جغرافية الحرب والسلام من معسكرات الموت إلى الحراك الدبلوماسي _ الجزء الأول

كوكب الجغرافيا سبتمبر 27, 2019 سبتمبر 27, 2019
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A
جغرافية الحرب والسلام

من معسكرات الموت إلى الحراك الدبلوماسي

الجزء الأول


تحرير


كولن فلنت


ترجمة 


عاطف معتمد


عزت زيان


كرم أبو سحلى 


ريهام أبو دنيا


المركز القومي للترجمة - القاهرة


العدد 2764


الطبعة الأولى


2017م







كتاب "جغرافية الحرب والسلام من معسكرات الموت إلى الحراك الدبلوماسي" من تحرير كولن فلنت

  يتناول هذا الكتاب الذي ساهم فيه عدد من الكُتاب وحررهُ كولن فلنت جغرافية الحرب والسلام، وعما إذا كان للجغرافيا دور كسبب للحروب؟ وهل تتشكل الحدود السياسية نتيجة الحروب، وما هي العلاقة بين الجغرافيا والحرب، وهل يمكن أن تسهم الجغرافيا وبخاصة السياسية منها في أن يعم السلام؟

  في عالم يموج بالحرب والصراعات يقدم هذا الكتاب قراءة للخلفيات المكانية (الجغرافية) التي تقف وراء موجات الحرب ونوبات السلام. ويستعين الكتاب بالأسس المنهجية وحزمة من المذاهب الفلسفية والأبعاد التاريخية لفهم أسباب وتداعيات الحرب والسلام. يعرج الكتاب على أقاليم جغرافية ومشكلات متنوعة من إندونيسيا وكمبوديا والهند والصين في الشرق إلى المكسيك في الغرب مروراً بأفغانستان والشيشان وفلسطين والبوسنة وكوسوفو. لا يقنع الكتاب بمعالجة القضايا الأصولية للحدود والتخوم والفضاءات المكانية المتنازع عليها تقليديا، بل يلج إلى قضايا حديثة في مقدمتها قضايا النوع، وحركات السلام، والجغرافيا الجديدة للحراك الدبلوماسي، وتغير هوية الأحلاف العسكرية بعد نهاية الحرب الباردة وعالم ما بعد الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001.

  يرى كثيرون أننا نعيش في عصر الحرب الذي بدأ بهجمات الحادي عشر من أيلول سبتمبر ومن المحزن أنه قتل ما بين 3.1 إلى 4.7 مليون فرد في الصراع في الكونغو وحدها. وكانت هناك صراعات أخرى عديدة في أنحاء الأرض ناهيك عن ضحايا الملايين في الحربين العالميين الأولى والثانية. فمن الواضح أن القول بأن عصر الحرب بدأ منذ الحادي عشر من سبتمبر فقط يعتبر خطأً صريحاً وعنصرياً من ناحية. ومن ناحية أخرى فإن الوعي بالحرب بين سكان العالم الغربي ظهر بعد 11 سبتمبر، ومن ثم فإن الادراك وليس الحقيقة والذي دفع المعلقين إلى اعتبار هذه الفترة فترة حرب وليس فترة سلام وإن كانت حرباً بدأت منذ زمن بعيد.

  ويبدو من المؤكد أن الجيل الحالي من الشباب سيصبح ناضجاً سياسياً في وقت يكون العالم كله واعياً بالحرب. فقد أصبحت متكررة الحدوث ويمكن أن نذكر في العقود القليلة الماضية على سبيل المثال فيتنام وفوكلاند والشيشان وإيران والعراق وسيراليون ونيكاراغوا وكشمير، أي أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانت من المنظور العالمي مجرد مثال مروع آخر على المذابح البشرية. ومع ذلك من الناحية الجيوبولتيكية نجد أن استهداف الولايات المتحدة الأميركية في عقر دارها قد أحدث تغيرات جوهرية. فالحرب على الإرهاب (الحرب الساخنة وليست الحرب الباردة) تسيطر على الدوافع الجيوبولتيكية العالمية وعلى الحوارات الوطنية في العديد من الدول (الولايات المتحدة – المملكة المتحدة وإيران والعراق وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية وغيرها). ولقد حددت الولايات المتحدة مستقبل العالم بإعتبارها القوى العظمى الوحيدة ولا يستطيع المواطنون الغربيون في الاستمرار في تجاهل وتجنب الحرب وتعتبر الجغرافيا أداة قوية لإكتساب وتنظيم مثل هذه المعرفة وتوقع الحروب.


الحرب تحركها الجغرافيا ويدفع ثمنها البُسطاء


  يطرح الكتاب أسئلة عدة مثل: ما الحرب؟ وهل تأخذ الحرب أشكالاً عدة؟

  نعم للحرب أشكال عدة من الهجمات الإرهابية إلى الصراعات بين الدول حيث يختلف شكلها ونطاقها وضحاياها ودوافعها وأسلحتها، ولكن أحد جوانب الحرب لا يزال منتشراً عبر الزمن والمكان المتمثل في عبارة إن (الحرب طغيان) وتشير قوة هذه العبارة إلى العمليات التى تجعل الناس الذين لم يكونوا سبباً في الحرب مجرد تروس في آلة الحرب معبأة للدفاع عن الأرض والقيم والهويات الجماعية ضد العدوان. فرغم عدم الرغبة في الحرب فإن المعتدى عليه يضطر إلى تبني سلوك المعتدي حتى يعيش وتأخذ التعبئة أشكالاً عدة تشمل التجنيد الإجباري وزيادة الضرائب وسلطة الدولة والضغط لأداء الأدوار المحددة حسب النوع. فعلى سبيل المثال عانى جد المؤلف كولن فلنت شخصياً هذه الظروف، فالاستجابة لعدوان هتلر كانت تعني له الاستدعاء إلى الخدمة العسكرية في الحرب العالمية الثانية. ونظراً لأن جده كان جندياً في سلاح الإشارة الملكي، فإنه لم يجرب فظاعة القتال وإن رفض أن يقول ذلك مراعاة لعقل حفيده الصغير الحساس. ومع ذلك فقد تعرض للتعبئة مما غيّر شخصيته ونظرته إلى العالم إلى الأبد. ويمكن قول الشيء نفسه عن والدة فلنت عندما كانت صغيرة، كان عليها أن تعاني مخاوف التفكير في مأزق أبيها ورعب غارات القصف الليلية ومهانة ترشيد الغذاء. وقد عانى نفس هذا العذاب كل الألمان أباء وأمهات وأبناء وفتيات والملايين عبر العالم مع اندلاع الحرب.

  وقد تباينت أشكال الطغيان والاستبداد وفي مقدمتها تعبئة المقاتلين والمدنيين. فمثلاً الإستجابة لإعتداءات تشارلز تايلور الذي قاد حرباً أهلية في ليبيريا انتهت بإعدام الرئيس صمويل دوي وسيطرته على البلاد عبر غرب أفريقيا. ويمكن تقديم العديد من الأمثلة من مواقع جغرافية أخرى إذ إن طغيان الحرب سواء في أرض المعركة أو في الجبهة الداخلية يؤدي إلى تجارب تظل تمثل عناصر مهمة في العقلية السياسية للأجيال المعبأة، وتنتقل عناصر الحرب العقلية إلى الأجيال التالية. ومن ثم ليس شيئاً سهلاً أن نقول: إن هناك جيلاً عبر العالم يصل إلى سن الرشد والحرب في ذهنه، ويبدو أننا لا نستطيع الإفلات من الحرب، حتى إذا كانت تستخدم لتحديد الأفراد والحركات التي وهبت نفسها لتحقيق السلام. وهناك أيضاً واجب أخلاقي لمعرفة بشاعات الحرب ونشر هذه المعرفة فالبقاء على جهل بالحرب ومن ثم عدم قدرة معرفة كيفية مواجهتها لا يفيد إلا دعاة الحرب.

  ولذلك يجب أن نفهم الحرب والجغرافيا في أشكالها المختلفة، فالإثنتان متشابكتان، ولننظر مثلاً إلى صورتين مشهورتين لحالة الحرب لكل منهما دلالات جغرافية مختلفة، حيث تتمثل الأولى في النصب التذكاري للقوات التي قُتلت في معركة إيوجيما اليابانية إبان الحرب العالمية الثانية والتي تظهر جنود البحرية الذين أنهكتهم الحرب وهم يرفعون علم الولايات المتحدة ليعلنوا سيطرتهم على الجزيرة، وهذا نصر إقليمي في حرب عالمية. بينما تتمثل الحالة الثانية في الصورة التي تم تداولها على نطاق واسع بعد هجمات 11 أيلول سبتمبر 2001 والتي تصور أسامة بن لادن وهو على بساط الريح تطارده وتحاول تدميره طائرة مقاتلة أميركية، فحالة الحرب والأبعاد الجغرافية تختلف في الحالتين ولكن التأمل في الصورتين يشير إلى أن العلاقة بين الحرب والجغرافيا متصلتان اتصالاً وثيقاً حيث يبرز أثر الجغرافيا والمكان كمحرك لطبول الحرب.

الرؤى النظرية في الجغرافيا السياسة لمناطق الصراعات (الجيوبوليتيكا)


  يطرح الكتاب خطورة الجغرافيا السياسية وأهمية دراستها للوعي بالصراعات الدولية. فالجغرافيات السياسية تتشكل بالعمليات العديدة للحرب والسلام. وباللغة الأكاديمية المعاصرة، فإن الجغرافيا والحرب والسلام تتشكل جميعها بصورة تبادلية وتتأثر اجتماعياً. وبعبارة أخرى فإن الجغرافيا والحرب ناتجتان عن النشاط البشري، فالحرب تشكل جغرافيات الحدود والدول والإمبراطوريات وما الى ذلك، وهذه الكيانات الجغرافية بدورها تمثل المناطق التي يتحقق عليها السلام أو تندلع عليها حروب جديدة. وبدلاً من أن تكون جغرافية الحرب متصلة وراسخة مثل السلسلة الجبلية، فإنها تتسم بالسيولة والتقلب مثل تدفق الحموم البركانية.

  ويهدف الكتاب إلى الاستفادة من تنوع الرؤى النظرية في الجغرافيا السياسية المعاصرة. ولتحقيق هذا الهدف عرض الكتاب بعض الأفكار الجغرافية والمفاهيم الجغرافية الأساسية لتوجيه القارئ إلى الطرق التي تستطيع الجغرافيا من خلالها توضيح الأمور الخاصة بأسباب الحرب والنتائج المترتبة عليها .

  وتتمثل الأفكار الأساسية في هذا الكتاب في الإقليمية والحدود والتقسيم الإقليمي والعلاقات الشبكية بين الأماكن عبر الفضاء المكاني والنطاق الجغرافي حيث تمثل الإقليمية البناء الاجتماعي للفضاءات المكانية والعمليات السياسية التي تعمل كمنابر للتعبير عن السلطة. ففي دولة مثل كولومبيا، نجد مثيري الشغب الذين يغلقون مداخل الشوارع بالمتاريس لمنع وصول الشرطة أو إنشاء مناطق تسيطر عليها العصابات والمجرمون، مثالين يوضحان كيف أن فرض السيطرة على إقليم من خلال الصراع يمثل تعبيراً عن القوة السياسية. وتمثل الحرب سواء كانت بين الدول أو حرب عصابات عملية سياسية تهدف إلى السيطرة على منطقة مهمة، بما يمكن من استعراض القوة لاحقاً. فقد كان الهدف الإقليمي للهجمات الإرهابية الحديثة التي شنها تنظيم القاعدة ضد الولايات المتحدة الأميركية يتمثل في إزالة الوجود العسكري الأميركي من شبه الجزيرة العربية. ففي نظامنا المتعلق بالدول، تمثل الحدود الملامح الجغرافية التي تحدد المؤسسة السياسية الأساسية التي تجسدها الدولة.

استغلال أميركا للحروب الأهلية

  أما الجغرافيا السياسية لصراع الحروب الأهلية في ظل الهيمنة الأيمركية وكيفة استغلال الولايات المتحدة الأميركية لمناطق الصراعات الأهلية في إرسال قوات عسكرية للهيمنة على المناطق الغنية، فهذا ما تناوله جون أولوفلن حيث وضح جغرافية الصراع في بداية القرن الحادي والعشرين في ضوء التركيز المتجدد على التحول من الحروب بين الدول إلى الصراعات الأهلية والإرهاب والصدامات الدينية والثقافية. ففي العقد الأخير ظهر نوع جديد من الصراع نتيجة عدم وجود توازن دولي، ويتم تبرير هذا الدعم بصورة متزايدة في إطار الحرب على الإرهاب. فقد ارتدت الولايات المتحدة عباءة الحكم الدولي كي تقرر متى وأين يجب استخدام قوة السيطرة العسكرية. ويمكن تفسير القوة العسكرية المسيطرة للولايات المتحدة وقدرتها على التدخل في الصراعات حول العالم وتجاهلها كما في حالة الكونغو، بالرجوع إلى دور الولايات المتحدة كقوة مهيمنة أو حتى بإعتبارها قوة عسكرية مفرطة.

  ويبرز الكتاب الأسباب الرئيسية للحروب، فعلى مدار التاريخ دوماً ما نشبت الحرب بسبب التنافس على الموارد( النفط – الأخشاب – الأحجار الكريمة – والمخدرات – إلخ ...... ). وجغرافيات المياه والملاحة الدولية والصراع على المياه كمورد هام للحياة هي من أسباب الحروب. هذا ما كتبه ليلى هاريس فركزت على المورد الطبيعي الذي تمثله المياه والنطاق الجغرافي كسبب للحروب بين الدول, ووضحت الجغرافيات المتغيرة لموارد المياه والصراعات الاجتماعية والسياسية حيث تظهر النطاقات المحلية وحركية مساقط المياه الصراع على المياه. كما تشير إلى طرق لحل صراعات المياه، فالاهتمام بالسيطرة على المياه يمثل جزءًا من صراعات أخرى عنيفة لأن المياه تمثل مصدر الصراع ومورداً يحقق السلام داخل وعبر حدود الدول.

  كما تكون المزاعم ذات السند التاريخي بالأحقية في أوطان قومية وفكرة القومية ومكان جغرافي يجمع القوميات سبباً في الحروب (القومية الكردية نموذجاً)، حيث أعطى تكوين الدول القومية للنزاعات الحدودية إطاراً سياسياً قانونياً يجب حلها بالطرق السلمية بالنظر إلى تلك المشكلات الحدودية، إما باعتبارها تلاعباً سيئاً بالتعبير الجغرافي، وتمثل الطبيعة المتغيرة للحدود والديناميكية المستمرة للحدود القائمة، حيث يعتبر تكوين الجغرافيات عن طريق الحرب مكوناً أساسياً .

  وعن القوميات والحروب، كتب جيرتجان ديكنك أنه من خلال إضفاء الديمقراطية على الحرب فإن القومية تقدم أعظم تغير في حالة الحرب في تاريخ الإنسانية. فمن لحظة بداية ربط الشعوب أنفسها برؤى ومصالح الدول، أصبحت الحروب مدمرة للغاية، بل ويمكن أن تهدف إلى فناء الآخر. ويدل هذا النموذج أيضاً على قواعد جديدة للعبة، بما يحوّل الاهتمام من الهوية القومية البحتة إلى التبرير الأيدولوجي من خلال الليبرالية الفاشية أو الشيوعية. وأدى المثياق العالمي المتغير إلى إدخال أبعاد عسكرية جديدة في شكل التدخل الأجنبي وسوء الفهم الاستراتيجي، وساعدت القومية على التغلب على بعض أصعب مشاكل الدعم اللوجستي للحرب، ولكنها أطلقت العنان أيضا لإستراتيجيات إقليمية تزعزع الحل المستقر في الأجل الطويل.

  وعن جغرافيات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، دروس البوسنة والهرسك، كتب كارل دالمان فبدأ بتوضيح مختصر لتعريفات ومحظورات الإبادة الجماعية في ظل القانون الدولي الإنساني والافتراضات الوظيفية التي تحويها هذه القوانين والعلاقة بين التطهير العرقي والإبادة الجماعية والمعرفة المكانية الصريحة والضمنية التي تقدمها المعاهدات، مع دراسة خاصة ليوغسلافيا السابقة واهتمام خاص بالبوسنة والهرسك من أجل الاستكشاف الكامل للأسلوب الذي يتفاعل به الإقليم والسلطة والهوية في حملات الإبادة الجماعية من خلال الفضاء المكاني للإبادة الجماعية وموقعها.

  وكتب روجر ستمب عن الأبعاد الجغرافية للحروب الدينية والتي تعرف بالصراعات السياسية العنيفة والتي تتحدد معانيها ودوافعها وأهدافها لدى المتحاربين من خلال مصطلحات دينية صريحة. فغالباً ما تطورت حالات حرب معاصرة بين جماعات ذات هويات دينية مختلفة، ولكن الدين يلعب دوراً محورياً في حالات معينة. كما يدرس الباحث الأنماط الأخرى من حالات الحرب حيث تدور المناقشة حول ثلاثة موضوعات هي: العمليات المرتبطة بالمكان والتي تتطور من خلالها حالة الحرب الدينية، ودور الإقليمية أو الاستخدمات المتنازع عليها أو السيطرة على الأماكن المقدسة ( الحروب الصلبية ) في الاهتمامات التى تدفع إلى حالة الحرب الدينية، والطرق التي من خلالها تشكل الأهداف والأيديولوجيات الدينية الاستراتيجيات المكانية التي تستخدم في حالة الحرب الدينية.


الحركات الجغرافية للإرهاب

  تناول كولن فلنت في فصل آخر التحديات المكانية للإرهاب الديني والحرب على الإرهاب، فيكشف الجغرافيات السياسية للإرهاب المعاصر مع التركيز على الولايات المتحدة كهدف للإرهاب وكطرف أساسي في مكافحة الإرهاب. ويتمثل السياق الشامل الذي يضم الجغرافية السياسية للإرهاب في الإنتقال الجغرافي من جيوبولوتيكا الدول في مواجهة الدول وفي مواجهة الشبكات الجغرافية حيث يبين مدى امكانية اعتبار الإرهاب المعاصر بمثابة رد فعل للوجود العالمي للولايات المتحدة. كما يتناول نمو الارهاب الديني خاصة كرد فعل على الطريقة التي تتبناها وتنشرها الولايات المتحدة ويدرس مضامين الموقف الجيوبولتيكي الصاعد والذي يجب فيه على الحكومات التي اعتادت على تعريف الأمن من خلال التفاعل بين الدول ذات السيادة أن تتكيف مع التهديدات التي تفرضها الشبكات الإرهابية.

   كتب غازى وليد فلاح عن السلام والخداع وتبرير الدعاوى الإقليمية: حالة إسرائيل نموذجاً، فرأى أن جزءاً من استراتيجية (حروب اسرائيل) يتمثل في تسويقها على أنها مبررة أخلاقياً تحت سمع وبصر تغطية وسائل الإعلام العالمية والتعليقات الدبلوماسية والرأى العام، وذلك لتصوير الحرب على أنها عادلة حتى يمكن تبريرها. وبعبارة أخرى فإن الاقليم وهو المكون الأساسي في الدولة القومية تتم المطالبة به والسيطرة عليه من خلال مجموعة من الاستراتيجيات السياسية. وكثيراً ما تكون معظم هذه الاستراتيجيات متناقضة صراحة أو ضمناً، ولكنها غالباً ما تصور على أنها أخلاقية ولا يمكن تجنبها. ويقدم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أرض فلسطين دراسة حالة ممتازة لفهم استراتيجيات الجغرافيا السياسية التي تجعل الحرب عادلة، إذ أن الاستراتيجيات التي تشكلت بها أقاليم إسرائيل وفلسطين عبر الزمن تقيد السلطة الفلسطينية الصاعدة بطريقة يمكن أن يستخدمها الإسرائيليون لتبرير المزيد من العمل المركزي والسيطرة الإقليمية.

  لقد كونت إسرائيل حزاماً حربياً في جنوب لبنان لتوفير السلام لإقليمها الحدودي الشمالي وتم توسيع حلف الناتو أملا ً في خلق منطقة سلام أوروبي تمتد عبر البلقان وصولاً إلى الحدود الروسية. ويرتبط بهذه العملية إعادة التقسيم الإقليمي لمناطق الصراع داخل أوروبا مثل كوسوفو أو ترانسلفانيا. وبعبارة أخرى، فإن محاولة إقامة أقاليم سلام تؤدي إلى احتمال ظهور أقاليم صراع. بالإضافة إلى ذلك، فإن الصراعات المعاصرة وخاصة تلك التي تدور حول السيطرة على الموارد، يمكن أن تتخطى الحدود السياسية مما يضيف ديناميكية خاصة لكل من شن الحرب والتوصل إلى سلام دائم.

  ومن ناحية أخرى، فإن خرائط العالم السياسية الراهنة والآخذة في التشكّل مستقبلاً لا تتحدد فقط بالوحدات السياسية الإقليمية أو الأقاليم الطبيعية الحيوية، إذ إن شبكات المهاجرين وتجارة السلاح وتهريب المخدرات والإرهابيين وقوات الأمن هي عوامل جديدة تحدد مواقع وممارسات الحرب بصورة متزايدة. فالخريطة السياسية للعالم هي نتاج التفاعل بين الوحدات السياسية الإقليمية والشبكات القانونية وغير القانونية. وبالتالي، فإن ما يتعلق بالحرب من أسباب ووسائل وطريقة إدارة تتوقف جميعها على التفاعل بين هذه الأقاليم وتلك الشبكات. ومن المؤسف أن مواطني مدن مثل نيويورك وكابول وبغداد جربوا مرارة كيف أن جغرافيات الشبكات والأقاليم تقاطعت لتشكّل وتسهّل حالة الحرب.

   فكرة هذا الكتاب تقوم على التفاعل بين حركة الحرب والسلام من ناحية والجغرافيات السياسية والاجتماعية من ناحية أخرى. ومن الصعب وضع صياغة لمفاهيم الحرب والسلام، فحالة الحرب المعاصرة تشمل التهديد المستمر للمحرقة النووية العالمية، بالإضافة إلى وحشية التطهير العرقي من منزل إلى منزل والذي تستخدم فيه هراوات وسكاكين. فلا يقتصر مفهوم السلام على مجرد غياب الحرب فحسب، ولكن يتمثل في إمكانية تعظيم الإمكانيات البشرية أيضاً حيث يرى البعض أن السلام عبارة عن محادثات دبلوماسية بين دولتين مسلحتين جيداً وربما متصارعتين، بينما يرى البعض الآخر أنه رؤية للعلاقات الاجتماعية الجديدة المتجانسة مع البيئة.


جغرافية حركات السلام

  كتب غونترام هيرب عن جغرافية حركات السلام، ورأى أن السلام أكثر من مجرد غياب الحرب حيث لا تقتصر حركات السلام على مقاومة العنف الصريح للحرب ولكنها تحاول أيضاً أن تقلل العنف في المجتمع. فجغرافية حركات السلام تقوم على نطاق الحدود والعلاقات بين الأماكن عبر الفضاء المكاني والتقسيم الإقليمي والاقليمية والممارسات الإقليمية لحركات السلام لتوضيح كيف يتم الإستخدام المكاني والمشاهد والمواقع الرمزية في استراتيجيات غير عنيفة للتغلب على الصراعات وإساءة استغلال القوة. ويوضح الكتاب دور الجغرافيا كعلم في فهم السلام، حيث أن مناقشة الجغرافيا في حل الصراعات سيكون مفيداً وربما يجب أن يكون في محور اهتمام النجاحات السلمية، والسياقات اليومية فيها التي تظهر فيها الإنسانية قدراً عالياً من الاحترام المتبادل، بدلاً من التشويش بالحرب.

  وقد أغفل الكتاب المنظر الجغرافي لفلسفة الحرب والطريقة التي يؤدى بها استخدام علم المعلومات الجغرافية في التسليح الحديث إلى تغيير جغرافية الحرب.

  أما عن جغرافية الدبلوماسية من خلال المنظور الجغرافي، فتفسير مواقع اللقاءات الدبلوماسية وعقد المعاهدات يكون له مدلول دبلوماسي فمثلاً إذا كانت المواجهات بين الأطراف التي تتبادل العداء فيتم ترتب اللقاءات في أماكن تقع في منتصف الطريق بين عاصمتي الدولتين المنتازعتين. 

للتحميل اضغط       هنا




للقراءة والتحميل اضغط   هنا  أو  هنا


شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3832018391793669111
https://www.merefa2000.com/