الاقتصاد الأزرق وتحقيق التنمية المستدامة فى النقل - د. منى صبحى نور الدين
جريدة BlueEconomy بلو اكونومي - 26 مارس 2021م
والاقتصاد الأزرق يعنى الإدارة الجيدة والإستخدام الأمثل المستدام للموارد المائية (البحار والمحيطات والأنهار والمياه الجوفية ومياه الأمطار والبحيرات) ويرجع مفهوم الإقتصاد الأزرق إلى رجل الاقتصاد البلجيكى غونتر باولى عام 2012 م وكثيراً من الدول تبنت هذا الفكر ومنها كينيا حيث عقد بها أول مؤتمر فى 26 _ 28 نوفمبر 2018 م عن إستدامة الاقتصاد الأزرق والذى شاركت فيه ما يقرب من 184 دولة .
ويعنى هذا النوع من الاقتصاد الاهتمام باقتصاديات المياه بعيداً عن الاقتصاد التقليدى الكلاسيكى حيث يساهم الاقتصاد الأزرق بنحو 3,6 تريليون دولار وفقا لدراسة البنك الدولى ويساهم بنحو 270 مليار دولار سنويا من الناتج المحلى الإجمالى العالمى بالإضافة إلى قطاع السياحة الساحلية والبحرية وهو يضم مجالات عديدة تتمثل فى الطاقة والنقل البحرى والصيد والاستزراع السمكى والسياحة البحرية والاهتمام باقتصاديات الدول البحرية الجزرية وشبه الجزرية والدول متعددة الجبهات الساحلية والدول الساحلية وإلى أى مدى تهتم الدول بتنمية سواحلها البحرية وتنمية الموانئ البحرية كمناطق ومحطات لوجيستية ومناطق استثمارية مولدة لأنشطة القيمة المضافة ، وتوفير أنشطة أخرى مثل التوكيلات الملاحية والتأمين البحرى وشركات تموين السفن والشحن البحرى والصناعات البحرية والتجارة وتكنولوجيا الاتصال والمعلومات البحرية و التعليم والبحوث البحرية .

، وفى مجال الصيد البحرى يعيش 11 % من سكان العالم هلى هذا القطاع ويوفر الكثير من فرص العمل بالإضافة إلى مجال التكنولوجيا الحيوية البحرية والتى تستخدم فى قطاعات صناعية عديدة مثل مستحضرات الصيدلانية والدوائية بالإضافة إلى التعدين فى سواحل البحار وأعماق البحار والمحيطات والسياحة البحرية والترفيهية والطاقة المتجددة البحرية وتشمل الطاقة الشمسية البحرية والرياح البحرية والأمواج والمد والجزر وحرارة المحيط وطاقة الكتلة الحيوية البحرية وتعد طاقة الرياح البحرية هى الأكثر انتشارا ، كما يوفر فرص جديدة لتطوير السياسات والاستثمار والابتكار في معظم المجالات.

وفى مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية حول العالم تشغل الكابلات البحرية نحو 95 % من جميع البيانات الرقمية حول العالم ، كما أنها تعتبر مصدر للغذاء لنحو 4,3 مليار شخص حول العالم مع توفير أكثر من 15 % من البروتين الحيوانى المستهلك سنويا ، كما أن 30 % من النفط والغاز المستخرج حول العالم ينتج من البحار والمحيطات ويقدر نشاط السياحة البحرية 5 % من الناتج المحلى الإجمالى .
وتعتبر المناطق الساحلية من أكثر المناطق إنتاجا فى العالم وهى الأكثر عرضة لتغير المناخ والأخطار الطبيعية والفيضانات والتعرية وارتفاع مستوى سطح البحر والمناخ المتطرف ، والتلوث البحرى ، وتسعى الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية والبحرية ) IMCAM) إلى تنسيق تطبيق السياسات المختلفة التى تؤثر على المنطقة الساحلية والأنشطة البحرية ويتم تطبيق تلك الإدارة فى معظم البلدان الساحلية واتفاقية التنوع البيولوجى 2010 كمنهج شامل .

أما فيما يخص التخطيط المكانى البحرى MSP ( Marine spatial planing) التخطيط المكانى البحرى هو نهج الاستخدام المستدام وحفظ التنوع البيولوجى والذى يهدف إلى تعزيز الوعى بالبيئات والاقتصاديات البحرية من خلال زيادة فهم النظم الساحلية والبحرية وتعزيز قضايا الاستدامة للموارد البحرية مثل إدارة الموارد الطبيعية وتأثيرات ظاهرة تغير المناخ والسلامة والأمن الغذائى وإنتاج الطاقة المتجددة وبناء القدرات البشرية من خلال التدريب المستمر ووبناء القدرات فى العديد من التخصصات مثل الملاحة البحرية وإدارة الموانئ البحرية والتجارة البحرية والقانون البحرى .
ولقد تم اختيار مصر لإقامة واستضافة مؤتمر الاقتصاد الأزرق عام 2020 برعاية من الاتحاد الأوروبى حيث تعد أول مشاركة لها فى المنتدى الذى يقام بتمويل من الاتحاد الأوروبى وميناء نابولى الإيطالى وسيعقد المؤتمر فى مدينة الإسكندرية باعتبار ميناء الإسكندرية الذى يعد من أهم موانئ البحر المتوسط .
وبالنسبة لأهداف التنمية المستدامة التى وضعتها الأمم المتحدة فى 2013 نجد أنها لا يمكن تلبية متطلباتها إلا بالاهتمام بالنقل وخاصةً مع استيراتيجية التنمية المستدامة والتى تبنتها الدول والمؤسسات والمنظمات العالمية ويسهم النقل البحرى بدور كبير فى تحقيق التنمية المستدامة يتم توضيحه فيما يلى :
وللنقل البحرى دور كبير فى الترويج لمجتمعات سلمية وشاملة للمدن المستدامة توفير أجهزة الكشف الاشعاعى فى الموانئ البرية والبحرية والموانئ الجافة والمطارات لكشف الأسلحة والمخدرات كما أن تعزيز استدامة شبكات النقل بنجاح يساعد على خلق مدن ملائمة للعيش وأكثر استدامة .
ويمكن تطوير وتحسين إستدامة النقل البحرى من خلال عدة إستيراتيجيات كما يلى :
1- إستيراتيجية الإدارة :
وتتم من خلال تحديد تبعية الموانئ ومدى استقلاليتها وتكاملها وتنافسها وتوحيد نظام الشباك الواحد على المستوى العالمى فى نظام محطات الحاويات وإيجاد سياسات ونظم وإدارة وتشغيل ذات طابع مستدام وتعزيز مشاركة القطاع الخاص وتطوير إدارات التسويق لمحطات الحاويات العالمية والموانئ والخطوط الملاحية لضمان استدامة تشغيلها ، ووجود التدريب الجيد فى مجال النقل البحرى وخاصة للعمالة البحرية لضمان جودتها واستدامة الطلب عليها .
2- إستيراتيجية البيئة :
وتهدف لإيجاد مدن موانئ وموانئ نظيفة بيئياً و كفاءة استخدام الوقود وتقلص الانبعاثات من السفن وتوفير أماكن لاستقبال نفايات السفن .
3- الإستيراتيجية الجغرافية باستخدام نظم المعلومات الجغرافية :
وتتم من خلال توفير نظم معلوماتية مختلفة تتعلق بالتوزيع الجغرافى للموانئ ومحطات الحاويات العالمية وإعداد أطالس جغرافية بحرية زمنية للتعرف على التغيرات فى النقل البحرى واتجاهات الحركة عبر الموانئ حيث يتعرض العالم حالياً فى ظل التغيرات السياسية والاقتصادية لما يعرف بحرب الموانئ ورسم الخرائط الخاصة بتصنيف الموانئ على مستوى العالم حسب أجيالها المختلفة وضمان تقديم المساعدة للموانئ فى الدول النامية ، ورسم الخرائط للتنبؤ باتجاهات الحركة ، كما يجب إعداد قواعد بيانات جغرافية لتحديد المراكز اللوجيستية والموانئ الجافة وكذلك التحديد الأمثل لمناطق الظهير والنظير من خلال تطبيق نظم المعلومات الجغرافية .
كما تضم الإستيراتيجية الجغرافية العالمية تطوير شبكات النقل وخاصة النقل العابر (النقل البرى عبر الطرق والسكك الحديدية والنقل النهرى) وضمان وصول الخدمات للدول الحبيسة فى قارات أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية ،والتنبؤ بالأسواق العالمية وضمان المحافظة على الأسواق الحالية (استدامة الأسواق) وضمان التوزيع الجغرافى العادل للموانئ ومحطات الحاويات على السواحل وضمان وجود برامج يتبناها الأونكتاد لتنمية المناطق البحرية الفقيرة .
4- الإستيراتيجية المعلوماتية والنقل الذكى :
وتتلخص فى إيجاد نظام معلوماتى متطور بالموانئ البحرية من خلال استخدام نظم تحديد المواقع بالأقمار الصناعية ونظم المعلومات الجغرافية ونظام التبادل الإلكترونى للبيانات وضرورة وجود قاعدة بيانات على مستوى المناطق البحرية والموانئ والأساطيل البحرية وشركات الخطوط الملاحية وتطبيق أحدث الطرق الالكترونية للمتابعة والاتصالات وضمان وجود بنية معلوماتية فى الموانئ البحرية وضمان تطبيق نظام معلوماتى واحد يتسم بالعالمية فى معظم موانئ العالم لكل نوع من أنواع البضائع بالميناء ومساعدة الدول النامية فى وجود تلك التطبيقات بموانئها عن طريق التدريب .
5- الإستيراتيجية الأمنية :
دعم النقل الآمن الذى يساعد على وجود مجتمعات آمنة كهدف رئيسى من أهداف التنمية المستدامة من خلال دعم الموانئ بالأجهزة الإشعاعية وضمان سلامتها واستدامة تشغيلها ووجود حجرات الكشف الإشعاعى بالموانئ وفيما يخص الممرات والمضايق البحرية مراقبة الحركة فى المضايق البحرية وخاصة المضايق التى تعانى من مشكلات سياسية مثل مضيق هرمز وذلك من خلال تفعيل منظومة الاستخبارات المعلوماتية ونظم تحديد المواقع المتقدمة .
6- إستيراتيجية الوقت :
وتهدف إلى وصول البضائع فى الوقت المناسب وتحقيق مفهوم just in time ويعمل هذا على تحقيق مفاهيم التنمية المستدامة فيما يخص القضاء على الفقر والجوع ويتأتى ذلك من خلال تبني سياسة اقتصاديات الحجم بالنسبة للسفن البحرية وحل جميع مشكلات النقل العابر وخاصة الدول الحبيسة وضمان المحافظة على كفاءة وسرعة عملية التشغيل بالموانئ وعلى الأرصفة وخاصة بالنسبة لسفن الحاويات كما يحدث فى ميناء جبل على .
7- ستيراتيجية التخطيط اللوجيستى الجغرافى وسلاسل الامداد :
ترتبط الخدمات اللوجيستية ارتباطاً وثيقاً بعلم الجغرافيا إذ تعتمد الخدمات اللوجيستية فى المقام الأول على الموقع الجغرافى المتميز بإمكانية الوصول إلى كل مراكز العالم وباعتباره سوق عالمى وإقليمى ، وتفهم العلاقات المكانية بين الأقاليم الجغرافية المختلفة والربط بينها حتى يتم تحقيق التكامل اللوجيستى المطلوب ، وكذلك تفهم مراكز الثقل الاقتصادى العالمية وتحولاتها الحديثة ، ومن المتتبع لحركة التجارة الدولية فى الآونة الأخيرة يجد أنها أصبحت أكثر تركزاً فى الشرق (مجموعة دول شرق وجنوب شرق آسيا) وأصبحت الصين هى الأكثر سيطرة .
ويرجع التغير فى نمط التجارة إلى التغير فى نمط الصناعة العالمى وظهور الحاويات وعولمة التجارة مما أدى إلى ضرورة وجود ارتباط بين الموانئ المختلفة وخاصة الموانئ المحورية الكبرى وموانئ الترانزيت والموانئ الصغيرة فى المناطق الجغرافية المختلفة وضمان تشغيل سفن الروافد الصغيرة (Feeder Ship) وسفن الحاويات الكبيرة (Mother Ship) ووجود المراكز اللوجيستية بخدماتها المختلفة حيث تتميز الخدمات اللوجيستية بالبعد الجغرافى الذى يشمل (التدفقات والعقد والشبكات) وتشمل التدفقات مناطق تجميع المواد الخام وتجهيزها للمصنعين ومع توفير وظيفة التخزين ، بينما تركز العقد على المواقع البحرية الاستيراتيجية وإقامة مراكز لوجيستية بها ، بينما تركز الشبكات على دراسة الهيكل المكانى لشبكات النقل المعاصر بما يتفق مع حركة التجارة العالمية ومناطق الانتاج وأسواق الاستهلاك ،وعلى الرغم من التقدم فى وسائل النقل وتكنولوجيا الاتصالات إلا أنه ما زالت الجغرافيا تفرض نفسها على الواقع .
ويوضح الشكل أنشطة المدينة اللوجيستية والتى تشمل الانتاج والتوزيع والاستهلاك وأهمية الربط بين محطات الموانئ والمناطق اللوجيستية والموانئ الجافة ومراكز التوزيع والتى تطورت فيما بعد لتكون أهم ما تحتويه الموانئ الذكية .
وتوضح حركة التجارة الدولية البحرية عام (2018 م) بلغت حمولة السفن العالمية 1924002 ألف طن وتسهم سفن الصب الجاف بأكبر نسبة 42,5 % تليها ناقلات البترول بنسبة 29,2 ثم سفن الحاويات بنسبة 13,1 % من إجمالى حمولة السفن العالمية ، كما يجب زيادة سفن الركاب والسياحة وكذلك سفن الكيميائيات وسفن الغاز والاهتمام بها .
ويوضح الشكل مؤشر الترابط البحرى (Level of Maritime Connectivity ) وفقا لتقرير النقل البحرى الصادر من الأونكتاد عام 2018 تزايد مؤشر الارتباط فى الدول البحرية الهامة ومنها الصين التى بلغت 187,8 تليها سنغافورة 133,9 ، كما توجد مصر كدولة ضمن تلك الدول وبلغ مؤشر ارتباطها 70,3 أى مقاربة لليابان وتايوان الذى بلغ مؤشر الارتباط بهما 76,8 و 78 ، أى ضرورة استثمار تلك المؤشر فى تعظيم النقل البحرى المصرى بينما بلغت دولة الإمارات العربية المتحدة 83,9.
0 تعليقات
شكرا لتعليقك .. سيتم الرد عليكم في اقرب وقت ممكن .
كوكب المنى