قراءة في كتاب سوسيولوجيا الجنسانية العربية ، الديالمي

كوكب المنى يناير 26, 2022 يناير 26, 2022
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

 قراءة في كتاب سوسيولوجيا الجنسانية العربية ، الديالمي



يعد المفكر المغربي عبد الصمد الديالمي من أهم علماء الاجتماع العرب اللذين اهتموا بالجنس كدرس سوسيولوجي من خلال دراسته أمبريقياً، الأمر الذي جعله يشيد الدعمات الأولى لهذا الحقل المعرفي في البلدان العربية، واعتباره مبحث في غاية الأهمية، لكونه يسمح لنا بفهم وتفسير جملة من الوقائع والظواهر الاجتماعية. ومن أهم أسهاماته المعرفية : المرأة والجنس في المغرب (1985)، المعرفة والجنس (1984)، القضية السوسيولوجية (1989)، نحو ديمقراطية جنسية إسلامية (2000)، المدينة الإسلامية والأصولية والإرهاب- مقاربة جنسية (2008). وكذلك إسهامات باللغة الفرنسية من قبيل : Logement, sexualité et Islam (1997) ; Les maladie sexuellement transmissibles, construction sociale et Comportement thérapeutique (1997) avec Lisa Manhart ; Jeunesse, Sida et Islam (2000).


عن المُؤَلَف: المضمون المعرفي  


ركز المؤلف في بداية كتابه تحت عنوان”الجنسانية في المجتمع العربي المعاصر“، على توضيح مفاهيمي ما بين العربية والإنجليزية لكل من مفهوم الجنس، الهوية الجنسية، الجنسانية. محاولا تبيان التحولات التي عرفها حقل الجنس من موضوع خطاب علمي عند العرب إلى مزاح وسخرية في تبادل الكلام اليومي، حيث أستشهد بقول فتحي سلامة في هذا الباب قائلا: مالا يوجد كمفهوم لا يوجد بالمرة، فيضطر إلى التعبير عن نفسه في أشكال قولية وسلوكية مرضية (مزاح، نكتة، تحرش، كبت، هذيان،…).


يؤكد السوسيولوجي عبد الصماد الديالمي على أن مفهوم الجنسانية Sexuality هو ظاهرة شمولية تتجاور البعد البيولوجي للإنسان إلى ما هو نفسي، ديني واجتماعي وثقافي وسياسي وقانوني، ومن هذا البعد التركيبي يقاربها المؤلف وفق خمس مستويات:  أولها؛ المستوى السيكو-فيزيولوجي ويعنى بالإثارة، الانتصاب، القذف، الذروة الجنسية، وثانيها المستوى الرمزي الثقافي المتمثل في الختان، الإفتضاض…، أي توظيف المعطى البيولوجي كفعل ثقافي من أجل التنشئة الاجتماعية. ثالثها المستوى النمطي المتجسد في تقنيات بلوغ الذروة الجنسية، تعني؛ طرق الجماع، هوية الشريك الجنسية. المستوى الرابع هو المستوى المؤسساتي الذي يهتم بالأطر الاجتماعية للفعل الجنسي ( الزواج، الأسرة). وفي الأخير المستوى الإيديولوجي الذي يرتكز إلى أنظمة الرقابة و التدبير و التبرير الخاصة بكل مجتمع ( التمييز بين المقدس و المدنس)[1].


 

وفي هذا الصدد قارب الباحث المنظومة العربية وكيفية بنائها للهويات الجنسية، وعليه تم إستحضاع النسق الجنساني للأنظمة التربوية التي تقوم عليها، باعتباره نسقا ثنائيا تراتبيا يحتوي فاعل له السلطة (يُولِج ولا يُولَج) وهو دائما رجل، ومفعول به ذو موقع دوني (كل عنصر يُولَج كالزوجات، الأطفال، الجواري، اللوطيين، البغايا..). ومنه نستنتج أن القيمة السوسيو ثقافية المعطاة للهوية الرجولية (الفحولة) بفعل الإيلاج؛ تضمن له التفوق والسيطرة، على عكس المرأة التي لا يحق لها الإحساس بالمتعة الجنسية، لأنها ستتحول من امرأة محترمة (الزوجة، الأم) إلى امرأة محتقرة (باغية، عشيقة…).


إن الأطر الاجتماعية للجنسانية العربية الجديدة المتمثلة في القالب القانوني الذي تنهجه المجتمعات العربية المعاصرة الهادف لتنظيم الأسرة والجنس، إلا أنه ساهم في بروز تغير على مستوى السلوكات الجنسية الأكثر انفتاحا التي تصطدم في أخر المطاف مع المعايير الدينية. واستند الباحث في هذا إلى ثلاث عناصر أساسية: أولها الأشكال الجديدة للزواج؛ حيث عرف العالم العربي بشكل عام ارتفاع في معدل السن عند الزواج الأول من خلال ظهور أشكال جديدة لزواج المتجسدة في زواج المسيار؛ ويقصد به السير و المرور على الزوجة من حين لأخر، ثم نجد الزواج العرفي؛ الذي يعني إبرام عقد دون توثيق، إشهار، أو سكن مشترك. ويعتبر إلى حد ما البديل السني لزواج المتعة عند الشيعة[2].


 

يُرجع عبد الصماد الديالمي هذا التضخم في الجنسانية البغائية المتفشية في المجتمعات العربية إلى تحول البغاء من نشاط بيولوجي إلى عمل جنسي مأجور غير مهيكل بغية مواجهة الفقر و البطالة في ظل غياب سياسات تنموية مستديمة أي كإستراتيجية فردية للخروج من زاوية القهر الاجتماعي. كما وأصبح كذلك العمل الجنسي لفائدة بعض اللوطيين لتحقيق رغباتهم الجنسية المثلية و إخفاء توجهاتهم وراء الكسب من أجل العيش.


الأمر الذي جعل حسب المؤلف الجنسانية قبل الزواجية تظهر بشكل كبير في صفوف الشباب رغم التحريم الديني و المنع القانوني ، هذا ما أثبتته الدراسات الميدانية التي أقيمت في هذا الصدد، مقرة الموقف الإيجابي للنشاط الجنسي قبل الزواج لدى الشباب، عن طريق ممارسات جنسية بديلة (سطحية، شرجية، فموية،…) غايتها الحفاظ على غشاء البكارة، وفي حالة فقدانها تلجأ الفتيات لإعادتها بشكل اصطناعي.


سلط الضوء كذلك في هذا المدخل  على المشاكل الجنسية الاجتماعية التي يعرفها المجتمع العربي من خلال  ثلاث مشاكل رئيسية :


 

أولا– جرائم الشرف؛ حيث تظل المرأة الضحية الرئيسية التي تتحمل مسؤولية شرف عائلتها أثناء تعرضها لجريمة الاغتصاب لكونها خرقت النظام القبلي الذي تحتكم له العائلة. و يعتبر القتل قضية عائلية لا دخل للقضاء فيه[3]، ثانيا– الاضطراب الإنتصابي والفياغراViagra ؛ إن فقدان شخصية الرجلة للفحولة سيعرضه لتهمة عدم الرجولة نظرا للارتباط العميق بين الرجولة و الفحولة. ومنه فأن العجز المادي أو الاقتصادي للرجل سيتم تعويضه بالنشاط الجنسي المكثف لفرض سيطرته وهيمنته على المرأة[4]، ثالثا– الإيدز كمدخل إلى التربية الجنسية؛ يتميز العالم العربي  حسب تقرير المنظمة العالمي للصحة عام  1995 بضعف انتشار داء فقدان المناعة المكتسب (الايدز، السيدا…)، لكن هذا الضعف راجع لسببين: عدم تشخيص المرض لقلة الإمكانيات التقنية و المادية، أو عدم التصريح الرسمي بالعدد الحقيقي لاعتبارات قومية، دينية، اقتصادية،… في خضم هذه السيرورة ثم نهج أشكال لتغيير السلوك الجنسي في اتجاه الوقاية باستعمال الغشاء/الواقي الذكري، والذي لازال مرتبطا بالجنسانية الغير الزواجية المدنسة في اللاشعور العربي الإسلامي[5].


خصص القسم الأول الموسوم بـ “العمل الجنسي” لدراسة حالة المغرب، حيث قام  بتقسيمه إلى سبعة محاور أساسية وفق المضامين التالية :


العمل الجنسي في المغرب

يؤكد الباحث في بادئ أمر أن دراسة هذا الموضوع بشكل موضوعي تستدعي بالضرورة القطيعة مع الحس المشترك وأحكامه المسبقة، نظرًا لحمولاتها السلبية الموجهة للمرأة التي تمارس الجنس مقابل أجر مادي. إن ما يميز العمل الجنسي بالأساس هو الربط بين الجنس والأجر، ومنه وجب علينا التمييز بين ثلاث وظائف مرجعية له : الوظيفة الاقتصادية؛ تكمن في مساهمة العمل الجنسي المأجور في تنشيط الاقتصاد الوطني، وفي حل كذلك أزمة بطالة الشباب. وعلى هذا الأساس تصبح الدولة في نظر الباحث تعيش في تناقض بين التجريم القانوني والتحريم الديني وبين السماح بوجود العمل الجنسي وتأديته لوظائفه النفعية المتعددة. الوظيفة التربوية؛ تتضح لنا من خلال التعلم الجنسي الذي بدأ ينفك بشكل نسبي عن إطار الزواج بالنسبة للفتاة بشكل خاص، وكذلك لجوء الشباب للعاملة الجنسية بهدف اكتشاف الجنس والحصول على تجربة جنسية مكتملة؛ أي أن الجنس لم يعد يرتبط بمؤسسة الزواج فقط. وأخيرا الوظيفة الإيروسية؛ تتمثل في هروب الزوج من العلاقة التقليدية الكلاسيكية نحو العاملة الجنسية للحصول على علاقة جديدة تجعله يتمتع بالاستغلال الكلي للجسد.


العمل الجنسي و الصحة العمومية

يمكن النظر حسب الباحث للعمل الجنسي وعلاقته بالصحة العمومية من خلال بعدين أساسيين؛ البعد الاجتماعي والبعد الطبي. فالأول يتضح البعد من خلال بنية المجتمع المغربي اللاّسليمة، باعتباره مجتمعًا ينتج البطالة، التشرد، الطلاق، الهجرة…، مما يساهم في بروز عاملات الجنس واستجابتهن لرغبات الزبائن المتعددة والمتنوعة و الشاذة. في حين يتجلى البعد الثاني في تفشي الأمراض المنقولة جنسيا بين فئة العمال الجنسيين، إذ يصعب على الدولة الاهتمام بشكل مباشر بهذه الفئة وخلق وعي صحي لديها، نظرًا لأنها غير معترف بها قانونيا.


تصدير العاملات الجنسيات المغربيات إلى دول الخليج

يؤكد عبد المؤلف أن التطور الكمي المتصاعد للعمل الجنسي المأجور جعله عملا مرئيا، إذ كشف على أن العاملة الجنسية نادرًا ما تشتغل لحسابها، في الكثير من الحالات ” تعمل الفتاة لصالح “قوادة” أو عشيق قواد أو رب عمل يستغلها لجلب الزبائن إلى مقاولته”[6]. أي أنها تعمل لصالح الشبكات المنظمة الوطنية والدولية. كما استنتج أن” هناك عددا مهما من العاملات الجنسيات المغربيات يعملن في إسبانيا، خصوصا في المدن السياحية مثل ماربيا”[7]. وتقوم هذه الشبكات المنظمة حسب الباحث على سلعنة الأجساد في إطار العولمة الليبرالية الجديدة، ومن شروط هذا التسليع انحدار الفتاة من الفئات الاجتماعية الفقيرة، لتحويلها لسلعة قابلة للتصدير في السوق الجنسية المعولمة.


العمل الجنسي بين الاقتصادي والثقافي

اهتم في هذا المستوى بفكرة أساسية تفيد أن العمل الجنسي المأجور تتم مزاولته العمل بغية كسب لقمة العيش هذا من جهة، أما من جهة أخرى نجد كذلك عمل جنسي يستهدف تسلق السلم الاجتماعي، أي تغيير الانتماء الطبقي لتبني نمط حياة استهلاكي، وبه تراجعت نسبيًا الأهمية سوسيوثقافية لقيمة غشاء البكارة في الثقافة المغربية، خصوصا عند الطبقات الاجتماعية العليا على عكس الطبقات الاجتماعية الدنيا لأن هذه الأخيرة أكثر ارتباطا بالعادات والتقاليد والأعراف الدينية. وهذا راجع في اعتقاده إلى الديناميت الاقتصادية التي حققها العمل الجنسي المأجور، وكذا مساهمة الجامعة في الفك النسبي لحبال الرقابة عند الفتاة، بالإضافة إلى السياحة الخليجية التي عززت السياح الجنسية هذا من جهة


العمل الجنسي سياسة عمومية غير مهيكلة

يروج المغرب تجاريا للعمل الجنسي من خلال الحديث عن “اقتصاد البغاء” باعتباره عملا يساهم في حل مشكل بطالة الشباب، وجلب العملة الصعبة. ففي بعض المناطق الأمازيغية لا يعتبرون العمل الجنسي فسادا بل كان مقبولا اجتماعيا لاعتبارات اقتصادية، بمعني أن العاملة الجنسية بإمكانها أن تتزوج وتعيش حياة شريفة من منظور المجتمع. نلاحظ كذلك تسامح الدولة مع هذا العمل رغم تجريمه من طرف القانون الجنائي والتحريم ديني، الأمر الذي يعتبره الباحث تناقض في جهاز الدولة المغربية، لكونها تعمل على نشر هذا العمل الجنسي المأجور وعدم هيكلته، بغرض استغلاله كمورد اقتصادي لفك أزمة البطالة، وكذا كتخدير أيديولوجي إلى جانب الخمر والمخدرات، بالإضافة إلى الإقبال المرتفع للإجهاض وإعادة غشاء البكرة، وهو مؤشر مهم للبرهنة  على وجود سياسة جنسية إباحية غير مهيكلة. هذا الأمر زاد من توسيع شبكات التجارة في الجنس وطنيا ودوليا.


العمل الجنسي الرجالي

ذهب الباحث في هذا المحور لتوضيح أن العمل الجنسي العلني يختبأ وراءه عمل جنسي رجولي/مثليون، وأن المجتمع المغربي يعترف ويتفهم ممارسة الرجل له مقابل لقمة العيش، لكنه يرفضه كممارسة مقابل اللذة. إذ أصبح جسد الرجل سلعة قابلة للبيع و الشراء. إن السبب في ظهر هذا العمل حسب الباحث يرجع لعوامل اقتصادية بحثة، فرغم النزعة المحافظة التقليدية للمجتمع المغربي إلا أنه في الوقت ذاته مجتمع عربي-أمازيغي يتميز بليبرالية جنسية واضحة.


سابعا: العمل الجنسي، مجرد غطاء للمثلية الجنسية الرجالية


 

خلال أواسط السبعينات ثم التخلي عن مفهوم الشذوذ الجنسي وتعويضه بالميل الجنسي؛ أي أن يكون الفرد غيري أو مثلي الميل الجنسي، من خلالها يتبنون مبدأ الضرورة البيولوجية المتجسدة في حق المتعة الجنسية. لكن هذا الأمر حسب عبد الصماد الديالمي يصعب النظر إليه نظرة موحدة في المجتمع المغربي، نظرا للتحريم الديني والتجريم القانوني له. وعليه يلاحظ أن تطور نظرة المجتمع للمثلية ترجع إلى الحداثة وفكرها بالدرجة الأولى، لكن تتغير هذه النظرة حسب المؤشرات السوسيولوجة التالية؛ السن، مكان الإقامة، المستوى الدراسي. ففي أغلب الأحيان يتم تقبل العامل الجنسي المثلي الذي يضحي من أجل كسب عيشه، على المثلي الشاذ الذي يمارس مثليته. ويصعب  في نظره أن يتبنى مثلي الجنس في المجتمعات الإسلامية مطلب علمنة الجنس، بإخضاعه للمنطق العلمي وتنظيمه وفق قانون وضعي يرجع إلى فلسفة حقوق الإنسان.


أما القسم الثاني من هذا المؤلَف خصصه الباحث عبد الصماد الديالمي لـ “الأمراض المنقولة جنسيا“. معتمدا فيه كذلك على دراسة المغرب وفق سبعة محاور تحليلية وفق التدرج التالي :


البناء الثقافي للأمراض المنقولة جنسيا في المغرب: إشكالية الأسماء

ترتبط الأمراض المنقولة جنسيا في المخيال الاجتماعي الشعبي بالجنسانية السيئة اللاشرعية/الشاذة، وتشكل هذه الأمراض الصحة العمومية بالمغرب، فحسب آخر إحصاءات وزارة الصحة لا تقل عدد هذه الإصابات عن 600 ألف حالة سنويا. وتتمثل انعكاسات في العقم والعجز الجنسي. لكن الدلالة الثقافية لهذه الأمراض تؤدي بصاحبها إلى الوصم العار والتهميش، ويتعرض للاستخفاف والاستهزاء، خصوصا فئة الرجال مما يقوده لفقدان رجولته، وشرفه. وثم تشخيص أسماء هذه الأمراض في 33 اسما تنشطر إلى أسماء وطنية (من بينها: برد النساء، الشنكر، الجربا، مرض الوالدا، النوار، السيلان، والزهري…) وأسماء محلية جهوية (مثل: حريق البول، حك جلدي، مرض الرجال، برد الذكر…) وعليها قام الكاتب بتشخيص الأنماط المعتمدة في المنطق المغربي، التي تتجسد في أنماط عضوية، عرضية، سببية، جنسية، ورمزية.


البناء الثقافي للأمراض المنقولة جنسيا – إشكالية الأسباب و أنماط الانتقال

حسب الباحث إن التمثلات المغربية في تفسير الأمراض المنقولة جنسيا تحتكم إلى البناء الثقافي أكثر من المنظور الطبي، ويتبين ذلك في الخلط بين مفهومي السبب ونمط الانتقال. فما هو متداول “هو أن أسباب الأمراض المنقولة جنسيا هي الميكروب، النساء، العلاقات الجنسية، التصافح مع المصاب بالسيدا، عدم احترام النواهي الدينية، العقاب الإلهي…”[8]. وبناءا على المعطيات الميدانية تمكن الباحث من توزيع الإتيولوجيا العفوية إلى أربع حقول:


حقل البرد؛ إن البناء الثقافي المغربي يفسر الأمراض المنقولة جنسيا، كسبب و كنمط انتقال. من بينها “برد العيالات” فيعتبر الرجل ضحية أمام سيلان المرأة، لكونه يفقد رجولته، نظرا لكون ملكية البرد خاصية انثوية/المرأة عكس الرجل المتميز بالحرارة والفحولة.

حقل الفساد؛ جل الممارسات الغير شرعية التي تحيل عن الخيانة الزوجية، تعدد الشركاء الجنسيين، الجسد، الشارع، اللواط…، التي تؤدي إلى الإصابة و المرض.


 

حقل العدوى(القرب الجسدي)؛ متجسد في إمكانية انتقال هذه الأمراض بدون ممارسة جنسية، بسبب تجاور الأجساد وفقط، كمرض السل أو حالات الطاعون. وينقسم هذا الحقل إلى: نمط غير جنسي يشمل الإفرازات الجسدية (التنفس، الدم و العرق…) وليس بضرورة المني، والنمط الثاني يتعلق باستعمال حوائج المُصاب الأمر الذي يقود إلى الإصابة.

الحقل اللامرئي؛ مرتبط بالمخيال الثقافي التقليدي بين الأمراض المنقولة جنسيا وبين السحر أو العين، حيث يتم الاعتقاد بأن تنتقل هذه الأمراض جنسيا عن طريق العلاقات الجنسية بين الجن والبشر.

البناء الثقافي للأمراض المنقولة جنسيا في المغرب – الإبدميولوجيا العفوية

تعرف عموما الإبدميولوجيا بعلم دراسة الأوبئة، لكن في هذه المراحل الأخير بدأت  تهتم بأنماط الأمراض وانتشارها و تطورها. كما يقسم الباحث الإبدميولوجبا العفوية إلى  ثلاث سمات رئيسية؛


إبديميولوجيا أخلاقية؛ التي تربط بين الأمراض المنقولة جنسيا والسيدا والسلوك اللاأخلاقي وبالفئات الاجتماعية اللاأخلاقية كذلك. وتتضح خصوصا في فاعلي الخيانة الزوجية ونقلهم للأمراض إلى الأسرة. يتبين هنا الارتباط بين اللاأخلاق و المدينة باعتبار الحضريين أكثر عرضة للإصابة مقارنة بالقرويين.

إبدميولوجيا كارهة للمرأة؛ المقرة بأن المرأة هي مصدر للأمراض المنقولة جنسيا لأنها حاملة للبرد، أي أنها طبيعيا تملك “فرج مفتوح على العالم الخارجي”[9]. لكن على عكس هذا تثبت الدراسات انخفاض نسبة النساء المصابات بالسيدا مقابل ارتفاع  نسبة الرجال.

إبدميولوجيا كارهة للأجنبي؛ تعني أن كل فرد ينتقل من مكان لأخر معرض للإصابة بالأمراض المنقولة جنسيا. كما يعتبر الأجنبي كذلك جحيم حامل لخطر الإصابة بداء فقدان المناعة المكتسب واعتقاد بعض المبحوثين “أن النساء الأوربيات يأتين إلى المغرب ويعتمدن إصابة شبان المغاربة”[10].

أما فيما يخص الإبدميولوجيا الرسمية، لا تختلف في المغرب على البناء الثقافي أيضا، لكون الإحصائيات المقدمة في هذا الصدد لازالت ترتبط بالفئات اللاشرعية والشاذة عكس البلدان الأوربية.


الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيا

خلص الباحث في هذا المحور إلى أن  معظم المبحوثين  لهم عدة معارف حول أهيمة وضرورة الوقاية لكن هذه المعرف لا يتم ممارستها في الحياة اليومية، إذ جعلت لنا شلخ كبير بين المعرفة والوعي من جهة، والوعي والسلوك من جهة أخرى. ويمكن تصنيف هذه السلوكات وفق ثلاث خانات: الأولى تكمن في غياب الوعي بالخطر وغياب الوقاية على مستوى السلوك، وتشمل الثانية السلوكات الجنسية غير المحمية رغم الوعي بالخطر، وتتجسد الثالثة في الوعي بالخطر بفضل سلوكات محمية ملائمة. ويقوم هذا التصنيف على التقابل بين المعرفة والوعي.  أي الوعي بخطر الفيروس داء فقدان المناعة المكتسب يشير إلى تحول المعرفة النظرية إلى واقع معاش. إضافة إلى ما سبق سجل الباحث أن الإيذر يقهر التضامن الإجتماعي الذي يميز الجماعة، فبسبب الفيروس تضحي الجماعة بالفرد المصاب حفاظا على صورتها وشرفها.


ثقافة اجتماعية ضد الغشاء الواقي

من خلال الدراسات المنجزة في هذا المجال، تبين أن المنطق المغربي يقرن بين الغشاء الواقي والجنسانية الغير الزواجية على أنها جنسانية لا أخلاقية تهدد صحة الفرد والمجتمع، وعليه يرث الغشاء الواقي كل الصور السلبية. وفي نفس الوقت لا يقف هذا الغشاء عند حماية الأبوة اللإرادية فحسب بل يقي الرجل أيضا من التعرض لأفعال سحرية تفقده فحولته وتجعله خاضعا للإرادة المرأة.


الوقاية أو الاجتهاد المغلق

يرى الباحث أن إشكالية العلاقات الجنسية الغير الزواجية لدى الشباب وعلاقتها بالدين الإسلامي جعلت المبحوثين يقرون بالعودة إلى زواج المتعة والزواج العرفي، بحيث يعتبر حلا يهدف للتوفيق بين الإسلام و الجنس قبل الزواج، وتحريم الزنا، وتجريم العلاقات الجنسية الغير الزواجية. على خلاف الآخرون الذين ينددون بضرورة تحريم وإباحة العلاقات الجنسية قبل الزواج ويعتبرون مرض الإيدز عقاب الله ضد الزنا.


مهنيو الصحة أو الوقاية العلمانية المعلقة:

خلص الباحث إلى أن تعليمات مهنيي الصحة الخاصة بالوقاية تتأرجح بين اتجاهين متعارضين: اتجاه يقترح تغيير السلوك الجنسي وتقييده بالزواج، فمحاربة العلاقة الجنسية الغير الشرعية تقترن بالوقاية من الأمراض المنقولة جنسيا. بينما الاتجاه الثاني يعتبر المرضى المصابين بالأمراض المنقولة جنسيا مرض عاديين ويفرضون عليهم استعمال وسائل تقيهم من المرض باستعمال الغشاء الواقي، وفي نفس الصدد تنصح وزارة الصحة من خلال البرامج الوطنية لمحاربة الإيذر باستعمال غشاء الواقي إلا أنها لم تجرأ على إضفاء الشرعية على العلاقات الجنسية الغير الشرعية.


ركز في القسم الأخير الموسوم بـ “التربية الجنسية” على ضبط الحدود المعرفية لمفهوم التربية الجنسية، وعرض الحذر الابستيمي الذي وجب تجنبه في هذا المفهوم، وأجملها الباحث في ثلاث مخاطر؛ أولها خطر الاختزال، ففي الحس المشترك تعني اكتساب وإكساب تقنيات الممارسة، لكن هذا المفهوم يشمل مضامين أخرى أعمق، كالمضمون الفيزيولوجي، وقائي، ضد الإنجاب. ثانيها خطر الخلط بين التربية الجنسية والتنشئة الجنسية، وتعني هذه الأخيرة بناء هوية الفرد النوعية. بينما الخطر الثالث ناتج عن إسقاط معرفي وإيديولوجي، يتبين لنا من خلاله أن لكل مجتمع بشري تربية جنسية خاصة به، بمعنى أننا نحاول العثور على مقابل تقليدي لمفهوم التربية الجنسية الحديث والحداثي في منظومتنا الفكرية والثقافية.


 

كما سلط الضوء على أهمية قرص المانع للحمل والغشاء الواقي في تحرير النشاط الجنسي من مخاطر الحمل والمرض، وأصبح هذا النشاط مباحا  ولم يعد للجنس أي مخاطر صحية واجتماعية على الفرد و المجتمع. وأن التربية الجنسية تمنع من تحويل الجنس إلى تابو، لكن هذا لا يعني أنها منافية للأخلاق بشكل مطلق. الأمر الذي يفضي إلى جعلها ضرورة عمومية وجب الإقرار على تدريسها من أجل أن يتأتى لنا تربية الشباب على معرفة الجسد. كما لاحظ الباحث أن المجتمع المغربي تغير تغيراً ملحوظ في الممارسات الجنسية لدى فئة الشباب، إلا أنها تقف عند حدود البكارة في العديد من الأحيان، في هذا المستوى ميز الكاتب بين البكارة الدينية والبكارة التوافقية، إذ يمكن اعتبار هذه التجارب الجنسية بمثابة توفيق بين إلحاح الرغبة الجنسية وشدة التحريم الديني.


عرج على فشل القوى اليسارية التقدمية في تقديم أطروحات/خطابات بديلة، عكس ما هو متعارف عليه، وتكمن أهمية اليسار اليوم في تربية الأطر و تكوينهم  من خلال إدماج التربية الجنسية في المشروع التربوي العام. وعليه يجب عقد مناظرة من طرف قوى اليسار حول القضية الجنسية بهدف صياغة ميثاق يساري تقدمي يهيكل و يؤسس لسياسة جنسية وطنية.


في حين الملاحظة المسجلة من طرف الباحث على وسائل الاعلام/الفضائيات أنها تمزج بين خطابين متناقضين؛ خطاب متشدد يحرم الفعل الجنسي وخطاب يسوق له بشكل مفرط، أما الجرائد المغربية اهتمام بموضوع الجنس وفق بعدين على الأقل:  أولهما بعد فكري يسعى لتحرير الجنس من اعتباره تابو. يتجلى البعد الثاني في المردودية التجارية لتناول موضوع الجنس نظرا لأنها تقرأ من طرف ألاف الأشخاص مما يساهم في تحقيق أرباح مالية مهولة


خلاصة القول:


ما من تشك ينتاب قارئ هذا العمل ان الباحث عبد الصماد الديالمي يعد من الطاقات السوسيولوجية التي اهتمت بحقل السوسيولوجيا الجنسانية، كما يكتشف أن الباحث هو حامل لمشروع فكري واجتماعي وسياسي حول هذا الحقل. هذا ما أفضى به إلى الوصول إلى نظرية سوسيولوجية في هذا المجال موسومة بـ”الانتقال الجنسي”. هذا النظرية الناتجة عن دراسية أمبريقية- ميدانية تفيد أن المجتمع المغربي اليوم يعيش تفككا سلوكيا وقيميا على المستوى الجنسي، حيث المعايير القيمية التي تحدد السلوك لازالت تستمد مشروعيتها من الدين الإسلامي/القانون الفقهي والأعراف والتقاليد المجتمعية، بينما السلوك الجنسي اليومي للمغاربة هو سلوك تحرري علماني، وبه يمكن الحديث حسب الباحث تصادم بين المعيار والسلوك في الحياة الجنسية عند المغاربة، ومنه يناشد الباحث كل النخب السياسية و الجمعوية والمثقفة إلى تأطير هذه المعركة الجنسانية الذي يخوضها المجتمع ضد القانون الفقهي، حتى تعدو أن تكون معركة واعية بذاتها وتقطع أشواطاً إضافية في مسلسل الإنتقال الجنسي نحو جنسانية أفضل.


[1] عبد الصماد الديالمي، سوسيولوجيا الجنسانية العربية، دار الطليعة-بيروت، رابطة العقلانيين العرب، الطبعة الأولى، 2009، ص 14.


[2]  نفس المرجع، ص 26-27.


[3]  نفس المرجع، ص 36.


[4]  نفس المرجع، ص  40.


[5]  نفس المرجع، ص 44-45-46.


[6]  نفس المرجع، ص65.


[7]  نفس المرجع، ص66.


[8] نفس المرجع،  ص 105.


[9]  نفس المرجع، ص117.


[10] نفس المرجع، ص118.



شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3832018391793669111
https://www.merefa2000.com/