ذلك في العصور الوسطى أم الحديثة ، ففي العصور الوسطى أنشئت مدينة أثينا حيث الإله الذي سميت باسمه ، كما أصبحت مدينة مكة المكرمة مقدسة عند المسلمين وكذلك المدينة المنورة والقدس وغيرها من المدن التي تحولت إلى مراكز دينية كبيرة وتجارية بنفس الوقت.
هـ-العامل السياسي:
     إن ظهور الدولة بمفهومها الحالي وتشكيل الحكومات أدى إلى وجود عاصمة سياسية لتلك الدولة، وما رافقها من مؤسسات حكومية ، لذا تمتعت هذه المدن بمزايا كثيرة منها ، وجود أكبر المؤسسات الحكومية والمصانع وغيرها الأمر الذي أدى إلى استقطاب الناس إليها والسكن فيها والتوسع في مجال الخدمات وكذلك ازدهار ونشاط الحركة التجارية ، كمدينة لندن وطرابلس وبغداد والقاهرة وواشنطن وطوكيو وغيرها من المدن السياسية الكبيرة.
و- الهجرة:
    الهجرة ظاهرة اجتماعية وجدت منذ القديم وهي تعني الترحال عن موطن وتركه إلى غيره مدة قد تطول أو تقصر وقد تكون الهجرة أما مؤقتة أو دائمة هذه الأخيرة التي يمكن تقسيمها إلى داخلية وخارجية ويتجه المهاجرين دائما إلى حيث تكون الظروف الاقتصادية مواتية وفرص العمل مواتية للكسب ورفع مستوى المعيشة.
   ففي إفريقيا زاد عدد السكان نتيجة الهجرة من 1.4 مليون سنة 1900 إلى 10 مليون
نسمة عام 1950 وفي آسيا عدد سكان المدن التي يزيد عدد سكانها عن 100.000 من19.4 مليون عام 1900 إلى 105.9 مليون نسمة عام 1950 أي أن عدد السكان زاد في .3% افريقيا بنسبة 62.9 % وفي آسيا بنسبة 44%.
     أما أبرز المشكلات التي تعاني منها المدينة في العصر الحديث هي  نقص كميات المياه وخاصة مياه الشرب والغذاء عن تلبية احتياجات السكان، وطول مدة زمن الرحلة وتعقيدها خاصة في ساعات الذروة بين أطراف وهوامش المدينة إلى المناطق المركزية فيها بسبب الأتساع المفرط في مساحاتها والامتدادات الهامشية المتزايدة لها، وما ينجم عن ذلك من تعقد حركة في المدن الكبرى.
    ومن هذه المشكلات أيضا فقد مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الجيدة الصالحة للإنتاج بسبب طغيان حركة البناء في هوامش المدن، ومنها انتشار المناطق القديمة والأحياء الفقيرة المعروفة (بالعشوائيات) في بعض أجزاء المدينة ، إلى جانب تلوث بيئة المدن بسبب كثرة المصانع التي تفسد الهواء بدخانها أو كثرة عدد السيارات التي تنفث الغازات السامة من أجسامها أثناء سيرها في شوارع المدن، أو صعوبة التخلص من الفضلات والقاذورات خاصة البقايا الصلبة، وتنتج معظم هذه المشكلات من ضعف السلطات المحلية وعجزها عن القيام بالأشراف الكامل على المدن التي تديرها.


حمل النص بالكامل من هنا 
للتحميل اضغط                   هنا 

للاطلاع والتحميل اضغط      هنا


شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3832018391793669111
https://www.merefa2000.com/