أسس نظرية في الكارتوكرافيا (علم الخرائط)

كوكب الجغرافيا سبتمبر 27, 2019 سبتمبر 27, 2019
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A
أسس نظرية في الكارتوكرافيا

(علم الخرائط)


مصطفى عبد الله السويدي

قسم الجغرافية - كلية التربية

جامعة البصرة



مجلة الجمعية الجغرافية العراقية - العددان 24 و 25 - نيسان 1990 - ص ص 268 - 286:

المقدمة

  لا يختلف اثنان لما للكارتوكرافيا كعلم نظري وتطبيقي من أهمية لمعظم العلوم بشكل عام ولعلم الجغرافية بشكل خاص، فقد كان تطور علم الجغرافية بأكمله مرتبطا بتطوره. وبالرغم من عراقة هذا العلم وإسهام العديد من المختصين والمهتمين به لتحديد أبعاده ومجالاته، فإن ما كتب فيه باللغة العربية قليل و لا تزال هناك حاجة لبحث ودراسة بعض مبادئه وأسسه النظرية التي تعد أساسا ومدخلا للتعمق في مشكلاته وتفاصيله الأخرى.


  يهدف هذا البحث كما هو واضح من عنوانه إلى دراسة الأسس والمبادئ النظرية لعلم الخرائط للتوصل إلى معالجات وتحديدات بشأنها من خلال التعريف بما يحيط بهذه الأسس والمبادئ من اختلاف واتفاق في وجهات النظر وإجراء المقارنات وإثارة التساؤلات حولها وبيانرأي المختصين بكل منها، كمحاولة متواضعة اعتمد الباحث فيها ما تيسر له من مصادر باللغات العربية والإنكليزية والصربوكرواتية، راجيا أن يكون قد وفق فيها للإسهام في تكوين فكرة موجزة عن بعض جوانب الإطار النظري لهذا العلم وكمدخل لهذا البحث لابد من التطرق إلى التطور التاريخي لعلم الخرائط الذي يعد جزءا مكملا لأساساته، فكل العلوم لم تبدأ من حيث هي عليه وإنما نشأت وتطورت خلال فترة طويلة، فهي حصيــلة لجهود ودراسات وتجارب استمرت سنــوات عدةـ وحاضره هذا لعلــوم ماهو إلا امتداد لها. لهذا تناول البحث بدايات علم الخرائط وتطوره ليس بصيغة العرض التاريخي لتفاصيل تطوره الذي كتب عنه الكثير، وإنما كإشارات ولمحات لسمات مراحل تطوره الرئيسة وعرض لأهم الانجازات التي كان لها الأثر الواضح في هذا العلم ودفعه وصولا إلى مستواه الحالي والمطلوب . 


البدايات الأولى لعلم الخرائط: سعى الإنسان منذ القدم للتعرف على بيئته بكل ما فيها من مسالك وثروات طبيعية لاستغلالها كعامل يساعده على الاستمرار في الحياة والحصول على مايحتاجه منها. قبل أن يكتشف الإنسان الحروف ويتعلم القراءة والكتابة سعى لإيجاد وسيلة تساعده لتوثيق ماتوصل إليه، من خلال تجواله وبحثه في البيئة والمحيط الذي يعيش فيه، ويستمد منه كل مقومات بقائه واستمراره، فكلما زاد اهتمامه ببيئته للحصول على حاجاته المختلفة زادت حاجته إلى رسوم بسيطة، وتوسع اهتمامه بها لتوضح له المسالك التي يرتادها ليبلغ الأماكن المختلفة وبالتالي تحقيق هذه الأهداف وفي مقدمتها الحصول على مزيد من الطعام ،"ان معرفة الاتجاهات والمسافات كانت تعتبر بالنسبة للإنسان مسألة حياة أو موت" (1/37)، وقد كانت وسيلته لتحقيق ذلك أن توصل إلى رسوم ومخططات بسيطة ثبت عليها المعلومات التي تنفعه في حياته اليومية وتحقق له وجوده وارتباطه بالحياة بظواهرها المختلفة. وقد اعتبرت هذه المحاولات هي البدايات الأولى لرسم الخرائط، والأساس لظهور علم الخرائط فيما بعد، فقد ارتبط تاريخ الخرائط بتاريخ الإنسان وتطورت صناعتها بتطوره على مر العصور على سطح الأرض. منذ المحاولات الأولى والبدائية للتوضيح الكارتوكرافي للأجزاء الصغيرة من سطح الأرض والتي بدأت حوالي"سنة3000.ق م" وإلى يومنا هذا، كان أسلوب انجاز وظائف الكارتوكرافي مرتبطا بتطوير مراحل حياة الإنسان، وبدرجه تطور العلوم الأخرى والثقافات بشكل عام.  

 لقد اسهمت الأمم والشعوب والحضارات المختلفة على مرالعصور في تطوير هذا الحقل، وتباينت في اسهاماتها وفقا لدرجة تطور كل منها ،وتبعا لأهدافها ودوافعها المختلفة زمانا ومكانا. ففي الوقت الذي كان للأقوام البدائية دوافعها لاستخدام الرسوم والمخططات، فقد كان العراقيين القدماء والمصريين والصينيين ثم الأغريق والرومان والعرب المسلمين وغيرهم دوافعهم وأهدافهم للاستمرار برسم مثل هذه المخططات والخرائط والسعي لتطويرها بدرجات متفاوتة، ارتبطت بدرجة تطورهم وبالأهداف التي دفعتهم لرسمها (كتثبيت حيازات الأرض من أجل جباية الضرائب ومعرفة الطرق لاستخدامها في التجارة وحركة الجيوش والفتوحات، وتثبيت مواقع المدن والمعابد، وتحديد مواقع المناجم، والبحث العلمي والاستقصاء لاكتشاف المناطق المجهولة، وغيرها من الأهداف الأخرى). وقد ارتبطت هذه الدوافع بأهداف دينية أحيانا. فضلا عن هذا كله فإن مفاهيم المقياس، والتصغير، والاتجاه تبدو متأصلة في الإنسان منذ أقدم العصور وعلى امتدادها. 

التطور الحديث لعلم الخرائط: تعود البدايات الأولى لعلم الخرائط الحديث إلى النصف الأول من القرن السابع عشر، حيث ظهر اتجاه جديد وحديث في هذاالمجال لأول مرة منذ نهاية الفترة الكلاسيكية، وأصبح عمل الخرائط يتصف بالعلمية والدقة، بدلا من النظرة الدينيه التي سادت خلال فترة العصور المظلمة الطويلة. وقد اسهمت في ذلك الأكاديمية الفرنسية التي تأسست في منتصف القرن السابع عشر معلنة عن نيتها تطوير الخرائط الملاحية، هذا بالطبع من صلب اهتمام تعلم الخرائط ( 2/22). - وخـلال هـذه الفترة ـ وما بعـدها اندفع الأوربيــون وعلى الأخص الفرنسيـــون في منتصف القرن الثامن عشر،(والأنكليز) في أواخر القرن الثامن عشر(حكاما وإداريين، ولأسباب إدارية وأغراض عسكرية، لرسم خرائط مسح طبوغرافية للأراضي التي كانت تحت سيطرتهم، حيث برزت مشكلة تمثيل أشكال سطح الأرض (البعد الرأسي)، وعولجت بتطبيق طريقة الهاشور، ومبدأ خطوط الارتفاع المتساوي، وقد عدت هذه المعالجة في حينها من أسس صناعة الخرائط. وحتى نهاية القرن الثامن عشر، طورت كل الأنواع الحديثة والمعروفة من الخرائط (كالخرائط الطبوغرافية ، الخرائط العامة، الخرائط الملاحية وخرائط الأطالس العامة)،(عدا الخرائط الموضوعية المتخصصة thematic maps*)، التي وصفت بأنها نوع من التخطيط (مقالة جغرافية) تهدف إلى ربط أفكار جغرافية معينة، مع الأخذ بنظر الاعتبار طبيعتها الخاصة، فهي تهتم بالكثافة، الحجم، الانحدارات، العلاقة المكانية، الحركة وكل العلاقات العديدة الأخرى على سطح الأرض، سواء كانت طبيعية أم بشرية(2/27) فقد بدأ الاهتمام بهذا النوع من الخرائط في أوائل القرن التاسع عشر نتيجة لظهور فروع عديدة منفصلة لعلوم الفيزياء والفلسفة والجغرافية العامة، واتجاه العلماء المتخصصين في مختلف حقول المعرفة الأخرى نحو الاهتمام الكبير بالتخصصات الدقيقة في مجالات تخصصهم العام، بل توغل هذا الاتجاه نحو التخصص الدقيق جدا، والتقدم الكبير والبرمجة التي رافقت تلك الدراسات الدقيقة، الأمر الذي أدى إلى ازدياد الحاجة إلى أنواع مختلفة وعديدة من الخرائط المتخصصة لتلبيـة متطلبات تلك التخصصات. ومما سـاعد على تطور الخرائط الموضوعية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

*ورد تعريف الخرائط الموضوعية في (3/326* على أنها الخرائط المتعلقة بنوع واحد أو أكثر من البيانات المرتبة على أساس موضوع خاص من المادة الرجعية. 

 الأخذ بنظام إحصاء السكان وتسجيل جميع الإحصاءات الجغرافية من الملاحظات عن الطقس إلى معدلات الجريمة وغيرها من الملاحظات التي بدأت مع بداية القرن التاسع عشر مما أدى إلى ازدياد الحاجة للخرائط الموضوعية المصنفة ذوات المقياس الصغير. وكان تأثير التطورالعلمي والاجتماعي خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر كبيرا في نشأة وتطور هذا النوع من الخرائط. لقد ساعدت عوامل عديدة على تطور الخرائط بنوعيها العام والمتخصص ودفعت بعلم الخرائط خطوات كبيرة إلى الأمام خلال القرنين التاسع عشر والعشرين* وأهمها:

1- القيام بعمليات مساحية منظمة وبإشراف الحكومات في عدد من دول العالم.

2- التوسيع الكبير في تصميم ورسم الخرائط وإخراج الأطالس المختلفة والتوسع في استخدامها لخدمة الجغرافية الطبيعية والبشرية وفي مجال الحكم والإدارة وكل المجالات الأخرى التي تهتم بالعلاقات المكانية، نتيجة لزيادة عدد سكان الأرض ونمو المراكز المدنية وسعه الاهتمام بالتخصصات الصناعية والتقنية والعلمية الدقيقة، كذلك ظهورالمؤسسات العلمية الممولة والمشجعة على البحث العلمي.

3- مقترح تنفيذ مشروع خرائط العالم المليونية الدولية، المقدم إلى المؤتمر الجغرافي الدولي الخامس المنعقد في فينا سنه 1891، وما تمخضت عنه من مناقشات في المؤتمرات اللاحقة لغاية سنة 1913 من تحديدات فنية قياسية موحدة.

4- الثورة التكنولوجية والعلمية التي تمثلت في:التطور الكبير الذي طرأ على أجهزة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

* وصف روبينسون الفترة الواقعة بين 1835 و 8551 بأنها يمكن أن تسمى بالعصر الذهبي لتطور الكارتوكرافيا الجغرافية (4/260). 272 

المساحة الأرضية، الطباعة الفنية والملونة، اكتشاف الفضاء، ظهور التصوير الجوي وتطوره السريع نتيجة لتطور الطائرات ولآلات التصوير، استخدام الكمبيوتر بشكل واسع، تطور علم الإحصاء، المعدات والوسائل الحديثة التي ادخلت في عمليات تصميم وإعداد وإنتاج الخرائط.

5- الحروب التي اجتاحت العالم أو أجزاء منه، من العوامل المهمة التي ساعدت على تطور علم الجغرافية، كما هو حال معظم العلوم الأخرى، على الرغم من تهديداتها الخطرة، وخصوصا خلال الحرب الأهلية الأمريكية والحربين العالميتين الأولى والثانية. فقد احتاجت العمليات العسكرية الى الملايين من الخرائط والمعلومات عن مواقع وتحركات قطعات الأطراف المتحاربة، وقد استوجب ذلك انتاج خرائط حديثة وبمقاييس مختلفة، وبالتالي ابتكار أساليب جديدة ومتطورة للحصول على المعلومات المختلفة والتوصل إلى أفضل الطرق لتمثيلها على الخرائط بشكل يحقق الدقة والسرعة في الإنتاج والاستخدام. لقد ساعدت هذه العوامل مجتمعة بشكل مباشر أو غير مباشر على تطور هذا العلم خلال هذين القرنين،إلا أن تطوره خلال السنوات المنصرمة من القرن العشرين كانت أكثر من أية فترة أخرى، إذ أن ما أنتج من خرائط وأشكال كارتوكرافية خلالها، أكثر من مجموع ما أنتج من قبل مع إهمال تلك الملايين المنتجة لأغراض عسكرية ومع ذلك فإن المستوى الذي وصل إليه علم الخرائط اليوم هو خلاصة للجهود والخبرة البشرية على مدى آلاف السنين ابتداء من الخريطة البابلية حتى يومنا هذا. بالمقابل فإن الكارتوكرافيا أسهمت بدورها في عملية التطور الشامل الذي رافق أغلب مجالات الحياة إذ "يعتبر التقدم الكبير الذي صادفته دراسة الخرائط وإنتاجها مظهرا من مظاهرالنهضة الحديثة الهامة (4/256) .

تعريف ومفهوم الكارتوكرافيا: كارتوكرافيا (Cartography) كلمة مركبة أصلا من كلمتين يونانيتين:(χαƿτης) ويقابلها باللغة اللاتينية (charta) وتعني صحيفة، ورقة، رسالة، تقرير، بيان، وثيقة، خريطة، و(γƿαφω) التى تعنيان(أكتب أو ارسم) . وهكذا صار معناها رسم أو عمل الخرائط. وقد كان هذا المعنى يتماشى وهذا الحقل من حقول المعرفة. فقد عرفه بتولمي(Ptolemej) الذي هو من المهتمين القدماء برسم الخرائط في العالم خلال القرن الثاني الميلادي بأنه "تمثيل خطي لأجزاء الأرض بكل ما موجود عليها من علاقات" (5\4 ). واعتبارا من القرن الثامن عشر فقط تناولت المساحةالكيوديسية* أيضا المشالك الكارتوكرافية. وفي أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين أصبحت الكارتوكرافيا علما مستقال بذاته (5\5)، له أصوله وقواعده والمتخصصون به. وأصبح هذا المصطلح يعني(علم الخرائط). لم يحدد إلى عهد قريب تصور واضح عن موقع علم الخرائط بين العلوم الأخرى، على الرغم من أن بعضهم يضعه مع المساحة الكيوديسية، وبعضهم الآخر يضعه إلى جانب الجغرافية، كما هو عليه الآن عمليا، مع الأخذ بنظر الاعتبار في معالجة كهذه أن علم الخرائط ينتسب الى مجموعة العلوم الطبيعية. إضافة إلى المعنى السابق للكارتوكرافيا بمدلولها اللفظي فقد تطرق الكثير من المهتمين بهذاا لعلـم إلى توضيح مفهوم علم الخرائـط ،إلا أن المشكلـة ليست في تعريفه فقط، بل في مـدىـــــ...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
*يقسم علم المساحة الى المساحة الكيوديسية(Geodesic survey) وهي المساحة التي تتناول العمليات المساحية لمناطق واسعة وتأخذ بنظر الاعتبار كروية الأرض (تقوس سطح الأرض) . والمساحة المستوية (Planesurvey) التي تتناول المساحات المحدودة دونما اعتبار لتقوس سطح الأرض (تفترض استواء سطح الأرض) . 


المصادر: 



1ـ د.يسري الجوهري: الجغرافية العملية، الهيئة العربية المصرية العامة للكتاب،الإسكندرية، 1979.

2ـ Robinson A. and others, Elements of Cartography, 4th, edition, John Wiley & sons, U.S.A.,1978. 

3 ـ International Encyclopedia of the Social Sciences, volume2, London, 1972.

4ـ ت.و.فريمان،الجغرافية في مائة عام: ترجمة د.عبد العزيز طريح شريف،مشروع النشرالمشترك،دار شؤون الثقافة العامة (آفاق عربية)، بغداد،(بدون تاريخ).


5- M.Peterca i drugi, Kartografija, Vojnogeografskog Instituta, Beograd,.1974 

6ـ د ماهر عبد الحميد الليثي: نحو تطوير تدريس الخرائط في الجامعات العربية، مجلة كليةالآداب - جامعة الملك سعود،م14، الرياض، 1987.

7ـ د. محمد محمد سطيحة: الجغرافية العملية وقراءة الخرائط، دار النهضة العربية، بيروت,1974.

8ـ دهاشم محمد يحيى المصرف: مبادئ علم الخرائط، مؤسسة المعاهد الفنية، بغداد، 1982.

9- PaviŠić Nikola, Osnovni Kartografija, OBOD, Cetenije, 1979.

10- د. محمد صبحي عبد الحكيم ود. ماهرعبد الحميد الليثي: علم الخرائط، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1983.

11ـ د. أحمد أحمد مصطفى: الجغرافية العملية والخرائط، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية،1989.



النص الكامل

للتحميل اضغط        هنا

للقراءة والتحميل اضغط   هنا  أو  هنا

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3832018391793669111
https://www.merefa2000.com/