جيوبولتيكية نقمة المكان (كوردستان قدر الجغرافية وتبعات التاريخ) ا.د. فؤاد حمه خورشيد

كوكب المنى يناير 07, 2024 يناير 07, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

 جيوبولتيكية نقمة المكان
(كوردستان قدر الجغرافية وتبعات التاريخ) ا.د. فؤاد حمه خورشيد 

 
فؤاد حمه خورشيد

هذا الفصل بالكامل من كتاب الجيوبوليتكس المعاصر للاستاذ الدكتور فؤاد حمه خورشيد ، الفصل الثالث من الكتاب ، وجميع حقوق الملكية الفكرية محفوظة للاستاذ الدكتور فؤاد .

وأي نقل او اقتباس دون ذكر المصدر والمرجع الأساسي للدكتور فؤاد فهو سرقة علمية واضحة وانتهاك لحقوق الملكية الفكرية.

المدخل:

 

 يحضى المكان، وموقعه، في الدراسات الجغرافية باهتمام خاص ومتميز، لما له دوره البارز في التحليلات الجغرافية في إظهار نتائج وتبعات ذلك الموقع، من النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والسلوكية والجيوبولتيكية، وبيان أثرها على مصير سكانه ومستقبلهم السياسي، سواء أكان ذلك المكان، إقليما، أو دولة، أو قارة بأكملها. وقد تمتع مكان كوردستان وموقعها الجغرافي، عبر التاريخ، بقيمة جيوستراتيجية و جيوبولتيكية كبيرة للاعتبارات التالية:

 

1- موقعها الجغرافي الخطير الذي جعل من جغرافيتها التاريخية مسرحا جيوبولتيكيا لتقرير نتائج ومصير العديد من المعارك الإمبراطورية، للعديد من الأمم الغازية (لوقوعها عند حافات تلك الإمبراطوريات وفي ملتقى طرق الحضارات)[2]، مشكلة بذلك (جسرا يربط هضبة الأنضول بهضبة إيران والذي انتقلت عبره حضارات الشرق والغرب)[3]. وكما يقول البروفسور سولكي: (إذا كان الشرق الأوسط هو ملتقى تلك الطرق العالمية فأن كوردستان هي قلب ذلك الشرق الأوسط)[4]. من هنا تنبع مطامع الحكومات والدول المجاورة واهتماماتها بأرض كوردستان وجبالها وثرواتها، فهي حلقة الوصل الجغرافية الرابطة ما بين أواسط أسيا، وجنوب غربها من ناحية، وما بين قارات العالم القديم من ناحية ثانية*.

كما أنها تشكل الفسحة القارية التي تملأ معظم الامتدادات الجغرافية الواصلة ما بين أربعة مسطحات مائية هي: بحر قزوين والأسود والمتوسط والخليج العربي، لذا فأن هذا الامتداد الجيوستراتيجي لهذه البلاد هو الذي يفسر اهتمام الإمبراطوريات القديمة والقوى المعاصرة بكوردستان، مثل روسيا القيصرية ثم الاتحاد السوفيتي ومن بعدهما كل من الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية.

  2- مساحة كوردستان التي تقدر بـ(500،000) كيلومترا مربعا[5]، والتي تعتبر من الحجوم الكبيرة في مقاسات الدول حسب تصنيفات الجغرافية السياسية[6]. تغطي معظم هذه المساحة سلاسل جبال زاجروس وأنتي طوروس ألبالغ طولها في كوردستان حوالي 1900كم والممتدة من مشارف خليج الاسكندرونة غربا وحتى الزاوية الشمالية الشرقية للخليج العربي مشكلة إحدى دعائم القوة لهذه البلاد من الناحيتين الدفاعية والاقتصادية نظرا لامتدادها الجبلي المحيطي الواسع، إضافة الى كونها كانت منذ العصور التاريخية، ولا تزال، (الوطن القومي للأمة الكوردية)[7]، و (موطن الكورد الأول)[8].

وفي الجغرافية السياسية، تحضي المساحة الكبيرة، باهتمام خاص عند حساب عناصر القوة الجغرافية الكامنة لأي إقليم أو دولة، لاعتبار ان أي بقعة منها يمكن ان تحتوي مستقبلا على موارد طبيعية غير مكتشفة، كما هو حال بترول كوردستان في العصر الحديث. لقد أثبتت التجارب التاريخية، كما يؤكد الأستاذ جمال حمدان، (ان لكل شبر من الأرض قيمة سياسية، منظورة وغير منظورة، كامنة أو كائنة، فمنطق المساحة عمق ستراتيجي هام وحاسم وشرط للحماية)[9]. وبالتالي فان اكتشاف النفط في كوردستان في أوائل القرن الماضي منح هذه الأرض وموقعها ومساحتها قيمة وعنصر قوة إضافيين.

 3 - أهميتها الستراتيجية المتحكمة بقلب الشرق ألأوسط، وممراتها ومفاتيح اجتيازها، التي كانت في نظر الغزاة عقدة أرضية تقف حائلا دون انجاز مطامعهم التوسعية شرقا وغربا، مغولا كانوا أم تتار، بيزنطيين أو أتراك أو عرب. يقول بافيج: (ان مطامع الدول المختلفة بكوردستان نابع أولا من أهمية موقعها الستراتيجي كمنطقة دفاعية بالنسبة لإقليم الأنضول وبلاد ما بين النهرين وإيران)[10]. وهي أيضا دفاعية ومن طراز خاص بالنسبة للكورد أنفسهم، فالمساحة الكبيرة وطبيعتها الجبلية وشعبها الجسور منح قيمة إضافية لأهمية جبال كوردستان الستراتيجية عبر كل مراحل التاريخ القديم والوسيط والمعاصر على حد سواء. لذا تقول ماريا بحق فيما يخص الأهمية الستراتيجية لكوردستان ان (موقع كوردستان شكل تاريخها، وحدد أهميتها الإقليمية والعالمية، وهو العامل الأساسي في فشلها في الحصول على الاعتراف الدولي بهويتها كدولة)[11]، ولعل ابرز قول في الأهمية الستراتيجية لكوردستان، كإقليم متميز داخل الحيز الجغرافي لمنطقة الشرق الأوسط، ودور جبالها في حماية الشعب الكوردي واستقلاليتها الحضارية والثقافية، هو قول، الميجر بورتن: (ان جميع الإمبراطوريات الكبرى التي برزت وسقطت من حولهم، وكل الغزاة الذين عبروا من وطنهم من الشرق الى الغرب وبالعكس، فشلوا جميعهم في ترويض الكورد وفرض ثقافتهم عليهم، فكل من الأشوريين والإغريق والرومان والبارثيين والفرس والعرب والمغول والترك جربوا ذلك وفشلوا في إخضاع هذا الشعب الجبلي)[12].

4- وظيفتها الجيوبولتيكية البينية العازلة، كسلاسل جبلية متصلة بشكل قوس محيطي كبير، بين أعراق مختلفة، كالهندو- أوربية، الطورانية، والسامية.من جهة، وبين حضارات وثقافات مختلفة أيضا، كالتركية، والفارسية، والعربية من جهة ثانية، وبين أقاليم بيئية متباينة كهضبة إيران وصحاريها الداخلية، وهضبة الأنضول شبه الجافة، وبوادي العرب القاحلة. لذا فان بيئة كوردستان الرطبة وشبه الرطبة، ومناخها البحر متوسطي، وغناها النباتي، والحيواني .والزراعي، وامتدادها بين بيئتين فقيرتين طاردتين للسكان، شكلت إقليما أكثر إغراء للقوى الخارجية، وهذا ما منح موقعها الجغرافي، على الدوام قيمة كبيرة عبر التاريخ

من هنا توالت الضغوط السياسية على الأمة الكوردية وهو ما يفسر أيضا، لماذا كانت كوردستان مرارا ضحية لسياسات القوى الخارجية الغازية، القريبة والبعيدة، على حد سواء. وهذا ما يفسر، كما يقول فيرجريف (ظاهرة خروج الجماعات الرعوية الغازية عبر التاريخ من تلك البيئات الجافة نحو هذه البلاد الجبلية الغنية بمواردها الطبيعية المختلفة لتنشر الرعب والاضطراب بين سكانها. الكورد القاطنين في كوردستان عند حافات تلك الصحاري)[13]، كلما عانوا في سني القحط والجفاف، من الجوع والقحط. وكما يقول البروفسور رايت، أستاذ الجيولوجيا في جامعة منسوتا الأمريكية، حول الوظيفة الجغرافية لكوردستان: (ان هذه الجبال تفصل سهول ما بين النهرين عن هضاب إيران والأنضول، وتقسم جنوب غرب أسيا جيولوجيا، وفيزيوكرافيا، ومناخيا، وثقافيا، كما خدمت كحاجز مؤثر بوجه التدخل الثقافي بين شعوب ما بين النهرين وشعوب داخل تلك الهضاب، وإنها تشكل مراع خصبة مغرية للرحل وأشباه الرحل، سكان الأراضي الواطئة المحيطة بها، وفي الوقت نفسه أمنت لسكانها الكورد الجبليين معاقل حماية آمنة)،[14] وبسبب هذه الوظيفة الجغرافية العازلة لكوردستان،
وامتدادها الشاسع، من خليج الاسكندرونة الى الخليج طولا، ومن جبال ارارات الى جبال حمرين عرضا، وللموقع البيني الذي تتمتع به، فقد أصبحت كوردستان، كما تقول ماريا أوشيا: (بموقعها المحيطي هذا تؤدي وظيفة الإقليم أو ألمنطقة العازلة Buffer Zone من الناحية الجيوبولتيكية لأنها تحتل موقع التماس بين أقاليم العديد من الحضارات والأجناس)[15].

 ومن قوانين الوظيفة العازلة في الجغرافية السياسية هي أنها في الغالب، كما تقول مس سامبل، (تتولد منها دولة حاجزة)[16]. ويمكن ان تكون جبال كوردستان كذلك . نقمة المكان الجغرافي: كانت ايجابيات جغرافية هذه الجبال بكل تفاصيلها، عظيمة تجاه الشعب الكوردي في حمايته من الفناء، وفي عزلته الجغرافية، ومحافظته على حضارته وثقافته ولغته الخاصة، وعلى نقاء سماته الانثروبولوجية، ومحافظته لفترة أطول على خصائص الأصول الهندو- أوربية للأمة الكوردية، لكنها كانت في نفس الوقت ذات سلبيات شكلت (نقمة جغرافية) عليه، فنوعت لهجاته، ونمت لدى أبنائه الروح الإقليمية والعشائرية، وحرمتهم من الوحدة السياسية، وتأسيس كيانهم السياسي المستقل، وحولت بلادهم الى ساحة للصراعات الدولية والإقليمية، فتعدد المصطرعين على بلادهم، محولين إياها الى ميادين للقتال الدامي، وملحقين بها الدمار الشامل لمرات عديدة. يقول مارك ميجر: (ان جبال كوردستان كانت رحمة ونقمة على الكورد في تاريخهم الطويل ولعدة فترات، فالجبال المقفلة قدمت لهم الحماية من السيطرة الأجنبية، ووفرت لهم الملاجئ الآمنة للانطلاق في حروب العصابات، كما ان موقع الجبال المركزي (بالنسبة للشرق الأوسط ف.) جعل من كوردستان ممرا للتجارة الخارجية التي استفاد الكورد منها. ومن ناحية أخرى ساهمت هذه الجبال في عزل الكورد عن بعضهم، وعرقلت تطور وحدتهم الحضارية والثقافية وأعاقت تأسيس دولة كبيرة لهم. كما ان موقعها جعل منها منطقة إنذار بالغ الأهمية لإمبراطوريات متنافسة عديدة منها الإمبراطوريتين الرومانية والعثمانية، لكن حرمان كوردستان من السواحل البحرية جعل منها بلادا منسية في عالم التجارة البحرية لمدة 500 عام الماضية لاعتبار ان الطرق البحرية أصبحت واسطة رئيسة للتجارة الإقليمية والعالمية)[17].

 من استقراء إحداث التأريخ الكوردي، العسكري والسياسي، تؤكد لنا حقائق الجغرافية التاريخية والسياسية ان مكان كوردستان لازال يشكل حيزا جغرافيا يتمتع بقيمه جيوستراتيجية كبيرة وهامة في صراعات المنطقة، كما كان كذلك فيما يتعلق بالصراعات والحروب الكلاسيكية للقوى الإمبراطورية عبر التأريخ. لذا فان جبال كوردستان احتفظت بنفس الأهمية الجيوستراتيجية في العصور القديمة والوسطى والمعاصرة على حد سواء وهذه السمة، جعلت من بلاد الكورد ان تكون، هدفا مغريا، وعامل جذب لإطماع القوى الكبرى المجاورة والبعيدة، على حد سواء، مما عرضها على مر العصور لغزواتها وهجماتهم المدمرة والتي ساهمت في زيادة تخلفها وفقرها وفي تعدد ولاءات قبائلها، ومن ثم تجزئتها واحتلالها. ومع ان كوردستان جغرافيا، كبلاد جبلية صخرية، توصف بكونها بيئة محدودة الإنتاجية، وكما تصف المس سامبل البيئية الجبلية بكونها بيئة غير مضيافة (Inhospitable highland) نسبيا[18]، فأن موقع كوردستان وجبالها البيني، والذي سبق ذكره، كان يشكل حتما جغرافيا يجبر الغزاة على المرور عبر ممرات ومسالك جبالها، أو اختراقها، للوصول الى الجانب الأخر، لأنها أصبحت وكأنها منطقة عبور، ترانزيت، وكما تقول المس سامبل (أن وظيفة الجبال أشبه بوظيفة ألبحار والصحارى أنها منطقة ترانزيت وعلى ألإنسان أن يخترقها بسرعة)[19]، وهذا ما يمكن ان نسميه بـ(حساسية المكان الجغرافي وإغراءاته) لكل أولئك الغزاة، مع ان أي منهم لم يفلح في تهجير سكانها الكورد، أو تغيير هوية بلادهم الاثنية، أو سماتهم الحضارية، رغم مرور جيوشهم الجرارة عبر ممرات هذه البلاد.

5- ان الأهمية الجغرافية الكبرى لمكان كوردستان من النواحي العسكرية والاقتصادية جعلت من هذه البلاد مسرحا لمعارك كبيرة لجيوش

أجنبية،في عهود بربرية القوة الشاملة،التي لاتعترف سوى بقوة السيف لتقرير النتيجة النهائية للحرب. لذا فأن كوردستان أصبحت حينذاك ساحة معارك لتقرير المصير الجيوبولتيكي للقوى المتصارعة والعابرة لجبال كوردستان، أي إنها تحولت الى ساحة صراع لتقرير المصير، أو كما تسمى في الجيوبولتيكس، الى منطقة ارتطام (crush zone) بين الجيوش المتصارعة فوق ترابها. صحيح ان جغرافية جبال كوردستان كانت لها منافع على الشعب الكوردي، من ملاذ آمن، واقتصاد ذو اكتفاء ذاتي، والمحافظة عليه من مخاطر الإبادة لتلك الغزوات والهجمات المدمرة، لكن هذه المنافع أثارت عليه نقمة وحسد الشعوب الأخرى القريبة والبعيدة معا، وهذا هو قدر الجغرافية الذي كان على الشعب الكوردي ان يتحمل نتائج

 

 

 

 

 

  6- لقد تحمل الشعب الكوردي الكثير من مآسي تلك الغزوات، سواء أكان مقاوما لها، أو واقفا منها موقف الحياد، أو أرغم على مواجهتها. فقد تعرضت قراه ومدنه وحقوله ومزارعه وثرواته الحيوانية للنهب والسلب والتدمير، كما تعرض هو نفسه للكثير من أعمال

السخرة والاضطهاد والقتل الجماعي والتهجير ألقسري لقبائله بالجملة الى خارج كوردستان، فالغزاة لم يأبهوا بسكان المناطق التي تجتاحها جيوشهم، بقدر ما كانت تهمهم المكاسب العسكرية، وضم الاراضي، وتأسيس الإمبراطوريات، وتلك كانت تبعات التاريخ التي كان على الشعب الكوردي ان يتحمل نتائجها هي الأخرى، مرغما.

7- وبسبب القدر الجغرافي وتبعاته التاريخية المشار إليها آنفا، وانعدام سلطة كوردية مركزية في كوردستان الموحدة، تحولت ارض كوردستان الى ساحة تتصارع فوقها جيوش الإمبراطوريات المختلفة، فصبت الجغرافية، سياسيا وعسكريا واقتصاديا، نقمتها الجيوبولتيكية على الأمة الكوردية وبلادها بما نسميه بـ(جيوبولتيكية نقمة المكان)، لأن

الكورد في النتيجة تحملوا، هم وحدهم، تبعات موقع بلادهم البيني والإستراتيجي بكل خصائص المكان الجغرافية، كإقليم متميز، دفاعيا واقتصاديا وبشريا، وسط أقاليم وبيئات فقيرة وحتم عليهم هذا الموقع الخطير والمتميز لبلادهم ان يدفعوا ضريبة هذا (المكان)، الذي حدد مصيرهم السياسي، وتبعية بلادهم الإدارية السياسية، وفقا لنتائج كل معركة كانت تدور بين المتصارعين من الغزاة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


8- ألمكان والقوة:

 من مجمل ما تقدم لخصائص مكان كوردستان، وموقعها الجغرافي، يمكن التعميم بان أهميتها الجيوستراتيجية والتعبوية، وطرق إمداداتها جعلتها، في الجغرافية الكلاسيكية والحديثة لقارة أسيا، واحدة من أهم الأقاليم الجبلية الضامنة للنصر والسيطرة لأية قوة، كبيرة ومنظمة، غازية لغرب أسيا، ان توفرت لديها إحدى هذه الفرضيات الجيوبولتيكية و الجيوستراتيجية:-

1- ضمان قوة ضاربة منظمة تتمكن من اختراق الممرات الستراتيجية لجبال كوردستان والتحكم بمفاتيح طرقها الشرقية والغربية، وتحويل هذه الجبال بسماتها الدفاعية ظهيرا، من اجل التوسع والاندفاع نحو الجانب الأخر من كتلتها الجبلية.

2- جر العدو الى معارك مصيرية في حافات نطاق هذه الجبال، وفي مواقع مختارة، لضمان النصر، أو إلحاق الهزيمة النهائية بقواته.

3- ان استحال تنفيذ الفرضيتين (1) و (2) فأن جيوبولتيكية التمركز، أو احتلال نصف هذه المنطقة الجبلية، في الأقل، يجعل (توازن القوى) ممكنا بين القوتين الغازيتين، لأن السمة الدفاعية والأمنية والاقتصادية لهذه الجبال ستكون ممنوحة مناصفة لكل طرف.

4- ان تعذر تحقيق (1) و (2) و (3) فأن الحل الجيوبولتيكي يفرض على أحد الطرفين ان يتبنى اختيار تكتيك

المعركة المصيرية في احد المواقع الجغرافية لهذه الجبال، أوفي احد ممراتها الستراتيجية أو احد مواقعها الهامشية وضمان الانتصار على الطرف الأخر في معركة حاسمة وفرض ألأمر الواقع عليه.

9- نقمة المكان والحرب:

1- من عام 612 ق.م وحتى عام 1514م (اى عبر 2126 سنة) لا نعتقد بأن وطنا زحفت عليه جيوش غازية، وعابرة، ومحتلة، ومدمرة في التأريخ القديم والوسيط والحديث، مثلما عانت ارض كوردستان من ويلات هذه الجيوش وصراعاتها القاسية لكل تلك الفترة الطويلة من الزمن.

2- كانت لبعض تلك الغزوات آثار خطيرة، محليا، وإقليميا وعالميا. فقد قتلت تلك الحروب، التي دارت رحالها فوق ارض كوردستان، عشرات الآلاف من البشر، وغيرت نتائج معاركها معالم بعض الأقاليم الاثنية والديموغرافية، وقضت على حكومات وخلفت

إمبراطوريات، لأن تلك الغزوات لم تكن لتلتزم بأي شيء من تقاليد الرأفة أو الشفقة أو الرحمة حتى على سكانها المحليين، بل كانت تهتم، فقط، بإستراتيجية كسب الأرض والغنائم المادية والفتوحات العسكرية وتأسيس الإمبراطوريات. لذا فان ارض كوردستان كانت تبعا لذلك ساحة لتلك المعارك المصيرية التي خاضتها جيوش تلك القوى الأجنبية المتصارعة والمتنافسة التي غيرت بعض غزواتها، تاريخ المنطقة لفترة غير قصيرة من الزمن، لكنها في كل الأحوال لم تستطيع تغيير معالم كوردستان الاثنية، كوطن قومي للشعب الكوردي، مع ان أوطانا أخرى تغيرت سماتها الاثنية بسبب الهجرات البشرية التي تسببت بها تلك الحروب.

3- لقد فرضت جغرافية المكان على الأمة الكوردية ان تواجه، أو أن تتحمل، مرغمة، ما آلت إليه نقمة هذه الجغرافية من ويلات على بلادها جراء تلك

الهجمات والغزوات الدامية سواء أكانت آتية من الشرق: من أسيا الوسطى، أو من الغرب: من اليونان أو أرض العرب. فالغزاة الآتون من الشرق (الفرس، المغول، التتار، والتركمان)، كان عليهم ان يجتازوا جبال كوردستان واحتوائها قبل ان يتمكنوا من الهبوط غربا نحو سهول بلاد مابين النهرين أو دخول الأنضول. وعلى عكس ذلك، كان على غزاة الغرب (كالمكدونيين والبيزنطيين والعرب والترك) ان يجتازوا كذلك جبال كوردستان واحتوائها ليتمكنوا من التوجه شرقا نحو إيران واسيا الوسطى، فبدون ذلك فان جغرافية المكان لجبال كوردستان كانت تشكل عقبة كأداء أمام أي اجتياح عسكري لها ما لم تقدم في سبيل ذلك تضحيات جسام. وان تصادف ان تواجهت قوتان متصارعتان لاحتواء كوردستان وتعذر على إي منهما تحقيق ذلك الاحتواء، وتخندق كل طرف فوق نصف أو جزء من هذه البلاد، فأن من شأن ذلك، ان يخلق بينهما نوعا من توازن القوى. عندئذ سيكتفي كل طرف باحتلال ذلك الجزء والتخندق فيه فترة، قد تطول أو تقصر، ومعنى ذلك ابتلاء الأمة الكوردية بأكثر من محتل واحد، في زمن واحد، لأراضيها.

 4- لقد تم اختيار خمسة معارك

تاريخية حاسمة كنماذج صارخة على خطورة الموقع الجغرافي لأرض كوردستان بطبيعتها الطبوغرافية الجبلية ووظيفتها الجغرافية البينية والعازلة، وبإمكانياتها الاقتصادية الزراعية والرعوية المتواضعة. فهذه المعارك المصيرية، باستثناء الأولى منها، والتي دارت رحاها جميعا فوق المسرح الجغرافي لهذه البلاد الكوردية، كان لها شأن خطير في مجمل التأريخ الكوردي، وتأريخ المنطقة والعالم القديم بأسره، لأنها دللت بما لا يترك الشك أو الشبهات على (جيوبولتيكية نقمة مكان كوردستان) على الأمة الكوردية، لأنها كانت ألأمة الوحيدة المتضررة من هذه النقمة الجغرافية رغما عنها. أما المعارك الخمس حسب تسلسلها الزمني فهي:-

 

1- معركة نينوى عام 612 ق.م.

2- معركة كوكاميلا عام 331ق.م.

3- معركة نهاوند عام 642 م.

4- معركة ملاذ كورد عام 1070م.

5- معركة جالديران عام 1514م.

 

وفيما يلي أهم النتائج الجيوبولتيكية المترتبة على نتائج هذه المعارك:

 

1-   معركة نينوى 612 ق.م:

كان الميديون في صراع دائم مع الأشوريين، مثلما كان البابليون يواجهون، هم أيضا، الضغوط الأشورية. لقد أرهبت الدولة الأشورية، بغاراتها المتكررة على القرى والمستوطنات الميدية، سكان ميديا الذين كانوا يدافعون عن بلادهم ضد تلك الهجمات قبل وبعد تأسيس الدولة الميدية ولحين سقوط الدولة الآشورية وانتهاء دورها في التأريخ القديم. لم يخطط الميديون هجومهم الشامل والنهائي على بلاد آشور إلا زمن ملكهم الثاني كيخسرو ((cyaxares للإطاحة بهذه الدولة التي لازمتهم العداء. ففي 615 ق.م جهز الملك الميدي كيخسرو جيشا منظما من المشاة والخيالة والعربات الحربية لضرب قلبي المملكة الآشورية، مدينتي آشور ونينوى، من جهتي الشمال والشرق والغرب، وتم له ذلك في عام 614ق.م فدمر مدينة آشور أولا، وفي عام 612 وصلت القوات البابلية بقيادة الملك نبوبلاسر، للمساهمة في ذلك

الحصار، من الجنوب والغرب والتعاون مع القوات الميدية في إسقاط الدولة الآشورية. وعند أسوار نينوى أتفق الملكان، الميدي والبابلي، على عقد معاهدة تعاون عسكري لضرب وإسقاط الدولة الآشورية واحتلالها[20]. وقد عزرت هذه المعاهدة، فيما بعد، بزواج ملكي حيث زوجت الأميرة (اماتيس) ابنة الملك الميدي كيخسرو الى نبوخذ نصر بن الملك البابلي نبوبلاسر[21].

وفي مايس في عام 612ق.م ساهم الجيشان ألميدي والبابلي في معركة نينوى بعد حصار لها دام ثلاثة أشهر، أسفر عن اجتياح المدينة وتدميرها وقتل وأسر من فيها وكان من بين القتلى آخر ملوك آشور (سن- شار- أشكوم). وبموته ماتت الدولة الأشورية التي أقلقت المنطقة فترة طويلة من الزمن، وتشكلت على أنقاضها قوتان

عظيمتان، بمقياس الجغرافية السياسية لذلك الزمن، هي: الإمبراطورية الميدية التي امتدت أرجاؤها من افغانستان شرقا وحتى نهر (هاليس) قزيل أيرمق في وسط تركيا الحالية[22]، والدولة البابلية التي امتدت الى الغرب منها في الهلال الخصيب وكان السور الميدي في وسط العراق الحالي يفصل مابين أراضي الدولتين الحليفتين.(أنظر الخارطة)

ان احد التفسيرات الجغرافية، للصراع الميدي-الأشوري، يعزى الى تفاوت قدرات بيئتي الطرفين، جبال ميديا وسهول نينوى. لذلك تقول المس سامبل (ان السهول تملك ما لا تملكه الجبال، هذه حقيقة أساسية في الجغرافية الاقتصادية، فقد قاد ذلك الى أحداث تاريخية وصراعات، وما هجوم الميديين الجبليين على أشور وتدميرهم لنينوى ألا صراع من هذا النوع[23]).

ان سقوط نينوى على يد الميديين هز العالم القديم. لقد وصف الرسول اليهودي نحوم (Nahum) الجيوش الميدية المهاجمة على المدينة التي كانت ذات يوم سيدة مدن الشرق الأوسط بما يلي[24]:

 المهاجمون قادمون يا نينوى

 الجنود بدروع حمراء

 والمحاربون يرتدون ألبزات القرمزية

بمركباتهم الحربية ألتي تحمل الحديد

في يوم استعدادهم للهجوم

لوحوا مهددين برماحهم المسمارية

مركباتهم الحربية كانت تعصف في الشوارع

مندفعة نحو الأمام والخلف عبر الباحات

تبدو أشبه بالمشاعل المتوهجة

ترشق السهام كالبرق

لقد استدعيت قطعات النخبة

التي كانت تتزاحم في الطرقات

نحو أسوار المدينة، اندفعوا

لقد وضع الدرع الحامي في المكان المناسب

اقتحمت منافذ النهر، وتم العبور انهار ألقصر، واستولي عليه.

 

 

 

 

 

 حدود الإمبراطوريتين الحليفتين الميدية والبابلية بعد سقوط آشور

 

من نتائج معركة نينوى هذه تحول جيوبولتيكية (نقمة المكان) لأول مرة في التأريخ الكوردي القديم لتصب غضبها على الدولة الأشورية أولا، وبالمنفعة على الأمة الكوردية ثانيا، فبعد هذه المعركة تحرر الشعب وخضعت كل سلاسل جبال زاجروس (كوردستان) وانتي طوروس لجيوش الميديين، وهذا مكن الشعب الميدي من ان يصبح قوة كبرى مهابة الجانب في غرب أسيا حكمت من عام 700-550ق.م، هو عمر الإمبراطورية الميدية (الكوردية)[25]، وهذا ما يتلاءم مع الفرضية الأولى من الفرضيات التي سبق ذكرها.

 

2-     معركة كوكاميلا (Gaugamela) عام 331ق.م[26]:-

كان قدر كوردستان ان تدور رحى هذه المعركة الطاحنة، بين جيش ألاسكندر المكدوني، وجيش داريوس، إمبراطور الفرس آنذاك، على ارض كوردستان شمال غرب مدينة اربيل بحدود 90كم، فوق رابية دعيت بـ(كوكاميلا)، لذلك تعرف هذه المعركة أحيانا بمعركة اربيلا، وذلك في اليوم الأول في شهر تشرين الأول من عام 331ق.م. وبموجب الأسلوب الكلاسيكي للمعارك، فأن اى معركة كان عليها ان تستمر لحين هزيمة احد الطرفين المتحاربين، فبعد ان انتصر المكدونيين، خسر الفرس خلال هذه المعركة 47000 قتيلا، مقابل 4000 قتيلا من الجيش المكدوني، وهي ثاني اكبر معركة ينتصر فيها ألاسكندر المكدوني على داريوس بعد معركة أيسوس عام 333ق.م. وبهذا النصر للمكدونيين تحولت كوردستان، بسبب نقمة المكان أيضا، الى إحدى مقاطعات الإمبراطورية المكدونية. ومع ان ألاسكندر لم يتدخل في تغيير اى من تقاليد وممارسات الإدارات القبيلة الكوردية، فقد ساعد ذلك على ترسيخ الهيمنة الكوردية على جبال زاجروس (كوردستان).

ومن وجهة النظر الجيوبولتيكية ليس هناك من شك في ان هذه المعركة غيرت مجرى تأريخ غرب أسيا برمته، فقد خضع هذا الجزء الواسع من القارة، بما فيها كوردستان، للسيادة الهيلينية لقرون عديدة، وتأثر سكانها بالثقافة

اليونانية الكلاسيكية علما وأدبا. وهذا الانتصار الساحق للاسكندر المكدوني في الموقع الذي اختاره، يتفق والفرضية الثانية من الفرضيات التي اعتمدها البحث.

 

3- معركة نهاوند عام 641 ميلادية:

تعتبر معركة نهاوند من المعارك الفاصلة في التأريخ الإسلامي والتي حدثت زمن خلافة عمر بن الخطاب (رض) سنة 642م قرب بلدة نهاوند الكوردية عمق جبال زاجروس، والتي انتصر فيها المسلمون بقيادة ألنعمان بن مقرن مع انه قتل في نفس المعركة[27] زج الملك الفارسي يزدجرد الثالث بما تبقى من فلول جيوشه المهزومة في القادسية وطيسفون (المدائن) وبحدود 5000 مقاتل، مقابل 30000 ألف مقاتل من المسلمين. لكن الهزيمة النكراء فوق ارض كوردستان ألحقت بالفرس، الذين بهزيمتهم، انتهى حكم الدولة الساسانية بعد ان دام 416 سنة. وتبعا لهذا الانتصار الساحق للمسلمين، والذي عرف (بفتح الفتوح)[28]، فقد تمكن المسلمون العرب من عبور جبال كوردستان والتوجه منها شرقا حتى تخوم الصين، وبسبب نقمة المكان انتقلت التبعية الإدارية والسياسية لكوردستان، هذه المرة، من الفرس الى العرب، فأصبحت كردستان جزءا من ممالك الدولة العربية الإسلامية، وكما تقول السيدة عايدة العلي: كانت من أحدى النتائج المترتبة على فتح إيران ودخول العرب الى المناطق التي يسكنها الكورد والتي كانت جزءا من الإمبراطورية الساسانية وأصبحت في عداد مناطق الخلافة العربية المترامية الأطراف[29]، كما وانتقل سكانها من الديانة الزردشتية الى الديانة الإسلامية، وبذلك اكتسبت الأمة الكوردية سمة حضارية جديدة كان لها تأثيرها في مسار التأريخ الكوردي ألاحق. وهذا الانتصار يتفق ومتطلبات الفرضية الثانية أعلاه.

 

 

 4- معركة ملاذ كورد (Manzikert) 1071م:

تعرف هذه المعركة في المصادر الانكليزية   بـ(Manzikert battle) أو (Malazgirt) والأصح هي (Mlazkurd) وملاذ كورد هي مدينة كوردية تقع شمال بحيرة وان، ضمن ولاية موش، في كوردستان وتركيا. والمعركة التي دارت بجوارها والتي عرفت باسمها كانت من المعارك التاريخية الدامية التي دارت رحاها في قلب الأراضي الكوردستانية بين جيش البيزنطيين بقيادة الملك رومانوس، والسلاجقة الأتراك بقيادة زعيمهم ألب أرسلان قادمين من أواسط أسيا والمتجهين غربا نحو كوردستان وغرب الأنضول وبلاد ما بين النهرين. لقد قدر عدد الجيش البيزنطي بحدود 40000 مقاتل، قابلهم فيها جيش بدوي سلجوقي تعداده 54000 مقاتل[30]. وكان من نتائجها الخطيرة والمؤثرة، ليس في تأريخ الشرق الأوسط وحسب، بل في تركيبته الاثنوغرافية، وتشكيلية السكانية، ونظامه السياسي، وبخاصة بالنسبة لأسيا الصغرى وما وراء القفقاس.

يقول المؤرخ المشهور سدني فشر: (بعد معركة ملاذكورد 1071 نهبت العصابات التركية أسيا الصغرى حتى مدن سيواس، قيصري، وقونية والى شواطئ مرمره، وبعد ان فتحت أسيا الصغرى كلية للغزاة لمدة تزيد عن قرن، وجدت العديد من القبائل الرحالة التركية ان مناطق وجبال وممرات الأنضول جذابة للسكن والاستقرار فسمي هؤلاء بالتركمان)*.[31]

لقد انتصر السلاجقة الغزاة في هذه المعركة ودحر البيزنطيون واسر ملكهم. وتغيرت تبعية ألأقاليم الإسلامية، الإدارية، والسياسية، بما فيها كوردستان. فنقمة المكان هذه المرة تتمثل في خضوع كوردستان لحكام جدد أكثر قسوة وفضاضة من سابقيهم، ألا وهم أتراك أسيا الوسطى، فأصبحت اللغة والحضارة التركية، باعتبارها حضارة الحكام الجدد، ثقافة السلطة الجديدة التي فرضت بالإكراه ولم يتقبلها الشعب الكوردي. بعدها بدأت الهجرات التركية من أسيا الوسطى بكثافة نحو القفقاس وأذربيجان واسيا صغرى وبخاصة بعد أن عشش ألسلاجقة في هضبة الأنضول، والجزء الغربي في أسيا الصغرى. هكذا تسببت نقمة المكان، وتغير موازين القوى المسيطرة، في ان اصبحت كوردستان، في كل مرة، إقليما تابعا لسلطة، فبعد ان كانت خاضعة للفرس، انتقل خضوعها على التوالي للمكدونيين والعرب ثم البيزنطيين فالسلاجقة ألأتراك. وهذا يتفق ومتطلبات الفرضية الرابعة المذكورة أعلاه.

ان اخطر ما مارسه السلاجقة والموجات التركية اللاحقة ضد الأقاليم، التي اجتاحوها واحتلوها وحكموها، هو محاولتهم العبث في مكونات تلك الأقاليم الاثنوغرافية ومحاولة تتريكهم وتهجيرهم بالقوة، وفرض لغتهم وحضارتهم عليهم بالإكراه، وخاصة بعد ان انتشرت جيوشهم القاسية التي خلت ضمائرها من الشفقة أو الرحمة، فنهيت المحاصيل وهدمت البيوت وخطفت النساء واحترقت الحقول والبساتين وهجرت السكان، كما حدث ذلك في أذربيجان التي تمكنوا من تتريكها، وكذلك تتريك هضبة الأنضول والقسم الغربي في أسيا الصغرى، ومن ثم توارثوا الحكم، بعد إسلامهم، الذي ساعدهم على فرض سلطتهم وسياستهم تلك. ولعل اخطر ما في نتائج احتلال السلاجقة الأتراك لكل الأراضي الممتدة من أواسط أسيا حتى القدس، كما يقول فيرجريف، هو بدء الحروب الصليبية في ذلك الوقت لأنهم قضوا على الإمبراطورية الرومانية الشرقية عام 1453.[32]

وما يهم هنا هو فشل كل محاولات الغزاة الأتراك، من سلاجقة، وخرفان بيضاء، وسوداء، وعثمانيين وغيرهم، في تتريك الأمة الكوردية أو فرض حضارتهم على كوردستان. رغم أنهم تركوا، بعد هذه المعركة، الباب مفتوحا للهجرات التركية أو التركمانية نحو الشرق الأوسط. لقد حاول الأتراك بمختلف فصائلهم اقتحام كوردستان وتشجيع الترك أو التركمان على السكن فيها، لكنهم واجهوا مقاومة بطولية عنيفة من قبل القبائل الكوردية المحاربة التي حالت دون تنفيذ ذلك المخطط الأسود، لذا نجد اليوم ان الاثنية التركية أو التركمانية تتركز في إقليمين محيطين بكوردستان الأول شرق كوردستان، في أذربيجان، والأخر في غربها، وسط الأنضول وغرب أسيا الصغرى، اما كوردستان الجبلية، التي تتوسطها، ضلت عصية عليهم ولم يفلحوا في تغيير أثنيتها الكوردية مثلما غيروا أثنية أذربيجان الفارسية، وأسيا الصغرى الارمنية والهيلينية واليونانية.
فحول هذا الموضوع يشير الكاتب الإيراني حسن عرفه، في كتابه (The Kurds) مايلي عن دور جبال كوردستان في ذلك: (لم يجرؤ الأتراك على السكن في كوردستان، فبعد تتريكهم لأذربيجان عبروا جبال كوردستان من بعض مسالكها ليدخلوا السهول الخصبة لأسيا الصغرى متجهين نحو بحر ايجة غرب الأنضول وشواطئ البحر المتوسط الدافئة، فاستقروا فيها مختلطين مع السكان الأصليين لتلك المناطق من الكبادوكيينcappadocians والفريجيانphrygians والليديينlydians والميسيين mysians والكيريانزcarians والبمفيليانز pamphylians وأذابوهم معهم في اقل من قرنين من الزمان،ان عدم تمكن الأتراك من الاستقرار في جبال كوردستان التي تقطنها القبائل الكوردية الشرسة يعكس الحقيقة القائلة، ان بين المنطقتين التي يتكلم بها شعب باللغة التركية -أذربيجان في الشرق والأنضول في الغرب بقيت المنطقة الواسعة الممتدة بينهما، ارض كوردستان، التي ضل الشعب الكوردي محتفضا فيها بلغته النقية وبعاداته المعروفة لحد الآن، دون تأثر، رغم أنهم لم يتمتعوا باى استقلال سياسي، لذا بقوا تحت سذاجة حكامهم وإداراتهم وتبعيتهم للسلطة السياسية المتسلطة عليهم مما اكسبهم سمعة لا تليق بهم، فقد ألحقت بهم سمة العصيان ومخالفة القانون وغير ذلك من النعوت الباطلة)[33]. لقد كانت هذه التهم أسهل الإدانات للأفراد والجماعات والقبائل الكوردية، عند جميع القوى التي تسلطت وحكمت بلاد الكورد، طالما ضل الشعب الكوردي موحدا صامدا بوجه طغيان تلك السلطات الأجنبية ورافضا لها فكما يقول مولتكه، المستشار العسكري الألماني زمن السلطان محمود: (سوف يكون من المستحيل التغلب على الكورد إذا ما وحد صفوفهم)[34].

 

5- معركة جالديران (Chaldiran):-

أحد أشهر المعارك التي خاض غمارها الأجانب فوق أديم كوردستان. وقعت هذه المعركة فوق سهل جالديران، قرب قرية جالا آشاخي، على بعد ستة كيلومترات الى الغرب من مدينة سياجه شمه، جنوب مدينة ماكو الكوردستانية، في 23أب 1514م بين الجيش الإيراني (ألصفوي) بقيادة الشاه إسماعيل ألصفوي والجيش العثماني (التركي) بقيادة السلطان سليم الأول، حيث حشد الإيرانيون جيشا بلغت تقديراته 100000 مقاتل، في حين جند العثمانيون لهذه المعركة بحدود40000 مقاتل[35].

قدر الجغرافيا هذه المرة في ان تدور رحى هذه المعركة فوق كوردستان،مرة أخرى، ليتحمل الشعب الكوردي أوزارها المأساوية، كما حدث له في المعارك السابقة. فقد حاولت الدولتان المتجاورتان المتنافستان احتلال جبال كوردستان لأهميتها الستراتيجية والاقتصادية، لكن أي من القوتين لم يتسنى لها تحقيق ذلك لتمركز قوات كل منها في جزء من هذه الجبال، فكل دولة كانت لها أهداف محددة فيها، فالإيرانيون خاضوها من اجل احتلال كوردستان بالكامل لدرء خطر تأسيس إمبراطورية سنية معادية على حدودهم الغربية، بينما أمل العثمانيون منها كسر شوكة الفرس والحد في تداخلاتهم ومعاداتهم الدائمة لدولتهم الفتية، وكان الطرفان يعتمدان على أهمية جبال كوردستان ومنعتها في تحقيق ذلك، لكن النتيجة كانت في صالح الدولة العثمانية حيث دحر الجيش الفارس وأسر ملكه فيها، بعد ان خسروا فوق ارض المعركة 5000قتيل، مقابل 2000 قتيل من العثمانيين[36]. وهذا ما يتفق والفرضية الثالثة أعلاه.

ولعل أهم أسباب هزيمة الفرس في هذه المعركة، التي حددت مستقبل العلاقات السياسية بين الدولتين ورسمت معالم الحدود الفاصلة بينهما، وشطرت ارض كوردستان الى قسمين، هو ان العثمانيين استخدموا لأول مرة المدفعية التي أخفيت عن أنظار الفرس لحين استخدامها في المعركة[37]، وكان من نتائج هذه المعركة بالنسبة للعثمانيين هو توغل الجيش التركي في الأراضي الإيرانية حتى عاصمتهم تبريز* ثم انسحابه منها، بعد ان ضمنوا سيطرتهم على كوردستان الشمالية والجنوبية. أنهت هذه الحرب التمردات العلوية داخل الدولة العثمانية كما أنهت التهديدات الإيرانية للدولة العثمانية لكنها لم تنهي الحرب بينهما والتي استمرت 124 سنة أخرى بينهما حتى انتهت بتوقيع معاهدة زهاو عام 1638 والتي حصلت بموجبها إيران على المناطق ذات الغالبية الشيعية مثل أذربيجان ولورستان وعربستان، أما القسم الغربي من كوردستان فخضع للعثمانيين وفقدته إيران بشكل دائم، فالحروب أجبرت الطرفين على رسم الحدود الدولية بينهما وان نصبح كوردستان منطقتي نفوذ للدولتين، بمعنى ظهور أول تقسيم دولي للوطن الكوردي، وهكذا جعلت نقمة المكان من الوطن الكوردي، كما يقول ديفد رومانو: (نقطة التقاء للإمبراطوريتين العثمانية والفارسية، وهذا كان يعني أن العديد من الأمارات الكوردية استخدمت كمناطق حاجزة أو أرض معارك بين هاتين الإمبراطوريتين)[38]. وهذا ما يتفق الفرضية الثالثة التي سبق ذكرها بسبب حصول كل طرف على الميزات الستراتيجية لذلك الجزء الجغرافي من كوردستان، الذي احتله وتمسك به، وهذا الوضع الجيوبولتيكي ربما هو الذي ساعد على إيجاد نوع من توازن القوى بين الطرفين.

أما على الصعيد الكوردي فقد أرغمت جيوبولتيكية نقمة المكان في هذه المعركة، الدولة العثمانية على القبول باستقلال الإمارات الكوردية ضمانا وتأكيدا لحماية حدودها في هذا الجزء من كوردستان ضد التوسع الإيراني والتسليم بإداراتها الذاتية تحت قياداتها المحلية. وجدير ذكره هنا (ان الأمراء الكورد وقعوا بعد هذه المعركة، في عام1516 مع الدولة العثمانية على اتفاقية مكنت الدولة العثمانية من إلحاق كوردستان الكبرى (الأصح النصف الغربي منها. ف) بالدولة العثمانية مقابل احتفاظ الكورد بإماراتهم وحكوماتهم ذات الحكم الذاتي[39]. إلا كسواتر دفاعية أمامية للدولة العثمانية لمواجهة الدولة الصفوية الشيعية، وكان ذلك

التوجه العثماني يمثل ضرورة أمنية لخدمة تلك المرحلة وليس إيمانا منها بحقوق الكورد الوطنية والسياسية، لذا فان الأمر لم يدم طويلا، فسرعان ما انقلب السلاطين العثمانيين اللاحقين على الكورد، وخاصة بعد حكم السلطان محمود الثاني (1809-1890)، إذ أصدرت الحكومة العثمانية عام 1826 قرارا بالقضاء على الإمارات الكوردية وأمرت بتعيين حكام ترك محلهم، مما أدى الى توالي الثورات القومية الكوردية في تلك الدولة[40].

 

الأستنتاجات:

يتضح من كل ما تقدم أن جيوبولتيكية نقمة المكان، أي تحول دور وأهمية مكان كوردستان، من ارض جبلية لحماية وصيانة ووحدة الأمة الكوردية واستقلالها السياسي الى ساحة تتصارع عليها الجيوش الأجنبية الغازية طمعا في احتلال كوردستان، للتوجه بعدها الى الأقاليم التي تمتد بعدها، وتحويل جبال كوردستان الى ميدان لصراع القوة عبر ذلك الزمن الطويل، وانعكاس مرارة ذلك الصراع

على أهل البلاد فضلا عن تقسيم وتجزئة كوردستان، هو الذي جعلنا نعبر عن تلك الإحداث بـ(نقمة المكان) على أهله. وهذه النقمة أوصلتنا الى الاستنتاجات التالية:-

 

1- أن الموقع الجغرافي لكوردستان (مكانها) هو الذي شكل تاريخها منذ أن وجد الشعب الكوردي فوق جبال كوردستان منذ الألف الثالث ق.م وحتى يومنا هذا، وهو الذي حدد أهميتها الجغرافية والجيوستراتيجية، الإقليمية والدولية. كما أن نقمة المكان وما ترتبت عليه نتائج معارك كل الغزاة الأجانب من اضطهاد ومظالم وتقسيم لأراضي بلادهم وضمها واحتلالها، كان العامل الحاسم في فشل كوردستان في الحصول على استقلالها الكامل ونيل الاعتراف الدولي بهويتها كدولة ذات سيادة لحد الآن.

2- تشير هذه الإحداث التاريخية ونقمها، التي ألحقت بالشعب الكوردي بوضوح لا لبس فيه، الى ان تلك القوى الغازية، العابرة أو المقتحمة، لجبال كوردستان، شرقية كانت أم غربية، كانت كلها قوى منظمة بخلاف الشعب الكوردي الذي كان مشتتا بين قبائل أو إمارات صغيرة وبدون قيادة مركزية

موحدة، وحسبما يقول المؤرخ القدير أ.ل.فشر (ان القوة المنظمة تستطيع دائما ان تهزم الرأي غير المنظم)[41]، وهذا يعني ان الأمة الكوردية كانت ولا تزال أحوج ما تكون الى وحدة الكلمة، ووحدة القيادة، لتجاوز مخاطر وتهديدات نقمة المكان التي لا تزال قائمة.

3- ان كل القوى التي غزت الشرق الأوسط، بما فيها كوردستان، بدوية كانت أم حضارية، كلها كانت قوى منظمة، منضبطة تحت قيادة موحدة، لذلك كسبت المعارك وأسست الدول والإمبراطوريات. في حين كان الشعب الكوردي شعبا قبليا مفككا يفتقر للقيادة الموحدة، وكان هذا هو السبب الذاتي المزمن في عدم حصوله على استقلاله، وتشكيل دولته، وبقائه تابعا، وبلاده مجزأة ومدمجة ببلدان أربع حتى الوقت الحاضر.

 

4- أن جيوبولتيكية نقمة المكان وما ترتب على نتائج المعارك التي عالجها البحث فان الباحث توصل الى الفرضيات الجيوبولتيكية الثلاث التالية بخصوص القوى التي تناوبت السيطرة على كوردستان:

 ** أن القوة التي كان بإمكانها السيطرة على جبال كوردستان، كان بإمكانها امتلاك مفاتيح النصر شرقا أوغربا.

 

 **ان القوة التي تمتلك تلك المفاتيح، كان بإمكانها السيطرة على الأقاليم المجاورة، واحتلالها، وتأسيس الإمبراطورية.

 

 **ان القوة التي ليس لديها مثل هذه القدرات وتمركزت في جزء من هذه الجبال وتخندقت فيه، فان من شأن ذلك، ان يمنحها نوعا من توازن القوى فوق ارض كوردستان، مع أية قوة منافسة أخرى، أوقات الحرب.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1] - كتب هذا الفصل بالاشتراك مع أ.. د.جزا توفيق طالب.

[2]-Cart Dahlman، (the political Geography of Kurdistan)، Eurasian geography and economics، vol.43، no.4، 2002، p.271.

[3]- General staff، Mesopotamia expeditionary force، Military report on Mesopotamia، (Aria 9)، Central Kurdistan، Simla، Government monotype press، 1920، p.1

[4] -Ralf S. Solecki، (Shanider: the first flower people)، Alfred A. Knopf، New York، 1971، p.14.

*قبل تحول طرق التجارة الدولية في العالم القديم من الطرق البرية الى الطرق البحرية، بعد اكتشاف فاسكودي كاما رأس الرجاء الصالح عام1497، كانت كوردستان هي ملتقى تلك الطرق البرية (طرق القوافل)، كالطريق الإمبراطوري الذي فتحه الملك الفارسي داريوس في الحقبة الأخمينية والممتد من سوسه الى ساردس عبر اربيل والذي كان يخترق معظم أراضي كوردستان وطريق الحرير الذي كان يربط الشرق الأقصى بأوربا عبر أراضي كوردستان مع ذلك ضلت كوردستان تتمتع بنفس الأهمية من النواحي العسكرية والإستراتيجية (السوقية) لجيوش القوى المحيطة بها.انظر:

Maria T.O shea، (Trapped between the map and

realityGeography and perception of Kurdistan)، Routledge، New York، London، 2004، p.18

وكذلك: جوناثان راندل، (أمة في شقاق: دروب كردستان كما سلكتها)، ترجمة فادي حمود، دار النهار، بيروت،1997،ص31.

[5]- خارطة كوردستان مطبعة أليأس، القاهرة، 1947،الملحق، ويؤكد ذلك ايضا الدكتور كونتر دشنر في كتابه: أحفاد صلاح الدين، ترجمة عبد السلام مصطفى صديق،1992،213 وKristiina Koivunen في أطروحتهThe Invisible war in North Kurdistan ص79

 وذكرت دائرة المعارف الفرنسية أن مساحة كوردستان تبلغ530000 كيلومترا مربعا، وأشارت إليها ماريا أوشيا بأنها ما بين 400000 - 450000 كيلومترا مربعا، راجع:

-Encyclopaedia Universalis، vol، 9، 1968، p.719.

-Encyclopaedia Universalis، Corpus 13، 1989، p.380.

- Maria T.O shea، Op.Cit. p.18.

[6]دول كبيرة جدا تزيد مساحتها عن 2،5 مليون كم مربعا مثل كندا وروسيا. وهناك دول أخرى تسمى بالدول القزمية مساحتها ما بين نصف كم مربعا، مثل الفاتيكان، و62 كم مربعا مثل سان مارينو. أنظر:-

Martin Ira Glassner، (Political Geography)، Johnwiley&Son Ibc، New York، Singapore، 1993، p. 66.

[7]-General staff، op. cit.، p1.

[8]- دانا ادم شمدت، (رحلة الى الرجال الشجعان)، ترجمة جرجيس فتح الله المحامي، مكتبة دار الحياة، بدون سنة طبع،ص 342.

[9]- جمال حمدان، (الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى: دراسة في الجغرافية السياسية) ومكتبة مدلولي، القاهرة، 1966، ص342.

[10]بافيج، (كردستان والمسالة الكردية)، ترجمة برو،ط1، 1978، ص 10-12.

[11]- 10-Maria T. O Shea، op. cit.، p.189.

[12]- Major H. M. Burton، (The Kurds)، Journal of Royal Central Asian society، vol. Xxxi، part 1، January، 1944، p.72.

[13]- جيمس فيرجريف، (الجغرافيا والسيادة العالمية)، ترجمة علي رفاعة الأنصاري ومحمد عبد المنعم الشرقاوي، مكتبة النهضة العربية، القاهرة، 1956، ص97.

[14]- H. E. Wright، (Pleistocene glaciations in Kurdistan)، Elsceitaltier und Gegenroaart، Band 12،spite، 131-164، Ohringer،Wurtt1،November1961، p.136.

والترجمة العربية: ه. ا. رايت، (العصر الجليدي البلاستوسيني في كوردستان)، ترجمة فؤاد حمه خورشيد، مطبعة دار الجاحظ، بغداد، 1986، ص17.

[15]- Marsh، Dwight W.،) the Tennesseean in Persia and Koordistan (، Philadelphia: presbyterian Board of publication، 1869، p110. and: Maria T .O shea، Op.Cit. pp.19، 25.

[16]-15-Ellen Churchill Semple، (Influences of Geographic Environment on the basis of Ratzel system of Anthropo-Geography)، Kentucky، 1911، p.440.

[17]--Mark R. Major، (No friends but the mountains: assimilation of Kurdistan)، Social Education، vol.30، no، 3، 1996، p.21.

[18]- Ellen Churchill Semple, op. cit. p.440.

[19]- ibid، p.440

 

[20]فؤاد حمه خورشيد، (أصل الكورد)، مطابع دار الشؤون الثقافية، بغداد، 2006، ص19.

[21]-Herodotus، (The History) penguin book، 1984، pp.80-96. And، George Roux (Ancient Iraq) Applicant

book، 1966، p.341.

[22]-Mehrdad R. Izady، (The Kurds: A concise Handbook)، Taylor&Frances، Washington D.C.، 1992، p.32-43.

[23]Ellen Churchill Semple، op.cit.p.485.

[24]- The fall of Nineveh. http//www.livius.org/ne-nn/Nineveh/ninevehol.html،p2 of 3.

[25]- Henry Smith Williams، (The historian history of the world)، Vol.2، 14th Edition، New York، 1926، p. 380، and، Herodotus، op cit.، 81-96.

[26] -Barry porter، (Battle of Gaugamela: Alexander versus Darius)، Military History، September 17، 2002، at www.history net.com.

[27]- للتفاصيل راجع: أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، (تاريخ الطبري)، ج5، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، 1998، ص318.

[28]- عزالدين ابوالفتح علي، (الكامل في التاريخ) ج2، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1989، ص186.

[29]- عايدة العلي سري الدين، (المسالة الكردية في ملفات الس

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3832018391793669111
https://www.merefa2000.com/