أزمات المرور في بنغازي وطرابلس وعلاقتها بالسياسة الاقتصادية للدولة ماجد ميلود الجاسية وهيثم أحمد اقجام

كوكب المنى مايو 27, 2023 مايو 27, 2023
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

 أزمات المرور في بنغازي وطرابلس 
وعلاقتها بالسياسة الاقتصادية للدولة

ماجد ميلود الجاسية وهيثم أحمد اقجام 





بوابة الوسط - وجهات نظر- الثلاثاء 06 أبريل 2021

  أزمة المرور تعانيها الكثير من مدن العالم، تتفاوت هذه المشاكل في حجمها وأسبابها. كذلك الحلول تتفاوت ما بين حلول موقتة قد تزيد من تفاقم الأزمة إلى حلول جذرية مدروسة تمكن الشبكة للعمل بكفاءة لعقود مع خطط ممتازة للصيانة والتأهيل. مدينتا بنغازي وطرابلس ليستا في معزل عن مشاكل المرور وتبعاتها التي تؤثر سلباً على الاقتصاد والبيئة والحياة الاجتماعية داخل وخارج المدينة، المتمثلة في المناطق المحيطة بهما.

  في أواخر العام 2015 بدأنا دراسة تحليلية استغرقت عدة سنوات من التدقيق والبحث عن أسباب تدني كفاءة شبكة المرور لهذه المدن، وحاولنا أن نكون أكثر موضوعية في تقصي الأسباب الكامنة خلف تلك الأزمات سواء من آراء المستخدمين (سائقي السيارات والركاب وسائقي الشاحنات والمشاة... إلخ) أو من خلال البحث العلمي باستخدام التكنولوجيا الحديثة المتاحة.

  العجيب في الأمر أننا كنا نتوقع عند البدء في الدراسة أنه (إذا عرف السبب بطل العجب) ولكن كانت الأسباب في أغلب الأحيان تقودنا إلى التفكير في أمور أعمق ولها علاقة مباشرة بسلوك المستخدم والمؤسسات الحكومية المسؤولة عن التطوير والمتابعة، وليس بالشبكة ذاتها فقط. لهذا السبب قررنا أن نقسم البحث لقسمين، وهما دراسة مشاكل الشبكة وطبيعتها ودراسة سلوكيات المستخدم، وهو المستفيد الأول من هذه الشبكة.

   ما لمسناه ممن يحاولون حل الأزمة على النطاقين العام والخاص، مشكورين على جهودهم وبالأخص في وجود التحديات التي تعصف بالبلاد، هو أنهم يبحثون عن الحلول السريعة وغير المكلفة، دون النظر إلى «الأسباب» التي يجب قياسها وتحليلها قبل الشروع في التفكير في تلك الحلول التي قد تقلب المعادلة رأساً على عقب بعد تطبيقها. سوف نسرد هنا، وبإيجاز، بعض الأسباب التي كانت خلف أغلب مشاكل المرور بالمدن الرئيسية في ليبيا وسوف نتطرق لبعض الحلول وليس جميع الحلول المتاحة لأنها تحتاج لأكثر من مقال.

1- أسباب مشاكل شبكة النقل بمدينتي بنغازي وطرابلس مركبة وتراكمية، أي أنها قد تعود لتردي تخطيط المدن في الثلاثة عقود الأخيرة، خاصة في المناطق القديمة التي لم يتم تطويرها أو العشوائية، التي لم يتم تخطيطها بشكل مناسب حسب متطلبات ومواصفات التخطيط العمراني أثناء طلب الترخيص للبناء وأثناء المتابعة. تلك الأسباب تراكمت عبر الزمن لتشكل عبئا على الدولة في مشاريع الصيانة والمشاريع التنموية.

2- أسباب مشاكل شبكة المرور التي لها علاقة بالنمو السكاني المتسارع في المدن واتساع الرقعة السكانية غير المتحكم فيها من قبل الدولة التي بدورها زادت من عدد المركبات الخاصة بالمدينة.

3- أسباب لها علاقة بالبنية التحتية وهذه الأسباب تعود إلى عدم التأسيس الصحيح والمدروس للبنية التحتية. على سبيل المثال لا الحصر، قرابة 63% من الطرق في مدينة بنغازي غير معبدة بالطريقة المناسبة أو أنها تحتاج إلى صيانة أو إعادة تأهيل مع غياب شبه تام للشبكات المصاحبة كالصرف الصحي وصرف مياه الأمطار وغيرها (تم حساب هذه النسبة بشكل تقريبي لعدم توافر بيانات دقيقة).
4- أسباب لها علاقة بسلوك المستخدمين كالسرعة وعدم احترام لوائح وقوانين السرعة.
5- عدم تنوع وسائل النقل وانعدام وجود وسائل النقل المستدامة، التي انتهت منذ فترة طويلة بسبب ثقافة المجتمع وعدم تعاطي الدولة مع ذلك بالطريقة السليمة كالحافلات العامة والقطارات والدراجات، إلخ.
6- يتضاعف عدد السيارات على الطرق بشكل ملحوظ، وهذا يكلف البلاد الأموال الطائلة في عدم وجود قاعدة بيانات لعدد المركبات والمستخدمين والحوادث التي تصف الوضع القائم بشكل يمكن الاستفادة منه في تصميم وشغيل الشبكة.

قد يشعر البعض من الوهلة الأولى بأنه لا علاقة بين النظام الاقتصادي المتبع في ليبيا وبين ما يعانيه الشارع من اختناقات مرورية ازدادت تفاقماً خصوصاً في السنوات الأخيرة، وقد يشير البعض إلى أن هذه الأزمة قد تكون في المواسم كالأعياد وشهر رمضان وأنها أزمة تخطيط عمراني وبنية تحتية إنشائية لا علاقة لها بالنظام الاقتصادي السائد أو الطبيعة البنيوية لأولويات الصرف في الميزان العام للدولة. بالرغم من الأهمية القصوى للدور الهندسي والإنشائي في تخطيط المدن وعلاقتها المباشرة بتحسين جودة الخدمة المرورية وتخفيض نسبة الاختناقات في المدن الرئيسية إلا أن هناك جانبا مهما جدا ينعكس على ثقافة المواطن ويؤثر بشكل مباشر على سلوكه في الاستهلاك والتوجه لسلع وخدمات ومنتجات معينة أو تركها. هذا الحال ينطبق تماماً على سلوك المواطن في زيادة حجم هذه الاختناقات من عدمها.

إن النظام الاقتصادي المتبع في دولة ليبيا يساعد بشكل كبير على تأزم حركة المرور والاختناقات المرورية. ولذلك يجب على الدولة البدء في طرح النقاشات والحلول المقترحة والتوصيات بشأن تغيير سلوك المستهلك عن طريق تغيير السياسة الاقتصادية العامة للدولة. على سبيل المثال لا الحصر: التوقف التدريجي والمدروس عن الدعم الكلي للمحروقات والاكتفاء بدعم جزئي لكل مواطن يحمل رخصة قيادة لا تتعدى 10 لترات أسبوعياً، وذلك قد يتم عن طريق بطاقات تمويل إلكترونية يمكن متابعتها بشكل دقيق ومتمكن.

الأمر الذي ينعكس على سلوك المستهلك ويحثه عن توفير وسائل النقل البديلة والبحث عن وسائل أقل تكلفة والذي بدوره سوف يحث القطاع الخاص على الابتكار والمنافسة في تقديم الخدمات الأفضل. وبهذه الطريقة سوف يتم أيضاً كبح جماح عمليات تهريب الوقود التي تعاني منها مناطق الجنوب الليبي وتحرمهم من وصول الوقود إليهم. إن قررت الدولة رفع الدعم على المحروقات يجب ألا يكون قراراً جزافياً ومرتجلاً، بل يجب على الدولة دراسة تداعيات هذا القرار وتوفير البدائل في الوقت المناسب وبشكل تزامني مع القرار.

وفقاً لما سبق وفي ظل وجود مناخ سلبي لاقتناء المركبات يجب أن يكون من أولويات الدولة دعم شركات النقل العالمية أو المحلية ذات الخدمات الجيدة والمريحة حتى يتسنى للمواطن الحصول على أجود خدمة بعد استغنائه عن مركبته الشخصية. الأمر الذي ينعكس بالتالي على انخفاض كبير في حجم الاختناقات المرورية التي نشهدها في وقتنا الحالي.

ويجب على الدولة والجهات ذات الاختصاص الإسراع في وضع خطة على المديين القصير والطويل لحل أزمات المرور بالمدينة. هذه الخطة يجب أن تراعي التنمية والوضع الاقتصادي للمدينة ولأهميتها للمدن والقرى المحيطة، كذلك يجب أن يدرج فيها طرق توعية المستخدم بدءاً من المدارس والجامعات إلى المؤسسات الحكومية والخاصة.
إن وجدت النية الصادقة للإصلاح سوف ننجح في حل الأزمة وسوف تكون مسألة وقت ليس إلا، وأن المتاح من الحلول والتكنولوجيا اليوم مع حجم أزمة المرور بالمدينة يعتبر صغيراً أو متوسطاً مقارنة بما تعانيه الدول الأخرى ويجب على مسؤولي الدولة النظر من زاويا أخرى لحل المشكلة ومشاكل اقتصادية أخرى لها علاقة بما هو قائم.

__________________________

* ماجد ميلود الحاسية، أستاذ زائر بجامعة مونتانا للتكنولوجيا وباحث سابق في المعهد الوطني لتكنولوجيا النقل المتقدمة بجامعة أيدهو بالولايات المتحدة الأميركية.
** هيثم أحمد اقجام، مهتم بالشأن الاقتصادي والمصرفي.

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3832018391793669111
https://www.merefa2000.com/