الأبعاد الاجتماعية السياسية في التطوير الحضري لأحياء الفقراء

كوكب الجغرافيا سبتمبر 28, 2019 سبتمبر 28, 2019
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A
الأبعاد الاجتماعية السياسية

في التطوير الحضري لأحياء الفقراء 



إعداد 

جهاد صالح عبد اللطيف سلامة 


إشراف 

الأستاذ الدكتور 

عبد الستار قاسم


قدمت هذه الأطروحة استكمالاً لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في هندسة التخطيط الحضري الإقليمي بكلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، فلسطين. 

2010




الأبعاد الاجتماعية السياسية

في التطوير الحضري لأحياء الفقراء 

إعداد

جهاد صالح عبد اللطيف سلامة

إشراف

الأستاذ الدكتور

عبد الستار قاسم 

الملخص 

    تناقش هذه الرسالة الأبعاد الاجتماعية السياسية للأحياء الفقيرة فـي المـدن ذلـك لأن الأحياء الفقيرة تعاني من الإهمال والاستضعاف، ويعاني سكانها مـن الكثيـر مـن الأمـراض الفسيولوجية والاجتماعية والنفسية. الهدف من الدراسة هو وضع اليد على أسباب غير أسـباب الضعف الاقتصادي والمالي الذي يعاني منه الفقراء، وهي الأسباب المتعلقة بالترتيب الاجتماعي والسياسي، والتي هي متعلقة بالمسؤولية العامة، وليس بمسؤولية سكان الحي. الأحيـاء الفقيـرة المتميزة بالازدحام وسوء الخدمات وضيق الشوارع عبارة عن مشكلة عالمية تعاني منها أغلـب دول العالم، بخاصة دول العالم النامي، وهي تلقي بثقلها على الاستقرار، وقد تنفجر إلى عنـف يعاني منه الجميع. ومن الملاحظ في الدول النامية أن الأحياء الفقيرة تنتشر في المـدن الكبـرى بطريقة تضع علامات استفهام على تعامل الإنسان مع أخيه الإنسان.

    تقوم هذه الدراسة على فرضية أساسية مفادها بأن التمييز بين الأحيـاء فـي التخطـيط الحضري ناجم عن سوء تخطيط متعمد ومسبق لأن صاحب القوة والمتنفـذ يحقـق مصـالحه ومصالح من يتحالف معهم على حساب من هم أضعف منه وهم الفقـراء، فيوظـف الأمـوال لتطوير أحياء الأثرياء. صاحب السلطان أو النفوذ هو الذي يضع القانون بالطريقة التي تتنـاغم مع مصالحه ومصالح من هم على شاكلته، ويحرم أحياء الفقراء من نصيبها.

   اعتمدت الدراسة المنهج التاريخي والوصفي التحليلي، فبدأت بوصف تـاريخي لتنظـيم المدن عند الحضارات المختلفة، وأبرزت مكانة الفقراء وأنماط أحيائهم في تلـك الحضـارات. وكان من الملاحظ تاريخيا أن الفقراء قد عانوا كثيراً في مختلف المجالات، وكانـت أحيـاؤهم تاريخيا مصدرا للأوبئة والأمراض، وعانت الازدحام الشديد، ومن الحرائق والتدمير على أيدي ك السادة والمتنفذين. هكذا كان الأمر في العهدين الروماني واليوناني، وفي عهود الأسياد والعبيـد والإقطاع وبداية الرأسمالية وقيام الدولة الصناعية. لم يتحسن وضـع أحيـاء الفقـراء إلا فـي النصف الثاني من دولة الصناعة، وفي مرحلة ما بعد الصناعة، وذلك بعد أن تمحـض وعـي الفقراء عن إقامة نقابات وشكلوا قوة احتجاجية في الشارع.

  ثم تحدثت الرسالة عن عقدتين أساسيتين تعاني منهما المجتمعات وهما عقـدة الشـعور بالتفوق لدى الأثرياء، وعقدة الشعور بالنقص لدى الفقراء. هناك مشكلة كبيـرة لـدى الأثريـاء بخاصة إذا كان لديهم وعي طبقي في العيش في أحياء يسكنها الفقراء. من الملاحظ اجتماعياً أن الذي يملك مالا يبحث عن السكن في حي بعيد عن الفقراء لأنه ينظر إليهم بنوع من الدونية، وأن الذين يملكون يشترون قطع أراض في أماكن غالية الثمن ذلك لأنهم يتوقعون ما يسـمونه رقـي الحي. هم يعرفون الرقي بالمظاهر العمرانية والخدمات المتطورة، وهم يرحلون إليها حتى لـو كلفهم ذلك الشيء الكثير. أما الفقراء فيحرصون على التوفير لأنهم لا يملكون، فيبقون بمستويات أحياء تتناسب مع قدراتهم المالية، وربما يذهبون أحياناً إلى أحيـاء الأثريـاء للسـياحة رغـم إحساسهم بالقهر عندما يرون بأعينهم التباين بين أحيائهم وأحياء الأغنياء.

  غالبا يتحالف المتنفذون في المجتمع معا لأن لهم مصالح متبادلة. يتحالف السياسي مـع كبير العشيرة، ومع الرأسمالي الثري والإعلامي المؤثر ورجل الدين الذي يحوز على ثقة الناس. هؤلاء يسيطرون على أغلب الثروة، ويتركون القليل للفقراء. وهذا ما أدى إلـى الاسـتنتاج أن القوة هي أساس التمييز بين الأحياء، وأن الذي يريد تحسين أحوال الحي الذي يعيش فيه، فـإن عليه أن يكتسب القوة، وهذا ما يؤكده تحسين ظروف الفقراء بعدما تجمعوا وأنشـأوا التكـتلات لمواجهة الظلم والاستغلال. هناك أمل أن يحل العقل محل القوة، وأن تتبع الدول نظـام توزيـع عادل فتضيق الفجوة الخدماتية بين أحياء الفقراء والأثرياء. 



The Social and Political Dimensions of Urban Planning of Poor neighborhoods 

By Jihad Saleh Abdul-Lateef Salameh

 Supervised by 
Professor 
Abdul Sattar Kassem 

Submitted in Partial Fulfillment of the Requirement for the Degree of Master of Regional and Urban Planning Faculty of Graduate Studies at An-Najah National University, Nablus-Palestine. 

2010 



The Social and Political Dimensions of Urban Planning of Poor neighborhoods 

By 

Jihad Saleh Abdul-Lateef Salameh 

Supervised by 

Professor Abdul Sattar Kassem 

Abstract 


   This thesis concentrates on the socio-political dimensions of the sharp differences between rich and poor neighborhoods in the cities everywhere in the world. The major question is: why the neighborhoods of the poor suffer so much from the lack of services, while the rich enjoy well-served neighborhoods with wide and nice streets, gardens and nice commercial stores, luxurious restaurants and modern hotels? The poor suffer from crowdedness, and several physiological and social deceases, while the rich neighborhoods are in a comfortable situation.

   The main hypothesis of the study is that the differences between the neighborhoods are related to the balance of power in the society. Those who own are powerful: they rule and write down the laws that reflect their interests, while the poor are unable and employed to toil for an income far below what they deserve. This appeared to be true for ancient civilizations such as the Greek and the Roman, and for socio-economic systems such as feudalism and laissez-faire economy. 

  Methodologically, the research depends upon the historical and the analytical approaches. History-wise, the research outlines the historical development of the cities in the ancient times as an entrance to the present times. It is evident the poor classes have been the most hardworking, but the most suffering, or the least rewarded. The poor have been living until now, except in few countries, in poverty stricken neighborhoods, or in slums that don't suit human survival. 

   From historical development, and from what is seen now, power means the ability to write and enforce laws according to the wishes of the stronger. The poor people of the poor neighborhoods could not improve their conditions and the conditions of their neighborhoods until they started to get together and pose a real challenge to the dominating traditional authorities in the society whether political, religious, social or economic forces. That is, once the poor started to be a recognized force they started to have their rights materialized. That is why democracy is considered a system to provide some justice to those who have suffered. The poor are a considerable force in the elections, and they know how to attract nominees in return of services. 

  It is good to depend on moral and ethical principles to achieve justice, and provide the poor neighborhoods with the necessary services, but if that doesn't work, as it happened to be through history, the poor should have the awareness that leads them mutual cooperation for the sake of their families. 



الفصل الثامن الاستنتاجات والتوصيات 

1.8 الاستنتاجات  

  هناك عدد من الاستنتاجات والتوصيات التي ترتبت على هذه الدراسـة، ونسـتطيع أن نخلص مما سبق من مناقشات جدلية بعدد من الاستنتاجات تتوالى أدناه: 

أولاً: هناك مشكلة تاريخية في التعامل مع الإنسان كإنسان بمعزل عن القوى خارج ذاتـه مثـل الإمكانات المادية التي يملكها أو القوة المسلحة، الخ. أي أن الإنسان يتم تعريفه واحترامه وفـق معايير خارج ذاته، وليس بسبب المعايير الإنسانية التي يعكسها هو بحد ذاته. وهذا بحـد ذاتـه عبارة عن عنصرية تقوم على الملكية أو القوة، وهو أمر عكس نفسه على مجمل العلاقات بـين الناس.

  العنصرية هي شعور بالتفوق والأفضلية على الآخرين، وهي آفة واكبـت المجتمعـات الإنسانية عبر الزمن، ويتم التعبير عنها بأساليب ووسائل عدة حتى الآن. هناك عنصرية الأبيض على الأسود، والذكر على الأنثى، وقومية معينة على قومية أخرى تتم ترجمتها أحيانا إلى تطهير عرقي، الخ، وهي مشكلة كبيرة على الساحة العالمية قـادت إلـى الكثيـر مـن الاضـطرابات والحروب وسفك الدماء. لكن العنصرية الدائمة التي أبقت ثقلها على الساحة العالمية لغاية الآن، ولا يتكلم عنها الناس بوضوح هي عنصرية القوي على الضعيف. هذه عنصـرية بـين أبنـاء الشعب الواحد والدين الواحد، واللون الواحد والعرق الواحد، وهي نشهدها كل يـوم فـي أقـل التعاملات تعقيدا بين الناس. القوة، بغض النظر عن مصدرها، عبارة عن سبب أساسي في التمييز بين الناس لـيس من حيث كمية ما يملك، وإنما بسبب انعكاس الكمية على الكيفية بحيث تتحدد أفضليات بتسلسـل عنصري على مستوى المجتمع ككل. 

ثانياً: على الرغم من أن الإنسان يتحدث كثيرا عن الحرية والتحرر من الاغتراب، إلا أن القـيم الإنسانية النظرية لا تعكس نفسها تماما على أرض الواقع، وكأن التنظير شيء والواقع العملـي عبارة عن شيء آخر. تحمل دول كثيرة لواء العدالة الاجتماعية والإنصاف، وتردد باستمرار أن الإنسان محترم لذاته، لكن هذا غير منسجم مع التحيز في التعامل على المستويات الرسمية وغير الرسمية. دول كثيرة تخالف مواثيقها وتصريحات مسئوليها، وكـأن الخطـاب السياسـي هـو للاستهلاك المحلي، بينما تجري السياسة التطبيقية في مجرى مختلف وفق ما تتطلب المصالح. 

ثالثـاً: العلماء هم بناة الأمة وسر نهضتها لأنهم هم الذين يكتشفون ويخترعون ويجربون، وهـم الذين يضعون البرامج المختلفة ويخططون ويشرفون على التنفيذ في المجالات الطبية والسياسية والعمرانية والاجتماعية، لكنهم جميعا، وفي أغلب دول العالم، لا يستطيعون التأثير على الحكومة مثلما يستطيع شيخ قبيلة يدعمه آلاف الناس الذين يدينون له بالولاء، وهم لا يسـتطيعون إقنـاع رئيس الدولة، إلا في بعض الدول الديمقراطية المتقدمة، بسياسة معينة لا يرضى عنهـا كبـار الرأسماليين في الدولة. 

رابعاً: التمييز بين الأحياء في المدن ما زال يخضع حتى الآن للمعايير أعلاه، والفقير أو متوسط الحال لا يجد أمامه إلا الاستكانة لظرف موضوعي صعب يغلبه ويتركه يرى التقدم يغزو أحياء الأثرياء، أو الاستمرار في المطالبة وكتابة العرائض مع ما يرافق ذلك من مذلة وإهانة من قبـل الموظفين والمسئولين. يتعب الضعيف نفسه كثيرا وهو يحاول سفلتة شارع بسيط ليـوفر علـى زوجته عناء مسح الغبار كل يوم، وقد لا يحصل على ذلك، بينما يرى أن شارعا قد شـيد فيـه صاحب نفوذ بيتا تتم سفلتته بسرعة.

  يقضي سكان الأحياء الفقيرة الكثير من الوقت على أبـواب البلـديات وهـم يحـاولون الحصول على تسهيلات وتحسينات لظروفهم، لكنهم لا يحصلون إلا على القليل، وربما يحصلون عليه بعد تقديم خدمات للموظفين أو تقديم بعض الهدايا والإكراميات. هؤلاء الفقراء لا يصـلون إلى المسؤولين الكبار، وتبقى علاقاتهم ومطالبهم ضمن حيز الموظف الصغير، والـذي يطمـع أحيانا برشوة. 

خامساً: التمييز في مسائل التخطيط الحضري تاريخي وليس وليد الساعة. شهدت مختلف الحقب التاريخية تحيزاً واضحاً، وتمتع الأثرياء بالكثير من الخدمات والراحة في أحيائهم، بينما تكـدس الفقراء في بيوت الطين والقش والقصب في ظروف قاسية جداً. شهدت الحقب التاريخية الغابرة ومنذ عهد الأسياد والعبيد البطش الشديد والقسوة المرعبة، وطالما عان الاجتماعي يبقى أسيرا لأوضاعهم ومكانتهم الاجتماعية وليس وفق ما أحل الله وحـرم. وكمـا أسلفنا سابقاً، هناك استخدام للدين في الكثير من الأحيان من أجل خدمة مصـالح خاصـة وفـي تناقض تام مع ما أتى به الدين من تعاليم. الدين، بالنسبة لهؤلاء، عبارة عن آلية لخدمة المصالح تحت ستار الورع والتقوى. 

  ظهرت أديان عبر التاريخ وحاولت إقامة الأخلاق ونشر العدالة بين النـاس، وظهـرت فلسفات إنسانية كثيرة حاولت التركيز على حرية الإنسان، وعلى مواجهة الظلم والطغيان، لكـن أغلبها بقي بين دفات الكتب على الرغم من كثرة مؤيديها. لم يتخلف المفكرون عـن محـاولات معالجة الأوضاع المتردية لأغلب الناس، لكن الفكرة لم تكن لتصمد كثيراً أمام عناصـر القـوة الأخرى. كل الكتب والمؤلفات والأشعار والأدبيات لم تستطع إقناع صاحب سطوة وطغيان بـأن طغيانه لا يمكن أن يستمر مع الزمن، وأن أعماله القمعية الظالمة ترتد عليه في النهاية، وأن كل من صنعه من تنكيل بالآخرين قد يخبره هو على أيدي من نكّل بهم. 

   شهد التاريخ ثورات وتمرداً، ومنها ما كان ناجحاً ومنها ما فشل، لكن تلك هـي نتيجـة ممارسة الظلم على الآخرين. الظلم يؤدي في النهاية إلى الثورة أو إلى العنف الذي لا يسلم منـه أحد في المجتمع. إنما الفقراء والمستضعفون هم الذين يدفعون دائماً الـثمن الأعلـى فيشـردون بالمزيد وتعمل السيوف في رقابهم بلا رحمة. يدفع الأثرياء والأقوياء ثمناً لكنه قليل جداً بما يلقاه المتمردون عليهم. وكم من مرة حصل في التاريخ أن أحرقت مسـاكن الفقـراء أو دمـرت، أو طردوا منها تماماً، أو قتل الرجال منهم وسبيت النساء والأطفال.

   آمن العديد من الناس بالأديان واتبعوا الأنبياء، وهم على وعي نظري تام بأسس العدالـة وأهمية الرأفة بالضعفاء والصدقة على اليتامى والمحتاجين، لكن الكثير من التعاليم السماوية تبقى في صدور الناس وليس في أعمالهم. الكثير من هؤلاء يمارسون الشعائر الدينية ويذهبون إلـى المعابد والمساجد والكنائس، ويواظبون على الطقوس الدينية فـي المناسـبات، لكـن سـلوكهم الاجتماعي يبقى أسيراً لأوضاعهم ومكانتهم الاجتماعية وليس وفق ما أحل الله وحـرم. وكمـا أسلفنا سابقاً، هناك استخدام للدين في الكثير من الأحيان من أجل خدمة مصـالح خاصـة وفـي تناقض تام مع ما أتى به الدين من تعاليم. الدين، بالنسبة لهؤلاء، عبارة عن آلية لخدمة المصالح تحت ستار الورع والتقوى.

سادساً: أما النظريات الأخلاقية فبقيت عاجزة أيضاً أمام عنفوان القوة والمصالح. من أفلاطـون حتى ماركس وتولستوي وماركوزا، لم تتمكن البشرية من تثبيت الأخلاق كأساس للتعامل، ولـم تستطع وضع تعريف قاطع مانع يلتزم به الجميع. ويبدو أن القيمة الأخلاقية التي سـادت عبـر التاريخ هي قيمة الحق للقوة. القوة هي التي تقرر كيف يتم ترتيب الأمور، وهي التي تقرر مـن يأخذ ومن لا يأخذ، من يعطي ومن يمنع. أتى الفلاسفة بمفاهيم راقية وإنسانية للأخلاق، ووصفوا ما يجب أن يكون من أجل تحقيق المجتمع الإنساني الأخلاقي، لكن الوصفات الفلسفية لم تحـظ بالكثير من الرعاية السياسية.

  القوي، تاريخياً، هو الذي يضع القانون والضوابط والتعليمات، والقانون يحـدد الحـق والباطل من وجهة نظر واضعه. الضعفاء لا يضعون القوانين، ولا هم الذين يعرفـون الخيـر والشر، أو الحق والباطل. هم فقط يسعون وعليهم الطاعة، إلا إذا قرروا إيصال وجهة نظـرهم بطرق سلمية أو قرروا التمرد. القوي يعرف الخير، وغالباً الخير هو الذي لا يخدم مصـالحه، ويعرف الشر وهو الذي يخدم مصالحه، أما الضعيف فلا يملك إلا أن يستكين إذا أراد أن يبقـى تحت الاستغلال بدون المزيد من الأذى. 

  نظرية القوة هذه تتعامل معها مختلف الدول، وهي سائدة على المستوى الدولي والـذي يؤكده ميثاق الأمم المتحدة. هذا الميثاق عبارة عن إقرار دولي بحق الأقويـاء فـي إمـلاء مـا يريدون، ولهذا تم ترتيب مجلس الأمن بحيث تمارس الدول الخمس الكبرى الاستبداد من خـلال حق النقض. هذا الحق ليس نابعاً من عبقرية هذه الدول أو من سـيرتها فـي ترسـيخ العدالـة الإنسانية، وإنما من خلال انتصارها في الحرب العالمية الثانية، وتأكيد نفسها على أنها الأقـوى في العالم. وبعد كل هذه السنين، تستطيع أي دولة من هذه الدول الخمس أن تعطل أي قرار تريد على الساحة الدولية، وبإمكانها إشعال حروب وإخماد حروب، وفرض عقوبات على دول تحاول أن تكون لها كلمة على الساحة الدولية. 

سابعاً: المشكلة التمييزية وفق الأبعاد العنصرية لا تتبلور فقط من خلال عمـل واع مـن قبـل أصحاب المصالح، وإنما تأخذ بعدا تربويا قد يكون واعياً أو غيـر واعٍ. أي أن النـاس الـذين يشعرون في داخلهم القوة سواء كانوا على مستوى المجتمع ككل أو الأسر أو الأفراد، الرجال أو النساء، كبار السن أو صغاره يتعلمون تمييز أنفسهم عن الآخـرين، ويتطـور لـديهم الشـعور بالتفوق. فعندما يصبح شخص وزيراً على سبيل المثال، فإن أفراد أسـرته يبـدؤون بالشـعور بالفخر والاعتزاز، ويحاولون القفز عن الجو الذي اعتادوا عليه إلى جو جديد يتلاءم مع أجـواء الفئات الثرية أو تلك التي يمكن تصنيفها بالزعامات. حتى أن العائلة الممتدة للوزير تبدأ تتصرف على أنها صاحبة نفوذ. 

   إذا أصاب شخص ما ثروة أخرجته من دائرة الفقر أو حتى من الطبقة المتوسطة، فـإن أفراد أسرته أيضاً سيتصرفون بطريقة جديدة. يكمن السبب في هذا إلى أن أغلـب المجتمعـات تكتسب هذا المنحى التربوي والناجم أصلاً عما يسمى بامتيازات القوة أو النفوذ. ولهذا من السهل أن نرى أصحاب الحظوة يتجمعون في أماكن سكنية مميزة مبعدين أنفسهم عن الناس الآخـرين الذين يُنظر إليهم بدونية أو بازدراء، أو وفق المثل العربي، "ليس على قدر المقام". فـي هـذه المناطق السكنية ترتفع أسعار الأراضي، وتصبح التكاليف الباهظة للتعمير فـي تلـك المنـاطق مدعاة للمفاخرة الاجتماعية والمبارزة بين سكان الحي.

   يغذي هذا الاتجاه التربوي الاتجاه التربـوي المعـاكس الـذي ينمـو لـدى الضـعفاء والمستضعفين. تعرض أبناء الفقراء والمضطهدين تربية الشـعور بالدونيـة أو الضـعف منـذ الصغر، وتكبر معهم مشاعر استصغار الذات أمام الآخرين الذين يملكون. كثيرا ما يترد علـى مسامع الأطفال والشباب والشابات من قبل كبار السن في الحي بأن الهم الأكبر هو تحصيل لقمة الخبز، وضرورة عدم القيام بأي عمل قد يغضب أولئك الذين يوفرون العمل ويقـدمون الأجـر مهما كان صغيراً. وهم يسمعون الكثير من النصائح التي تدعوهم إلى الاستكانة وعدم التصرف بتحد للوضع القائم، وهذا واضح مثلا في المجتمع العربي حيث تكثر الأمثال التي تشجع الإنسان على الاستسلام مثل: "اليد التي لا تستطيع كسرها بوسها"؛ "واللي بتجوز أمي هو عمي"؛ "وامش الحيط الحيط وقول يا رب الستيرة". 

ثامناً: لم يستطع الفقراء والمساكين تحسين أحوالهم وأوضاعهم السكنية والمعيشية، ولم تتحسـن ظروف أحيائهم إلا بعد نضال طويل استمر قرونا. بدافع الشعور بالظلم والـوعي بالاضـطهاد، طور هؤلاء مفاهيم العمل الجماعي والتعاون المتبادل، وهذا بحد ذاته صنع لهم قوة مكنتهم مـن انتزاع حقوقهم، وتحقيق معادلات توزيعية أفضل في المجتمع طالت التخطيط الحضري وتنظـيم الأحياء في المدينة ورفع مستواها وتوفير الخدمات الحديثة لها. ربما هناك من يقول إن الـدول الديمقراطية قد وصلت إلى مستوى أخلاقي رفيع بسبب حساسيتها للقضايا الأخلاقية الإنسـانية، وإن الدول الغربية هي الرائدة الأخلاقية في العالم. هذا قول غير دقيق لأن الديمقراطية صنعتها آلام ودماء الذين عانوا من القهر والقمع، ولولا أنهم خاضوا معا التحدي لما تطورت الديمقراطية ولما حصل الناس على قوانين توازن بين مصالح مختلف الفئات. أي أن تطور الديمقراطية لـم يكن بفعل صحوة ضمير لدى الذين قهروا الناس، ولكن لأنهم وجدوا أمامهم قوى شعبية كبيـرة مصممة على تغيير الأوضاع.

   فإذا كان هناك من تمييز بين ما جرى في الدول الديمقراطية وغيرها من الدول فإننـا لا نعزوه إلى أخلاق غربية أرقى من أخلاق بقية العالم أو أخلاق دول العالم النامي، وإنما نعـزوه إلى صحوة وعي متقدمة لدى الفئات الفقيرة تطورت ووجدت ترجمة لها علـى أرض الواقـع. ربما ساهم التطور الصناعي والثقافي الغربي في نضوج الوعي في الغـرب، وربمـا سـاهمت الثورة على الكنيسة في إعادة التفكير بالعقلية الجبرية، فتطورت التوازنات في الـدول الغربيـة بصورة أسرع من الدول الأخرى. وربما نفسر الأمر تبعاً لدرجة الظلم التي وقعت على الإنسان الغربي بسبب نظام الإقطاع واستغلال الرأسمالية. من المعروف أن درجة التحدي تتصاعد فـي قوتها مع درجة الظلم، فكلما اشتد الظلم، ارتفع منسوب الـوعي الإنسـاني بظروفـه، وارتفـع منسوب رغبته في عمل شيء ما يخرجه من مأزقه. التمرد هو أحد هذه الأشياء. ولهـذا نجـد حركة الشعب أو الشارع تتطور مع تطور معيارين وهما تعقيد الحياة واستمرار الظلـم. تعقيـد الحياة من النواحي الاقتصادية والمالية والاجتماعية يؤدي إلى مزيد من التفاعل بين الناس بسبب خروج أعداد كبيرة من مواقعها التقليدية لتعمل في مصنع، أو لتلتحق في جامعـة، أو لتتـدرب على مهارة معينة، الخ. ارتفاع درجة التفاعل يؤدي إلى انتعاش الأفكار، وإلى حصول تكـتلات مختلفة منها ما يركز على التغيير. يشتد هذا التفاعل ويأخذ منحى تحليليا نقديا، وربما انتقامياً إذا استمر الظلم واشتد، وهذا ما حصل في الدول الغربية.

   أما في دول العالم النامي، فواضح أن تسارع تعقيد الحياة بطيء، والرغبة في التغيير ما زالت متباطئة على الرغم من وجود الظلم. يتباطأ التغيير كلما كانت الحياة أقرب إلى البدائيـة، وكلما اقترب المجتمع من السذاجة، وساقته العادات والتقاليد المتوارثة بدون أدنى تساؤل. ولهـذا وجدنا تطوراً في التطوير الحضري في الدول الغربية أسرع بكثير مما هو موجود فـي الـدول النامية، بل أن أغلب التطوير في الدول النامية يتركز في الأحياء الحضارية المصممة في الغالب لإعطاء صورة ناصعة عن جهود الحاكم في التنمية والتطوير. 

تاسعاً: أمام القوى المستضعفة الآن فرصة جديدة للضغط على المتنفذين غير الفرص التقليديـة وذلك من خلال عالم الإليكترونيات بخاصة الشبكة الإليكترونية. من المفهوم أن الناس يشـعرون بالضعف أحيانا، وهم لا يقوون على مواجهة السلطة حتى لو كانوا على وعي تام بالظلم الـذي يلحق بهم. من المتوقع تاريخيا أن يكون التكتل هو النتيجة الحتمية للظلم، لكن الآن هو وسـائل اتصال سريعة ومن الممكن التسريع في عملية التكتل التي تضع بحد ذاتها ضغطاً على الحكـام ومن تحالف معهم. بإمكان أصحاب الأحياء الفقيرة في مختلف أنحاء العالم أن يتبادلوا الخبـرات في مجالات تحسين ظروفهم والضغط على المسئولين، وأن يشجعوا تلك الفئات المترددة من أجل أن تكون في الميدان، ليس بالضرورة ضد أحد وإنما من أجل عدالة للجميع.

  تشكل الشبكة العنكبوتية الآن وسيلة جيدة للتواصل والاتصال والتنظيم، ومن المعـروف أن القوى المناهضة للعولمة تعتمد في عملها بشكل رئسي وأساسي على الشبكة، واسـتطاعت أن تحقق إنجازات كبيرة في هذا المجال، وأن تقيم تجمعاً عالمياً مناهضاً للعولمة. هذه تجربة تفيـد أصحاب الأحياء الفقيرة في المدن في مسعاهم نحو تخطيط حضري منصف وعادل. 

2.8 التوصيات

  تكتب الرسائل والكتب والمقالات والأبحاث في الدول النامية، وتعقد المؤتمرات الكثيـرة وتجرى الدارسات، ولكن لا يبدو أن العقل العلمي قد غزا المسئولين والحكام. لكن، علـى أيـة حال، من أجل الأمانة العلمية، أسوق التوصيات التالية: 

أولاً: العدالة هي أقصر الطرق نحو تحقيق استقرار يسوده الاطمئنان، وليس الخـوف، بحيـث يحصل كل إنسان في الدولة على حقه، ليس بالضرورة بدقة مثالية وإنما بطريقة لا يشعر معهـا بالغبن والاستغلال. طبعا هناك استقرار لا تسوده الطمأنينة بخاصة ذلك الذي تفرضـه أجهـزة الأمن بالقوة، وهذا استقرار شكلي قد ينفجر في أية لحظة. ولهذا من الأفضل أن ينتبه الحاكم أو أصحاب السلطة إلى ضرورة توزيع الثروة أو الحظوظ المادية بطريقة عادلة تراعـي ظـروف مختلف الفئات الاجتماعية. المساواة ليست مطلوبة، وهي غير ممكنة إلا في المسائل العددية، أما العدالة القائمة على احترام الإنسان، وتوفير أساسيات العيش الكريم فضرورية إذا كان للوئام أن يستمر داخل المجتمع. إهمال الفقراء والمعوزين عبارة عن عمل غير محترم وينم عـن جشـع أصحاب السلطة، وعن أخلاق سلبية تفضل رغد العيش على حساب راحة الآخرين. ولهذا على المسئولين أن يوظفوا الأموال المخصصة للتخطيط الحضري بطريقة يستفيد منها الجميـع دون استثناء، وأن يكون تطور مختلف الأحياء في المدينة مرتبطا بتطور القدرات والإمكانات ولـيس بثراء الشخص أو سلطانه. 

   من المفروض أن الحكم عبارة عن مهنة كغيرها من المهـن، والمهـن وجـدت لسـد احتياجات الناس وليس لتحقيق الثراء. من حق كل فرد بمن فيهم الحـاكم أن يحقـق مصـالحه الشخصية لكن ليس على حساب المصلحة العامة، والحاكم بالذات يجب أن يتمتـع بمزيـد مـن الحذر من أجل أن يكسب مودة شعبه وذلك لإقامة الاستقرار، لتجنـب الكثيـر مـن الكراهيـة والبغضاء في المجتمع. 

ثانياً: من المهم التركيز على التربية من أجل تجنب التعامل مع الإنسان بعيدا عن إنسانيته ووفق ما يملك من مال أو سلطان. إنه من الخطورة تربية الأطفال على احترام المال أكثر من الإنسان، وهذا من شأنه تحويل المجتمع إلى مجتمع عنصري قمعي استغلالي. مـن مسـؤولية أصـحاب السلطان وضع البرامج التربوية التي تقدر الإنسان وتحترمه لأن في هذا أساس إقامة العدالة. إذا تم ذلك، فإن الثري لن يستصغر الحي الذي يسكنه الفقراء ويرحل إلى حي يقيم فيـه الأثريـاء، ومن ثم يتوجه العمل نحو خدمة الجميع وتطوير الأحياء دون تمييز، كما أنه من المهم أن يعلـم الفقير أن فقره ليس عاراً، وإنما عبارة عن حالة مادية يمكن الخروج منها بطريقة أو بـأخرى. من المفروض ألا يحدد الفقير موقعه من خلال المال الذي لا يملكه، ويجب أن يـتعلم أن قيمتـه كإنسان محفوظة ومحترمة.

   البرنامج التربوي أهم من القرارات السياسية بتطوير أحياء الفقراء لأن القرار السياسـي قد يطبق في وقت معين أو تحت ظروف معينة، أما التربية فلها مفعول مستمر عبـر الأجيـال. وعادة العادات والتقاليد لها احترام لدى الناس أكثر من القانون، ومن شـأن التربيـة أن تحـول احترام الإنسان ذاته إلى تقليد أو عادة نابعة من الداخل الإنساني. القانون مفروض فرضاً، أمـا التقليد فعبارة عن بناء نفسي داخلي. 

ثالثاً: التحيز في مسائل التطوير الحضري مرتبط بالفساد المالي والإداري، ولهذا يجب محاربـة الفساد من أجل أن تستقيم الأمور. الغالبية الساحقة من أصحاب السلطان فـي مختلـف الـدول يمارسون الفساد بنسبة أو بأخرى، لكن الفساد في الدول النامية، والتي هي بحاجة ماسة للتنميـة والتطوير مستفحل, ومن المهم إعلان الحرب على ذلك إذا شاءت شعوب هذه الـدول أن تـوفر المال من أجل راحتها وتحسين ظروف سكنهم ومعيشتهم.

   لكن المشكلة تبقى في البحث عن الذين يحاربون الفساد. هل من المتوقع أن يقوم الحاكم الفاسد بمحاربة فساده، وتصحيح الأوضاع؟ مؤخرا وفي هذا القرن الحادي والعشـرين، أخـذت بعض الدول الأوروبية والأمريكية تتدخل بالمزيد في شؤون الدول الأخرى الداخلية وتحاول أن تفرض عليها إصلاحات في أدائها المالي والإداري، وتهدد الحكم فيما إذا لم يستجب لطلباتهـا. وما يمكن هذه الدول من فرض بعض الإصلاحات أحيانا هو تقديمه لدعم مالي أو تقني أو أمني أو عسكري للحكم. بعض الدول تشترط الآن تقديم الدعم بالإصلاحات. 

رابعاً: واضح أن النظام الديمقراطي قد نجح في تضييق الفجوة بين أحياء الفقراء والأثرياء فـي المدن، ووفر أجواء من العدالة أفضل مما كانت عليه تاريخيا. وبما أن هذه التجربة الديمقراطية قد حسنت من أوضاع الفقراء، فإنه من المهم الاستفادة منها لتحسين الأوضاع في الـدول غيـر الديمقراطية. فهل ستصر الشعوب على انتزاع حرياتها وتغيير الأوضاع نحو الديمقراطية؟. 

ومن ناحية أخرى، أثبتت تجربة بعض الدول الاشتراكية أن إعادة توزيع الثروة ممكـن وبطريقة تسمح للمستضعفين الحصول على ما حرموا منه عبر الحقب التاريخية. تشير تجربـة كوبا وكوريا الشمالية إلى أنه من الممكن تحقيق الانسجام بين مختلف الأحياء في المدن، وإعطاء جميع الأحياء ذات الانتباه. 

خامساً: من المهم الانتباه إلى ضرورة استثارة المشاعر الدينية من أجل تحقيق العدالة، وتضييق الفجوة بين الأحياء في المدن. من الضروري تذكير الجميع بالتعاليم الدينية، وحـض المؤسسـة الدينية على التمسك بتعاليم العدالة والضغط من أجل تحقيقها. النـاس فـي أغلـب دول العـالم يمارسون شعائر وطقوساً، لكنهم لا يتمسكون بالتشريعات الاجتماعية. وبما أن الناس في الـدول النامية ينظرون إلى المؤسسة الدينية بنوع من الثقة فإن إرشاداتهم قد تجدي نفعا إذا كـانوا هـم رواداً بتطبيق التعاليم على أنفسهم قبل الطلب من الآخرين تطبيقها. وربما يكون لهذا وقع كبيـر في الدول الإسلامية التي تشهد مدا إسلامياً متزايداً، وتقديرا للمتدينين الذين يحضون على تغيير الأوضاع لتتناسب أكثر مع قيم العدالة الإسلامية. 

سادسـاً: تحت كل الظروف، من المتوقع أن يعمل الفقراء والمستضعفون على التجمع والسـعي للعمل معا كجماعة متماسكة لأن في التماسك قوة، ومن الممكن أن يأتي بنتـائج إيجابيـة علـى التخطيط في مختلف القطاعات بما فيها التخطيط الحضري. جـرب النـاس التكتـل، ونجحـوا وحسنوا ظروف أحيائهم، وهم حتى الآن يعملون بطريقة جماعية. هذه تجربة تستحق أن تكـون مرجعية، أو أن يستفاد منها في الدول النامية. التجمع يخيف أصحاب السلطان، وإذا لـم تتـوفر لديهم لأخلاق الفاضلة لإقامة نوع من العدل، فإن القوة الكامنة في التجمع تجبرهم علـى ذلـك، وتدفعهم إلى القيام بما لا يحبون.


   ليس شرطاً القيام بثورة أو تمرد يطوف الشوارع يخرب ويدمر، لكن التلويح بالقوة مفيد، ويبقى هناك أمل الاستجابة. وإذا كنا لا نريد أن نقوم بدور القديس فإننا نقول إن على المظلومين أن يكونوا جاهزين لانتزاع حقوقهم بالقوة إن فشلت الحسنى.


للتحميل اضغط                  هنا

للقراءة والتحميل اضغط  هنا  أو   هنا

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3832018391793669111
https://www.merefa2000.com/